ثمن الريح ريح
ترجمة ماجد الحيدر
يُحكى أن حاكماً بإحدى الولايات أراد أن يطلع عن كثب على أحوال رعيته ورأيهم فيه وفي حكمه، فاصطحب وزيره الأمين وأبدلا ثيابهما بثياب مسافرين من العامة، ومضيا ماشيين في الطريق الخارج من بوابة المدينة. وبعد مسيرة ساعتين أبصرا من بعيد قروياً يتقدم نحوهما على حماره.
حياهما القروي، فردا التحية، ثم استظل الجميع تحت شجرة كبيرة وأخرجوا طعامهم وجلسوا ليأكلوا ويتبادلوا الأحاديث:
– من أين أتيت أيها الرجل الطيب؟ وعلام تلفّ عينك بهذا الرباط؟
– قدمت من قرية بعيدة، هناك خلف تلك الجبال (وأشار بيده نحو الأفق) لقد انتشر داء الرمد في عيون أهلها فلم يدع كبيراً أو صغيراً أو رجلاً أو امرأة إلا وأصابه. أما أنا فلم أعرف النوم منذ ليال. إن عيني لتحرقني وتؤلمني ألماً لا يعرف الرحمة.
– وإلى أين تروم المسير؟
– لقد سمعت بأن كحالاً ماهراً يعيش في المدينة الكبيرة، وأنا ماضٍ اليه علّه يصف لي دواء يشفيني وأهل قريتي المساكين.
غمز الحاكم بعينه لوزيره وقد قرر أن يعابث القروي الغريب:
– وعلام تتعب نفسك وتدفع المال لذلك الكحّال؟ أنا وصاحبي عندنا وصفة عجيبة وسهلة ومجربة ستشفيك في الحال بإذن الله.
– إليّ بها ولكما الأجر والثواب.
– اسمع: خذ درهما من أوراق الكمأ، وقليلاً من غبار الماء، ودرهمين من شعاع الشمس ودقّ الخليط في هاون، ثم ادهن عينك به ونم، وستجد نفسك مشافى معافى عندما تصحو في الصباح!
فكر القروي قليلاً في حديث الرجل وقال في نفسه:
– ليس للكمأ أوراق، وليس للماء غبار، وشعاع الشمس لا يوزن ولا يكال. لا بد أن هذا الرجل يحاول السخرية مني.
ثم نهض من مجلسه ووضع صرته في الخرج وقفز على ظهر حماره وأطلق من مؤخرته ثلاث “ضرطات” مسموعة وغادرهما قائلا:
– أشكرك أيها الرجل الحكيم. هذه دفعة من ثمن دوائك العجيب. أخبرني بعنوانك حتى أرسل لك الباقي عندما أشفى!