د.علي ثويني
ينسب القوميون الأكراد السومريين عنوة إلى عنصرهم دون سواهم ، مستندين الى ساذج النظرية العرقية (سامية وحامية وهندو اوربية ) التوراتية،و التي اكل الدهر عليها وشرب ،وتصنف اليوم من بقايا فكر (التنوير) الأوربي،وسياقات التصنيف العرقي البالي الذي خدم هذا الفكر ثم أنتحر مع آخر إطلاقة في الحرب العالمية الثانية وموت النازية والفاشية. لقد أنبرت لتلك الأحجية حوالي ستين نظرية تدحظها وتنسفها من الجذور، وبذلك فلا وجود للغات وشعوب سامية ولا آرية البته، إلا في مخيلة القابعين في كهوف العنصرية وضيقي الافق من القوميين من عروبيين وكروديين وصهاينة وغيرهم .
لقد تحجج القوميين الاكراد بنتف من كلمات لاتتعدى أصابع اليد، مدعين بسذاجة ان اللغة الكردية لم تتغير منذ كهف شانيدر قبل اكثر من ستين الف عام خلت، وهذا مجاف للعلم اللبيب، حيث لا تمكث لغة على حالها أكثر من ستة قرون بحسب علماء الالسنة، فما بالك بستين الف سنة. سبق وان أشار الى ذلك مقال كتبه الدكتور علي الشوك بما يتعلق بالتلاقحات والإقتباسات الحضارية في كنف التاريخ الإنساني، ولاسيما في العلوم والألسنة،ويقرأ الرأي من عنوانه: (السومريون ليسوا أكراداً … الى ان تظهر أدلة جديدة)، معتمدا على المعطيات اللسانية والأجناسية، إذا أفترضنا أن الأكراد جنس واحد متجانس،وهذا مجاف للحقائق والوقائع فالأكراد مثل غيرهم في المنطقة فيهم كل السحن والألوان البشرية، مستندين في ذلك إلى حقيقة أن لايوجد في العراق “بسبب موقعه الوسطي” جنس نقي واحد ، ولا لغة واحدة ثابته وأصلية ، ومن ضمنها أكرادنا في العراق النازحين إليه في ازمنة متاخرة، وليس من اثر حفري مكتوب يثبت تواجدهم السابق، حتى إذا تحاشينا حقيقة ان اللغة (اللغات أو اللهجات) الكردية سماعية ولم تكتب في التاريخ ،لتحفظها من سنن التغيير، وهذا سياق يقره علماء الغرب وليس نحن أهل بيت النهرين.
لقد حدث أن ذابت بعض اللغات العراقية ببعضها ، وذلك بعد الهزات التاريخية الكبرى، فالسومرية ذابت بالأكدية وأختفت في نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد ، ثم البابلية والآشورية التي أنخرطت في بوتقة الآرامية ومكثت حتى الفتح الإسلامي ، ثم تهاجنت الآرامية مع العربية وذابت بها، ولم يظهر لنا بحث عن وجود لغة كردية بعينها في مدونات التأريخ. وهنا نشير الى أن العناصر المنفتحة في الإسلام قدرت سطوة الألسنة في ثابت الثقافات ، ولم تجبر شعباً أرتضى الإسلام دينا أن يبدل لسانه ، بالرغم من أنها ثبتت نصاب العربية الحجازية الجامعة كلغة للدين الجديد، كما لاتينية الكاثوليك ويونانية الأرذوكس. وينقل أن النبي الكريم محمد(ص) قد أوصى خيرا بالسريانية(الآرامية) ، وكذلك الحال مع الإمام علي(ع) الذي كان يتكلم الآرامية(النبطية)، وجاء أن كلم بها اهل غرب بغداد قبل تأسيسها وهو عائد من النهروان ومارا ببراثا،كما اورد ذلك الإمام جعفر الصادق وأقتبسها المجلسي في (بحار الانوار).وهكذا أقر النبي محمد(ص) بأن (ليس العربية منكم بأب أو أم، وإنما هي لسان) وهذا ينسف النظرية القومية العرقية التي تعتمد الألسنة حجة وتلبسها رداء كما رداء عثمان.
