الدكتور رافد علاء الخزاعي
إن مصطلح حرب المقدسات مصطلح قديم منذ نشؤ الحروب على هذه المعمورة والمراد به هو الاحتجاج وحمل السلاح حتى الاستشهاد من اجل حماية المعتقد المقدس والحفاظ عليه.
وحرب المقدسات أو ما يطلق عليها بالعرف العسكري الحرب المقدسة هو شعار يعطي هالة للمقاتلين والمحاربين في قدسية قضيتهم وإعطائهم السبب ألاعتقادي أو الشرعي للجهاد حتى التضحية بالنفس وهو ليس نتاج لحظوي أني وإنما من خلال ترسيخ عقائدي ممتد عبر أجيال وممارسات اجتماعية وعقائدية ودوما حطاب هذه الحرب هم الشباب المعبئ فكريا وعقائديا لهذا النوع من الحروب التي يكون فيها الانتقام بحدود لا توصف من اغتصاب وقتل وتمثيل بالجثث حتى يشمل بقر الحوامل ويكون الهدف المنشود هو الجنة وحواريها والخمر حسب المعتقد الديني والاثني فلذلك ترى جميع الأديان التوحيدية وغير التوحيدية تقوم على الحرب والقتال من اجل نشر المقدس ماعدا الديانة الصابئية. وكانت الحروب الرومانية و الأشورية والاخيمنية هي فرض السيطرة عبر الإلهة وحروبها فهكذا كان كورش ولاسكندر المقدوني وأشور بنيبال وغيرهم من قادة الحروب الكونية الأولى في البحث عن الذات المقدسة. وأول تعابير الحرب المقدسة كانت عبر الحرب اليهودية الأولى في الوصول إلى ارض الميعاد والسيطرة على ارض الكنعانيين كما ذكر في كتاب العهد القديم والتوراة وما اخبرنا به القران وهي حرب بشر بها نبينا موسى عليه السلام عقودا عديدة ولكنها لم تتحقق إلا في عهد طالوت وقتل نبينا داود لجالوت (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) وهكذا نرى استحضارات الحرب المقدسة في تعاليم جالوت من عبور النهر وعدم الشرب من مائه وهذا ما يسمى الاختبار المعنوي للحرب المقدسة وبعدها الحروب الأخرى الممتدة عبر التاريخ من حرب أبرهة الحبشي من اجل تهديم الكعبة ولتأخذ بعد انتشار الإسلام بعدا مقدسا أخر حيث سمى تطهير الكعبة من الأصنام بالفتح بدون قتال به دلالات لاستعدادات الحرب المقدسة التي يجب إن نتوقف عندها وكذلك في فتح القدس وتسليم مفتاحها إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب . وليستمر التاريخ لتدخل الحروب المقدسة ضمن التاطير السياسي المغلف بالدين المقدس فالحروب الصليبية قامت على حماية المقدسات واحتلال العراق في الحروب الصفوية العثمانية قامت على حماية المقدسات , وهكذا بعد إنشاء الكيان الصهيوني على ارض فلسطين تاجر قادة العرب بمشاعر الأمة من اجل المعركة المرتقبة في تحرير القدس وكان الاتهام الجاهز لمعارضيهم هو العمالة لإسرائيل فإيران أرادت اجتياح العراق تحت شعار الطريق إلى القدس وصدام أسس جيش عرمرم تحت مسمى جيش القدس وهكذا ألقذافي وغيره من الحكام تحت شعار الجميع في خدمة القدس ولتأخذ في زمن العولمة في جر العرب إلى حروب المقدسات من خلال رسوم كارتونية لمخبول مجند من قبل الماسونية العالمية تسيء للنبي صلوات الله عليه وعلى اله الأطهار وسكير يحرق القرآن في إحدى ولايات أمريكا وهذه فكرة ابتدعتها الماسونية ونظر لها تحت مسمى صراع الحضارات بالمعنى الأدق هو المفكر اليهودي: (صموئيل هنتنجتون) أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد الأمريكية وأستاذه هو المؤرخ اليهودي (برنارد لويس) المؤسس للفكرة، وقد صاغ (هنتنجتون) أطروحته لأول مرة في شكل مقالة نشرت في صيف عام 1993 م في دورية (فوريجن أفيرز)، وكان ذلك بعد سقوط الاتحاد السوفييـتي وانتـهاء الحـرب البـاردة التـي رأى الغـرب بعدها أنّ عـدوه الشـيوعي قـد تـوارى، ليبدأ البحث عن عدو جديد، ثم ألَّف (هنتنجتـون) كتابًا في