المخرج الفلسطيني علي أسدي
حارس الفنار في عكا
تقرير: ميسون أسدي
علي زاكي اسدي مواليد (29 مايو 1982)، هو ممثل وكاتب سيناريو، مخرج ومنتج سينمائي فلسطيني من مدينة عكا القديمة، صاحب شركة “الفنار” للإنتاج السينمائي، درس فن الاخراج السينمائي وتخرّج عام 2018 وحاز على العديد من شهادات التفوّق من الكلية الأكاديمية “منشار” في تل أبيب. عمل على العديد من الأفلام القصيرة والطويلة منها الروائية والوثائقية، وهي سلسلة من الأفلام التي عالج بها عبر عدسته عدّة قضايا في مجتمعنا العربيّ.
يسكن علي أسدي وعائلته قرب “خان العمدان” و”خان الشونة” في عكا القديمة. شاب متواضع، طموح متفائل يحب الحياة. في جعبته كنز من تجارب غنية بالتجارب الاجتماعية والشخصية التي تواجه شبابنا، ويقول علي: عكا بلدي فيها سحر خاص والساكن بها متشرب من حجارتها ومائها، عكا صامدة في وجه الزمن وما زال العكّيون يركبون البحر. ورائحة سوقها وبهاراتها تنعش الروح.
مشواري مع السينما
يقول علي: اول ما نبعت فكرة السينما في رأسي، فكّرت في نفسي أولا، إذا كان هناك إمكانية لإصلاح المجتمع عن طريق السينما، طرح مواضيع اجتماعية، أو إمكانية أن أصبح أنسانًا مشهورًا ولي أعمال خاصة بي…
ويضيف: لديّ خلفية فنية قبل أن أصل إلى السينما، فأنا جئت من عالم المسرح. أول مرّة وقفت بها على خشبة المسرح كان عمري 16 سنة، وكان ذلك في مسرحية بمناسبة عيد الأم، وبعدها سافرت إلى مصر وواصلت العمل مع بعض الفنانين العكيين في الاسكتشات المسرحية ومن ثمّ انتقلت لمدة عامين للسكن في مدينة إيلات وأخيرًا عدت إلى عكا لأزاول مهنتي التي اعشقها وهي الفن.
الفن في الجينات
لدينا في مدخل السوق في عكا دكان صغير، ويزورنا العديد من اهل القرى وخاصة من قرية البعنة، ووالدتي أصلها من هناك، وأنا كثير الشبه بأخوالي، وقد اخبرني أحد الرجال صدفة، بأنّ موضوع الإخراج والسينما هو وراثي عندنا في العائلة وبأن المخرج المرحوم وفيق حسيان، هو عم أمي الذي توفي في 28/5/1977 في نفس يوم زفافها، ووفيق حسيان توفي في سنته الأخيرة من الدراسة، حيث درس الإخراج في ألمانيا الشرقية، آنذاك، وسمعت قصة حزينة حول وفيق حسيان، فقيل لي بأنّه زرع شجرة سرو أمام بيتهم، وفجأة جفّت هذه الشجرة وذبلت وماتت قبل ثلاث أيام من موته..
778 الفيلم الأخير
يقول علي أسدي عن فيلمه الروائي الذي سيرى النور قريبًا: هذا أو فيلم روائي طويل لي، وهو فيلم فلسطيني مستقل، غير ممول من أي جهة كانت.
خلال عملي في هذا الفيلم مع ممثلين كبار منذ عام 2017 من دون ميزانية، شعرت مثل الشاب الذي داهمته الشيخوخة قبل أوانها. شعرت بالإرهاق والتعب، وكأنّ قلبي سيتوقف عن النبض، بسبب ما رأيت من جهات حاولت تكسير همتي.
ويضيف: قبل عملي على الفيلم كنت أعيش في عالمي البسيط بهدوء في غرفتي الصغيرة في ساحة عرفة. أعمل على الأفلام القصيرة وبالي هادئ، ولكن عند شروعي بهذا الفيلم الطويل والاحتكاك بكل أنواع الناس، صُدمت لأن هناك من حاول تخريب عملي في الفيلم. كانت هناك الاعيب ودسائس وهذا أثقل كاهلي، لأنّه فيلم روائي طويل، مرهق وبحاجة لدعم مادي وعليك التوجه لراعٍ رسمي لدعم المشروع. عمل مضنٍ مع الممثلين والديكور والملابس والمكياج وأماكن التصوير وغيرها.
عن تلك المتاعب، يقول أسدي: يجسد الفيلم أحداث فتره زمنية قديمة، فكان من الصعب الحصول على الأدوات القديمة من ملابس وسيارات وأثاث وغيره، لأوفر مصداقية لتلك الفترة. اشكر من اعماقي كل من دعمني في هذا المشوار، فهناك من تعب وتركني وأنا اشد على اياديهم فردًا فردا، وهناك من راقب العمل وعمل على تدميره، لذلك شعرت بأنّني شخت خلال هذه الفترة. انهيت تصوير الفيلم في نهاية عام 2019، وتركت الفيلم لفترة وجيزة وفي هذه الفترة تعرفت على زوجتي وأخذت استعدّ للزواج برفيقة دربي “رنين حمادة” وهذا الأمر شحنني بقوة. فعندما عدّت للفيلم رأيته بمنظار آخر، فأضفت له عدة مشاهد جديدة.
لماذا قصة خلية فوزي النمر:
تدور أحداث الفيلم حول مجموعة فدائية من مدينة عكا، تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، تدعى “مجموعة عكا 778″، كما رواها أفراد هذه المجموعة، وهم: فوزي النمر، عبد حزبوز، رامز خليفة، فتح الله السقا، محمد غريفات، يوسف أبو الخير.