وأقدم لغة مكتوبة في التأريخ البشري حتى اليوم بصيغتها الصورية هي السومرية الأولى ، ولم ينتبه الباحثون الغربيون أول الأمر الى هذه اللغة حتى بعيد منتصف القرن التاسع عشر . وكان أول من توقع وجود لغة عراقية أخرى هو (هنكس) وذلك في عام 1850م، ليعلن عام 1852م بأن (رولنصن) توصل من دراسة معاجم العلامات المسمارية المكتشفة في تل قوينجق الى وجود لغة أخرى مرادفة للغة البابلية وهي ليست من نفس العائلة اللغوية. وأخطأ كل من (هنكس) و (رولنصن) في انتماء هذه اللغة فاعتقدا إنها تنتمي الى اللغات الطورانيةوهي لغات تركية كما الأذرية والتركمانية،وطوران يبدو أنه يعني (الجبل) بالأكدية، بالرغم من وقوعه في أسيا الوسطى،وقد نسب إليها أصل الأتراك. وأطلقا بعد ذلك عليها اسم اللغة (السكيثية) ثم أطلق عليها (رولنصن) تسمية (السكيثية البابلية) عام 1853م . وفي عام 1869م وجد الاسم الصحيح للكتابة السومرية والمتكلمون بها هم السومريون بفضل (يوليوس أوبرت) خلال محاضرته في الجمعية الفرنسية للمسكوكات والآثار. إلا انه قوبل برفض شديد من قبل (جوزيف هاليفي) الفرنسي اليهودي المتعصب الذي عمل في مصر واليمن ، والذي بدأ من عام 1870م ولثلاثة عقود متتالية محاولاته المستمرة لتفنيد وجود مثل هذه اللغة ،وروج أن هذه ليست لغة بل رموز سرية ابتدعها كهنة بلاد بابل لتدوين أسرار شعائرهم الدينية ،وسميت بالكلدانية، ومازال البعض يضنون الأمر عينه حتى اليوم، حتى بعد أن ثبت نصاب وجود هذه اللغة والقوم والثقافة منذ عشرينات القرن العشرين.حيث اتضحت حقيقة اللغة السومرية بشكل دامغ ، و بدأت التنقيبات الفرنسية في موقع مدينة كرسو القديمة ( تلو بالقرب من الدوَايه في محافظة ذي قارالناصرية)، حتى إستخرجت آلاف النصوص السومرية ، وإستمرت هذه النصوص بالتدفق خلال عشرات الآلاف في مدن نفر وشروباك .وأدعى الإنكليز ان 75% من لغتهم من أصل سومري، وأدعى الأمر عينه شعوب غريبة مثل الهنغار واللاتفيين والفنلنديين والاتراك واليوم بعض الكتبة الأكراد، ولا غريب في إنتشار الظاهرة كون السومرية جذر ماكث في جل لغات الدنيا ومنها حتى الكردية إذا تشابهت بعض مفرداتها ولايعني إحتكارها لها، حتى لنجد مثلا كلمة سيموك(simug) تعني حديد او معدن وهي مطابقة لكلمة في السويدية (سنيك -snick) وتعني الحداد ، حينما تترادف الميم والنون عادة. وعلى نفس التوجه العنصري الإبتزازي ، ربما يعلن السويديون يوما من جراء تلك المحاكاة إنتماءهم لسومر!،وأجزم انهم لايفعلوها كونهم تجردوا من العنصرية التي تنخر عقول القوميين من كل الأصناف عندنا.
صدر عام 2007 للباحث العراقي الدكتور نائل حنون كتاب عنوانه: “حقيقة السومريين”، وأستنتج بأن لا يوجد شعب أسمه السومريون، وما يتعلق بهم كمجموعة أثنية مستقلة أو ذات خصوصية . دعما للافتراض القائل بأن السومرية هي ظاهرة كتابية ، ولا وجود للسومريين كأثنوس مستقل ومتباين ، وعلى الأرجح هم أنفسهم أسلاف الأكديين مخترعوها. لكن الأمر الذي يتبادر للخاطر في تلك الطروحات بأن لو كان الأكديون قادرون على اختراع لغة كتابة (أي السومرية) بالتوازي مع لغتهم فلماذا لم يتمكنوا من تعديل وتطويع لغتهم الأكدية نفسها لتكون هي لغة الكتابة . وهل المجتمع في جنوب العراق في تلك الحقبة الموغلة من تاريخ البشرية كان مؤهلاً لهكذا سلوك معرفي/ علمي وثقافي متقدم ومركب يمكن أن يحاكي اختراع الحاسوب في زماننا. وعلق علي الشوك على رأي نائل حنون : بإن الانشغال بأصل السومريين له أسباب بعلاقة المركز مع الهامش والسعي لتهميش ما هو عراقي . وأعتقد بأن العراق وفر ظرفاً موضوعياً ساعد على تخليق حضارة لها دور كبير في نشوء وتشكل الحضارات الشرقية وهذا وحده كاف لارتباط العراق مع السومريين على الرغم من وجود آراء عديدة حول عراقيتهم.