الموضوع ذاته بعنوان (صدام الحضارات… إعادة صنع النظام العالمي) والعنوان نفسه يشي بأنّ الأمر ليس مجرد نظرية، بل هو إستراتيجية بل توجه نحو صنع سياسة عملية. فقد تضمن أفكارًا هي أقرب إلى الخطط، وفرضيات يراد تحويلها إلى حتميات. وهكذا أشار بوش انه احتل العراق وبغداد بإشارة من الرب وما تمركز الجيش الأمريكي في أور له دلالات واضحة والحرب في أفغانستان بأمر الرب من اجل تطهير الأرض من الأشرار بعد إن ربت ودربت أمريكا جيل كامل بأموال الخليج وحكامه جيل مغسول دماغه بفكر ظلامي على حرب المقدسات في عملية الجهاد بتحرير أفغانستان من الروس الكفرة وابتدعت أمريكا في إثارة النعرات المقدسة في تدمير التراث الهندوسي في أفغانستان وتدمير الكثير من المساجد الشيعية وهكذا راقت الفكرة لهم لتطبقها في العراق لتأجيج الفتنة الظلامية في تفجير القبتين للمرقد العسكري الطاهر في سامراء لتشعل في العراق حرب طائفية أطفئت بتكاتف الشعب وقوة نسيجه الاجتماعي وانتقلت إلى سوريا لتجرب نوع أخر من حرب المقدسات بنبش القبور المقدسة لتعيد للذاكرة العربية التاريخ الزاخر بالفتن الطائفية وتحويل الهلال الخصيب (العراق وسورية ولبنان) إلى هلال دموي للتحضير إلى معركة هرمجتون (ارمجدون) المرتقبة في الفكر الدين للأديان التوحيدية الثلاث وهكذا كما وصل للعراق الآلاف ما يسمى بالمجاهدين والفدائيين العرب في حلم اللقاء برسول الله صلى الله عليه واله وسلم في تفجير أنفسهم في عباد الله الفقراء بدل من قوات الاحتلال الأمريكي وهذا يطرح التساؤل المشروع في الانسحاب الأمريكي من العراق وبدء ما يسمى بالربيع العربي ومعه ينتشر الانفلات الأمني وتبرز إلى الساحة الصراع الاثنية والدينية والقومية من خلال الاعتداء على المساجد والحسينيات والكنائس ومحلات العبادة على ساحة هذه البلدان وكان نبش قبر الصحابي حجر بن عدي هو انهيار وتسقيط مبدءا الدفاع عن الصحابة في الفكر السلفي المغذي للفكر التكفيري ,
إن حرب المقدسات في سوريا انبرى ثلة من الشباب العراقي للتطوع في الدفاع عن المراقد المقدسة وهو ليس جديد على العراقيين وخصوصا إذا عرفنا ما قدم العراق من شهداء على الساحة العربية في فلسطين وسوريا والأردن ومصر والجزائر واريتريا وقد شيعت جماهير ميسان سبعة من الشهداء الذين استشهدوا دفاعا عن الدفاع عن مرقد السيدة زينب التي تعني الكثير في الفكر الشيعي والعراقي وخصوصا بعد الترسيخ العقائدي للجيل الجديد عن المأساة الزينبية في المأتم الحسينية وان العمارة كانت سباقة في تقديم الشهداء حيث يحمل أجمل شوارعها شارع كورنيش عواشة اسم الشهيد براق طالب الذي استشهد في إحدى العمليات الفدائية الفلسطينية في الأرض المحتلة ومن العمارة ميسان أعلن عن تشكيل ألوية جديدة للدفاع عن المقدسات في سوريا وكان الخطاب الذي ألقاه الممثل عن أهل الحق خطابا شاملا طالب فيه أولا في التفاوض ودفع شر القتال وإنهم مخولون حسب موتمر القمة الإسلامية والعربية واليونسكو في الدفاع عن الآثار الإسلامية المقدسة وهو لفته ذكية لإعطاء الجهاد المقدس الشرعية القانونية.
ولكن السؤال الذي يطرح بقوة من المستفيد من نشر الصراع بين المسلمين في ظل غياب الخطاب الديني الهادي والواعي للمسالة وانتشار الفضائيات المدفوعة الثمن من اجل تأجيج هذا الصراع الدموي الذي يرهن مقتدرات الأمة ويضيع ثرواتها ومواردها المادية والبشرية وينشر العنف والفكر الإجرامي لإلهاء الأمة عن واجبها الأول وهو بناء الانسان هذا المقدس الأول على الأرض وهو أداة البناء من اجل بناء مجتمع العدالة الاجتماعية الذي تظلله الرفاهية والتنمية المستدامة .