بيتنا في عكا هو بيت جدتي وكانت العائلة تتجمّع عندنا، حين كنت ولدًا صغيرًا. عمتي أخت ابي متزوجة من الراحل الأسير المحرّر رامز خليفة، وكنت دائمًا، أسأل عمتي عن زوجها، فتحكي لي قصته وكأنّها قصة “ألف ليلة وليلة” وما زالت قصته بالنسبة لي كأسطورة عالقة في ذهني. اجريت بحث عن الفيلم عام 2017 من خلال كتاب توفيق فياض، وخلال البحث كنت على تواصل مع توفيق فياض واحتفظت بكل الرسائل التي كانت بيني وبيه فهذه ذكرى جميلة بالنسبة لي. عرض عليّ توفيق فياض بيع نسخ كتبه للمساعدة في تمويل الفيلم. كما تعمقت في كتاب رامز خليفة، فكتابه يشرح بتوسع تواجدهم داخل أروقة المحكمة، وأعطاني رامز خليفة الكتاب وطلب مني ألا أعطيه لأحد خوفا على عائلته، فقسم منهم يعيش في الأردن والآخر في البلاد، وخشي ان لا يسمحوا له بالدخول إلى البلاد، وخلال اللقاء معه طلب مني ألا أصوره ولا أسجله بل اكتب بقلمي وعلى دفتري ما يمليه عليّ.
يحكي الفيلم عن السنوات بين 1965 و1970 ولكنّني أدخلت مشاهد لشاب يجد كتابًا حول 778 ويطّلع على أحداثه ويعود بنا إلى الوراء، “فلاش باك”.
العمل مع المتطوعين
يقول علي أسدي بفخر: الممثلون الذين لعبوا أدوار أفراد الخلية هم: بيان عنتير، ميسرة مصري، إسماعيل قدورة، حسن طه، إبراهيم قدورة، وعلي علي. كما عمل معي فنانون آخرون أذكر منهم: محمود أبو جازي، أسامة مصري، لطف نويصر، ميلاد مطر، محمود مرّة، رشا جهشان، ميس ناطور، قدر هريني، عنات حديد، إبراهيم ساق الله، صبحي حصري، ريبيكا تلحمي، عادل أبو ريا، عبير عثمان، نور مغربي، أمجد بدر، اسكندر حلوة، فؤاد عايد، روني هلون، قاسم مصري، خالد ماير، مروان مرّة، والراحل الفنان طارق قبطي وآخرين…
ويضيف: التجأت لعدّة ممثلين للعمل معي تطوّعًا ومنهم من هو عملاق في عالم الفن وأنا ما زلت أعدّ مخرجًا مبتدئا، لي بعض الأعمال القديمة، فساعدني بذلك الفنان أسامة مصري الذي توجه لفنانين ليست لي علاقة معهم ومنهم على سبيل المثال الفنان الكبير يوسف أبو وردة، وجنده للعمل معنا، كما قام الفنان ميسرة مصري بالوقوف إلى جانبي خلال عدة أيام ودعمني بالعمل.
الفيلم “778” من تصوير غسان قشاش ابن الفنان وليد قشاش، الذي رافق مشروع الفيلم حتّى نهايته. شارك في الفيلم المرحوم الفنان إبراهيم قدورة، بدور عضو الخلية يوسف أبو الخير، ومن سخرية القدر ان جميع أعضاء الخلية “778” رحلوا ما عدا يوسف أبو الخير، والفنان الذي قام بدوره هو الذي توفي.
وعن مرحلة العمل على الفيلم يقول أسدي: حاليًّا، أنا في مرحلة المونتاج النهائية، وآمل أن أنهي مونتاجه في شهر آب من هذا العام، وسأعمل جاهدًا ليشارك في مهرجانات عالمية مثل كان وتورنتو والبندقية وغيرها.
الأفلام التي أخرجها
فيلم “أحجّ اليك يا عكا”، “حارة مشمعة”، “حكاي مالا نهاي”، “المولودة”، “أنا عربيّ”، “الليلة الأخيرة”، “حذاء السعادة”، “صورة محطمة”، “الهروب”، “اقفز لي”، “حياة مثل الأسماك”، “اصطدام مواجه”… ويضيف: في ادراج طاولتي فيلم آخر كتبت له السيناريو وهو “حارس الفنار”، سأعمل على السيناريو من جديد.
نقطة ضعفي هي امي
عندي إرادة قويّة وما اخطط له أنفذه. عشت 14 عامًا ابحث عن نفسي وأنا هائم على وجهي مثل الكثير من أمثالي، تركت الماضي بتجاربه وبدأت حياتي من جديد. كنت اقضم أظافري بأسناني نرفزة وأدخّن بهوس، لكنني منذ ثلاث سنوات لم أدخن سيجارة واحدة. أحب مساعدة الغير بلا حدود ولكن من يؤذيني لا أتركه بحاله. جدّي أبو أبي أسمه علي مصطفى أسدي، وهو من دار الشيخ علي من قرية دير الأسد وكان فنانا يعزف على الارغول والمجوز، وحدثتني جدّتي بأنّه الوحيد الذي كان يدخل بين النساء ويعزف لهن في الأفراح. أبو جدي جاء من قرية دير الأسد إلى قرية شعب، حيث ولد جدي، أما جدّتي فهي من حيفا من عائلة زيتون وسكنوا مدينة عكا.
نقطة ضعفي ووجع قلبي في حياتي هي أمّي التي طحنت الملح بأكواعها وكافحت من أجلنا أنا واخوتي الاثنين، ولها تأثير كبير وايجابي على حياتي وأضعف أمامها، حبا لها.