ونجد في هذا السياق بحثا كتبة الدكتور بهاء الدين الوردي الذي اغترب في المغرب وكتب (حول رموز القرآن الكريم) 1983،ونشر معجم عن مقابلات للكلمات السومرية والأكدية والعربية عام 1996 ،وكتاب عنوانه(قوم نوح) ، وهو تفسير لآيات القرآن بحسب المعطيات الحفرية من رقم طينية وأختام تعود حتى الألف الرابع قبل الميلاد ، ومنها مثلا العشرون ألف رقم طيني التي وجدت في مدينة نفر(نيبور) (قرب عفك)، والتي تحوي تفاصيل من الحياة الفكرية والاجتماعية السومرية ، قبل أن يكتشف كنز مكتبة (آشور بانيبال) في قصره بشمال العراق.
و يؤكد الدكتور بهاد الدين الوردي أن كل ما ورد في القرآن الكريم يجد له سنداً في تلك الآثار المكتوبة ، ولاسيما قصة الطوفان ، وكذلك أسماء الله الحسنى التي وردت في الإسلام وهي محض أسماء تداولها السومريون فمثلا كلمة (الجبار) أصلها (Gbar) الإله الثور و(البديع) أصلها (Badiu) وهو الإله حيا إله الماء العذب ويعني البادئ الأول أو المبدع و(الملك) أصلها(Maliku) إله جهنم و(المؤمن) أصلها(Umun) ويعني السيد المعظم . واسم الرحمن يعني القوة لأن(Raman) السومرية تعني إله قوة الرعد والعواصف والأمطار والفيضانات،والتي نقلها الاتروسيكيون(لغتهم سومرية)،بعد رحيلهم من الساحل الشامي وأطلقوها على (روما) عام 735 ق.م. ويورد الوردي أن ورود هذه الكلمة تكرر في الذكر الحكيم 57 مرة كلها بمعنى القوة.ووجدنا من خلال بحثنا بالصدفة كلمة (ساتاران) أي الساتر أو الستار حين (ان-ون) للتعريف هنا كما الأكدية،والكلمة كانت تعني لدى السومريون (الإله الشافي).ويرد في ترجمة ملحمة گلگامش التي كتبها المرحوم طه باقر الكثير من الإيحاءات التي يمكن أن تحاكي مفاهيم فلسفية وردت في القرآن الكريم . مثل رجل الطوفان البابلي “أوتو – نبشتم” أي نوح القرآني.
ودحضا لإحتكار الهنغار واللاتفيين والفنلنديين والاتراك والإنكليز واليوم الأكراد، للغة سومر، فإن الكثير من الكلمات السومرية التي ترد في اللغة العراقية الدارجة نجدها في سياقها العربي أو غيره،بشكل قريب أو مطابق للاصل السومري ،مثلما كلمة تجمع (كوم gom) وهي قريبة من (قوم)، وأسم العراق (كلامkalam) وهي تحاكي إقليم التي تحاكي (climate) في اللغات الغربية التي تعني إقليم ذو مناخ خاص او بيئة.وكلمة (ard) ومنها أستقت(arsh) وتعني الأرض مثلما العربية، والأخيرة قريبة من(آرشي) التركية بمعنى غرفة الجلوس أو الضيوف، وكلمة كور(kur) وتعني حفرة هي قريبة من ضمن كلمة غور،كما في أغوار الأردن أي الأرض المنخفضة،وإذا تحولت الى (كورستان Gor-Gorstan) الفارسية التي تعني (القبر)، حيث كور حفرة وستان يعني المكان.ونجدها في الرومانية (گاوره gaura) بمعنى حفرة كذلك، و(گورةgura ) بمعنى فم وثغر. ،وكلمة (كار kar) السومرية المتداولة اليوم تعني حرفة أو عمل، ويرجعها القوم إلى الفارسية، لكنها أقدم من الفارسية بألفي عام على الأقل، فمن أشتق من الآخر الفارسية وملحقها الكردية من السومرية أم العكس؟، وإذا مكثت عند العراقيين فهل يعني أنهم أكراد أو فرس أم سومريين.ووجدنا أن كلمة قل (gal-gala) التي تعني القصر ، يمكن أن تكون قد تطورت إلى قلعة العربية،على نفس مفهوم البرج (بورگBorg) في اللغات الغربية الذي بدا بقصر على ربوة ليصبح قلعة ،ومنها أستقت(برجوازي bourgeoisie) الفرنسية، وكان الأجدر أن تترجم (البرجي) .
