بسم الله الرحمن الرحيم
الدكتور محمود المشهداني
رئيس البرلمان العراقي الاسبق
::::
::::
كان الفن العربي الاسلامي مزيجا من تشخيص لواقع العرب والمسلمين بصور تجمع الادب بالتصور وتوحد الشكل بالمضمون واذا كان الفن العربي التراثي خلا من انماط تزويق المصاحف بالرسوم التشخيصة للنهي الشرعي عن التصوير والتمثيل لكل ذي روح فان العرب والمسلمين اكتفوا بالتصوير الممنهج لكل غير ذي روح من فسيفساء ومن اشكال هندسية ومن تصوير سمت القبلة غير ان كثيرا من الطوائف الباطنية المنتسبة لملة الاسلام او الخارجة عن ملة الاسلام بعقائدها وجدت في الفن التشخيصي التصويري لكل ذي روح من انسان او حيوان او توهم اشكال الملائكة والجن سبيلا الى بث عقائدها او رموزها وكنت ولا ازال اجد ان الفن الرمزي عند هؤلاء جميعا وما فيه من اشارات وطلاسم ورموز واحاج انما يعبر خير تعبير عن الفن الباطني اسماعيليا كان او غير اسماعيلي وربما كان للتاثيرات اليهودية والنصرانية والمانوية والفارسية وحتى التركية وصولا الى التاثيرات المغولية دور في سبك الرمزية الباطنية المشعرة بعقائد اصحابها في انواع متعددة من الفن من رسوم الواسطي الى فصول المعري وغاياته ولزومياته وغفرانه الى الف ليلة وليلة وليس بآخر ذلك فن خيال الظل الذي طوره واعاد صياغته عن فن السماجة القديم المذكور في العصر الاموي والعباسي (بمعنى سماجة اهل التمثيل يومذاك ممن ذكرهم جرير وسواه على انهم اهل السماجة ) واعاد بناءه رمزيا الفنان العراقي المصري شمس الدين محمد ابن دانيال الكحال المتطبب الشاعر والماجن كما وصفه مؤرخوه كالمقريزي مع ملاحظة ان المقريزي نفسه كان يوصف بأنه من له هوى باطني اسماعيلي مع انتسابه للاسماعيليين على ما قيل والله جل جلاله اعلم بالصواب وابن دانيال
(647هـ / 1249م – القاهرة، 18 جمادي الآخرة 710هـ / 1311م)
اوجد مجموعة رموز في تمثيلياته او مسرحياته وفق التسمية الحديثة فنيا او باباته كما اسماها هو رمزيا ومنها مما بقي ووصلنا
عجيب وغريب
المتيم وضائع اليتيم
خيال الظل (( وبهذا الاسم عرف الفن كله ))
وكان هذا الفن القديم الجديد يعتمد على تمثيل الكفين في الظل امام ضوء مع رواية نص ملحق بصوت الفنان ويحمل التمثيل باليد والنص الملحق رمزية باطنية تسخر من كل شئ وهو دأب الباطنيين وديدنهم بلطف التحايل على السخرية من الاسلام واهله ويبدو ان فن ابن دانيال هذا في مصر وافق هوى في عقول العامة غير عالمين ما فيه من رمزية لا يفهمها الا اهل المحافل الباطنية من بقايا الدولة العبيدية الباطنية الخبيثة في مصر المملوكية على طول البعد بين نهاية تلك الدولة وزمن ابن دانيال غير ان ابن دانيال افلح كما افلح المقريزي في ابقاء الاشارات الباطنية الفنية غير المرئية للعوام من دون الخواص مما يحاكي بقية الرمزية العقائدية للباطنيين وكان ابن دانيال يخترع اسماءا فنية لشخصياته تدل على باطنية خفية مثل عجيب الدين الواعظ وابي العجب وهي رمزية اسماعيلية تدل على التعجب من عقول العامة التي لا ترقى ال عقول الخاصة وربما لم يكن ابن دانيال اسماعيليا الا انه جعل فنه منهجا لاحياء الفن الرمزي الاسماعيلي ومن الواضح انه كان حتى في شعره يبث بعض فنه الرمزي كقوله مما صحت نسبته اليه:
يا سائلي عن حرفتي في الوري وضيعتي فيهم وإفلاسي
ما حال من درهم إنفاقه بأخذه من أعين الناس
وقوله من اعين الناس لا يقصد به درهمه بل يقصد ما كان يبثه دعاة الاسماعيلية عن العماية على عيون الناس ومن الواضح ان يعقوب صنوع ( 1912 ) اليهودي الماسوني المصري بعد قرون من ابن دانيال استثمر فن ابن دانيال في خيال الظل وما ترجم له من مسرحيات الغرب ليكون رائد المسرح الرمزي الباطني في العصر الحديث وتلك بعض غرائب الانتقال الفني في مسيرة الفن الرمزي الباطني في مصر ومع ذلك فاننا نجد ان صوفيا باطنيا توسط بين الاثنين هو عبد الغني النابلسي يقول في رمزية خيال الظل:
رأيت خيال الظل اكبر عبرة
لمن كان في علم الحقيقة راق
شخوص واشباح تمر وتنقضي
وتفنى جميعا والمحرك باق
ومن الرمزية التي لا يرمز بها عن الله جل جلاله الا بعض الفلاسفة والباطنيين واهل التصوف وصفه الله جل جلاله بانه المحرك وان خيال الظل يدل عليه
وذلك حديث يحتاج حديثا آخر ان شاء الله جل جلاله
::::
::::