الدكتور زاحم محمد الشمري
لكل شعوب الأرض انتماءات روحية للرقعة الجغرافية التي يعيشون عليها، ويلتحفون ترابها الدافيء، الذي يشعرهم بالأمان والاطمئنان، ويتغذون من سوادها، ويوثقون عبر التاريخ نتاج حراكهم الفكري والاجتماعي من خلال استلهامهم للهمم وللروح الوطنية التي يتأصل في جذورها حب الوطن والمواطن. وتشاء الاقدار أن يرتبط تأريخ البلد بمناسبات لها انعطافات تأريخية ايجابية كبيرة في حياة الشعب خلال مسيرته البنيوية، ومنها العيد الوطني للدولة الذي غالباً ما يشير الى تأريخ تأسيس الدولة ذات السيادة أو إستقلالها من احتلال دولة اخرى بعد قتال مرير وما شابه ذلك من احداث تأريخية بارزة. فالإنتماء الوطني شعور أزلي لا إرادي له محفزات كثيرة من أبرزها العيد الوطني للرقعة الجغرافية التي ينتمي اليها الإنسان.
لذلك اصبح للعيد الوطني لأي بلد من البلدان طقوسه الخاصة وطعم مميز ونكهة على كافة المستويات والاصعدة. فمن خلال الاحتفالية بالعيد الوطني على المستوى الخارجي – البعثات مثلاً- تقوم الدول بالترويج لتراثها ولسياستها الداخلية والخارجية وعلاقاتها بما يتلائم والوضع الراهن الذي تعيشه، بحيث اضحى الالتزام بحضور مثل هذه المناسبات عرفاً في العلاقات الدبلوماسية بين البعثات المعتمدة في الخارج. ومما لاشك فيه فإن الحديث يدور بين المدعويين من السلك الدبلوماسي والحكومي المحلي حول المناسبات الوطنية للبلدان، ويكون العيد الوطني لكل دولة مدار للحديث.
حيث يكون الرسول عرضة في أية لحظة الى السؤال الآتي: متى يصادف العيد الوطني لبلدك؟ سؤال وجيه ولكن الإجابة عليه صعبة بعض الشيء من قبل الذين عطلت بلدانهم عيدها الوطني الى اجل غير مسمى، لربما بسبب غياب أو تغييب الهوية والتجاذبات السياسية التي غالباً ما تبتعد كثيراً عن المصلحة العامة والولاء للدولة والشعب، وتغليب صوت المصالح الشخصية والفئوية على صوت المواطنة، لاسباب قد تندرج في قائمة التراكمات التأريخية التي خلفتها الانظمة السابقة، ناهيك عن التراكم الفكري والعقائدي الذي يتسم به البعض المنافي للقيم الروحية للوطنية والمواطنة في مفهوم فسيفساء المجتمع الواحد. وغالباً ما يكون هناك احراج في الإجابة يسبقها تلعثم وطأطأة للرأس وأبتسامة يشوبها البرود المغلف بنوع من الخجل ولحين اكتمال الفكرة ونضوجها في بضع ثواني لتقديم التبريرات الموضوعية التي غالباً ما تكون أقرب من اللامنطق. وهذا الأمر قد يولد لدى المتلقي من الدبلوماسيين انطباعاً سيئاً عن البلدان التي لاتهتم بهذه المناسبة الوطنية المقدسة، خاصة البلدان الفتية التي تعرضت الى تغييرات جذرية كبيرة في بنيتها السياسية والاجتماعية، وبقيت تعيش تحت وطأة التناقضات السياسية التي بلورت المصلحة الخاصة وحجمت المصلحة العامة.
قد نختلف في أدبياتنا وأثنياتنا ومذاهبنا وعرقياتنا وأولوياتنا وطموحاتنا ومصالحنا، ولكن لايسمح لنا أبداً الإختلاف في وطنيتنا وولائنا وفي الشيء الذي فيه مصلحة الوطن وتربته التي آوتنا وأطعمتنا من خيرها الكثير وأرضعتنا من مائها الوفير الفرات العذب. ومن يخالف هذا الرأي يعد عاقاً لتلك الأم الحنون التي حملته في جوفها وهناً على وهن. المغالات في الوطنية شرف والتدليس عار في تأريخ الشعوب. فانظر الى حالك حين تُسأل من قبل البعض عن تأريخ العيد الوطني لبلدك وانت لا تمتلك الاجابة المقنعة، واقفا مطأطأ الرأس تستحضر الفكرة للإجابة على السؤال، متمنياً أن تكون صائباً فيما تقول وأن تقبل الفكرة كما هي من قبل الآخرين الذين سوف لن يجدوا لك عذراً لما ستبرر أمام تلك القيم العليا.
إن تنمية روح المواطنة لدى المواطن من خلال إقامة المناسبات الوطنية ومنها العيد الوطني يعني الولاء لهذه التربة في السراء والضراء، ويعني أيضاً ازدياد الطموح في البناء، والالتزام بالنظام والقانون، والقضاء على الفساد، واشاعة روح التسامح والمحبة والتآخي بين ابناء الوطن الواحد، ودحر الاعداد والمتربصين بمصير البلد، والقضاء على الولاءات غير الوطنية، واختفاء المظاهر المسلحة والرايات وحب الذات، وتبقى راية الوطن خفاقة عالية بعز أهلها وتكاتفهم وتحابهم وتراحمهم. هذا كله ممكن أن يحدث لو تم استغلال مناسبة العيد الوطني بشكلها الصحيح في المدارس والمؤسسات الحكومية لكي نتغزل ونطرب بحب الوطن والتضحية من أجله كما يفعل الآخرون …. وهنا تكمن أهمية الإستمرار بإقامة مناسبة العيد الوطني وعدم إلغائها من حياة الشعوب والامم؟!