ومن الكلمات القريبة من العراقية نجد مثلا (برbar) وتعني المكشوف أو المفتوح أو الفضاء المفتوح،مثلما هو (البره-البرية). ونجد في الجنوب يستعملون للدلالة على المسطح المائي الذي لا يحوي على قصب(بركه) وهي نفسها(Barag) وتعني المسطح plattform.وكلمة (دوكdug) ويعني حلوى أو طيب المذاق وهي قريبة من (ذوق(ضوﮜ)، وكلمة (أنen) وتعني وقت وهي قريبة من (آن-أوان) وكلمة (كرصه Garza) وتعني طقس أو عادة، وهي فعلا طقس ديني مازال الصابئة يؤدوه، دون أن نجد منهم من يقول أن السومريين هم الصابئة.وكلمة (قش gish)وتعني أثاث أو خشب أو أداة،وهي قريبة من (قش) التي تعني الأثاث أو الأدوات حتى عند المغاربة.ونجد كلمة يتبول(خش kash) وقد قلبها العراقيون إلى(شخ)،وقلب الكلمات وارد في كل اللغات.وكلمة (دبdib) معناها يرسل بعيدا أو يبعد، وهي لدى العراقيين (ذب) أي رمى.وكلمة (أيم em) وتعني كذلك أو مثل أو أيضاً ،وهي في العراقية(هم).وكلمة (Aga, Ag) وتأتي بمعنى مقياس أو وزن، والصيغة الأولى قريبة من كلمة (حق) والثانية قريبة من معنى(حٌكه (حُقّهْ)) ، وهي وحدة وزن شعبية مازالت متداولة. وكلمة (ama) يعني الأم أو المرأة المسنة وهو (يمه) العراقية، وفي بعض اللهجات العربية.ويذكر سبايزر في كتابه الصادر في بغداد عام 1960(العراق القديم نور لم ينطفي(Ancient Mesopotamia a light that did not fail) بأن أسماء النباتات المتداولة اليوم هي من اصل رافدي قديم مثل خيار شنبر والهندباد والكمون والكركم والثغام والمر الملكي والنردين والزعفران والسمسم(شما شما)، وكثير غيرها من الكلمات،التي تحتاج إلى قائمة طويلة .وثمة سياق لايحبذه القوميون عموما من (أعراب وأكراد) بان كلمة (شروكي) التي تستعمل للإزدراء من أهل الجنوب العراقي حصرا، محرفة من كلمة(شروباك) التي تعني الموطن، وبذلك تعني المواطن أو المنتمي الى الأرض العراقية. وكذلك كلمة (معيدي) التي يراد منها القصد الدوني نفسه، وردت من مصدر(عدن Eden) وتعني الخصيب بالسومرية، ومنها ورد مفهوم (جنة عدن) الذي أخترق الكتب المقدسة، وسكان تلك الجنة ورد بإضافة (ميم) الإنتماء، حتى امست (معدن ثم معيدي) مثلما هندسة ومهندس وعمارة ومعمار .والمقصود منها سكان جنة عدن، وهي الأهوار العراقية (البطائح أو الأجمة)، وهذا ما جعل منظمة اليونسكو تيصنف الأهوار ضمن المناطق الثقافية وليس البيئية كونها منبت مفهوم (عدن) التوراتي.
في محاضرة للأديب العراقي المغترب في أمريكا محمود سعيد تسائل فيها عن تفسير وجود تلك الكلمات السومرية حتى اليوم مثل ككور تنور. وشه “شعير” وأدبا مدرسة. التي ما تزال مبثوثة في التعبيرات العامية العراقية بالرغم من اندثار الحضارة السومرية قبل آلاف السنين، ومن الغريب أن اسم أحد أبواب الموصل مازال اسم سومري. “لكش” المتجه إلى جنوب العراق، بالرغم من أن لكش مدينة أهملت قبل آلاف السنين، وطواها النسيان بعد موت حمورابي أي في القرن الثامن عشر قبل الميلاد.وهنا نشير الى ان (ادب) العربية وردت من(آ-دوب) اي الطين المجفف، وهو الذي دعي (الطوب Adobe) وهي قوالب الطين المججف تحت وهج الشمس التي تفخر بين شهري نيسان و آيار،و المستعمله في البناء. حيفث أن المدرسة كانت تدعى بيت الالواح الطينية المجففة كذلك ، ثم تحول اسمها إلى الكتابة ثم الادب، وهكذا فإن (الطوب) و(الأدب)العربيتان صنوان لأصل سومري واحد.
فمن الأولى مقارنة الكلمة السومرية المترجمة إلى الإنگليزية أو الفرنسية أو الألمانية مع ما يقابلها في اللهجة العراقية الدارجة قبل أن نجد ما يقابلها قاموسيا في العربي الفصيح.والأمر ينطبق على كل اللغات العراقية الباقية، ولمست شخصيا ذلك حينما راجعت نصا بابليا فوجدته أقرب إلى المتداول(الجلفي-الدارج) العراقي من الفصيح.وهنا لابد أن نقر بأن السواد اللساني العراقي مازال يتكلم الأكدية الأولى بعد أن تطورت عضويا خلال خمسة آلاف عام وأمست عراقية اليوم الهجينة التي تغلب عليها العربية كإحدى فروع الآرامية وسليلتها الأكدية الأولى،وهذا ثابت ثقافي عراقي دامغ، لو قارناه بأقرب الثقافات كالمصرية الأكثر ثراءاً ومنتجاً، و التي أبدلت لسانها جذرياً من (الديموطيقية) سليلة (الهيروغليفية) مرة واحدة الى العربية خلال ثمانية عقود، وهذا ما ذكره كوستاف لوبون في (حضارة العرب).
ثمة إشكال بأن الكل يحاول قدر إستطاعته حتى من خلال تزوير الامور أن ينسب الجذر السومري لنفسه حصراً، بعيداَ عن الانتماء العراقي المشترك الضام والمتضمن. حيث قرأت مقالا لكاتب قومي كردي يدعى (صباح كنجي) يشرح فيه كيف أن مفردة (يزيدي) متأتية من أسم معبد سومري مخصص للآلهة مردوخ في بورسيبا على تخوم بابل ويدعى(Ezida) وهي ربما تعني هنا الإله الابن، حيث أن زاد ويزيد التي أمست عند الفرس(زاده) ومعناها الابن أو المولد والمغاربة (زيادة أي ولادة). وهكذا حاك الرجل أحجية ساذجة،حيث نسب فيها السومرية إلى “اليزيدية” حصرا دون أن تتأثر بمحيطها المترع بثقافات متشابكة ومتراكبة، وسرد خلط مشوه ومقارنات مع السومرية واردة من مصادر عربية وآرامية وفارسية وتركية وكردية لا منطق يجمعها . كل ذلك كي يستنتج أن السومرية يزيدية محضة وليس الديانة اليزيدية عراقية مكثت منذ سومر.
وهذا هو حال حمى التنافس”القومي”، فالكل يريد أن يدعي أسبقية وأفضلية وتميز، أكثر من مبادرة لتكريس فضيلة أو إنتماء عراقي مشترك، وهذه إشكالية تقبع ماكثة منذ قرون في صلب الثقافة العراقية،و يجدر بالنخب مراجعتها وأخذ المبادرة حيالها ودحضها بالمنطق ،كي لا تترك لكل من هب ودب أن يجتهد وينسب العراق لنفسه متفردا ساعيا في توظيفها بالإبتزاز السياسي والتحاصص العرقي والطائفي الرائج اليوم في عراق مابعد إنقشاع غمة السلطة القومية العروبية التي خلفت الكرودية من بعدها.
تذكرني شطحات القوميين الأكراد بإنتساب العراق للأكراد والفرس حصراً ،بما كان يتبجح به العروبيون من قبلهم ،مما حدى برئيس العراق العروبي عبدالسلام عارف (الذي أتى بعد إنقلاب شباط 1963 البعثي)، أن يسعى تواقاً و”مستعجلاً” إرساء الوحدة العربية، وصرح في القاهرة بأن لديه أكثرية (شيعية) “ويصنفهم وأقرانه (فرس)”، وبذلك فإن دولة الوحدة العربية ستجعلهم أقلية ضمن نسبها السكانية. واليوم يروم “البعثيين” الأكراد إشاعة الأمر عينه ،حينما تتحد أجزاء(كردستان) “وهم يمثلون جنوبها” ليجعل من العراقيين أقلية داخل دولة (كردستان الكبرى)!.