قراءة ورؤية في نص( رثاء صابرحجازي) للاديب المصري صابرحجازي
بقلم الاديب والناقد: محمد الصاوي
……………………………..
اولا :- النص
رثاء صابر حجازى
…………………
حاسس موتي بياكل كبدى
حاسس حالي
بيضعف جدا
لما بلاقي حد بيبكي
جنبي
ويطبطب على كتفي
أحساس الشفقه
دا بيقتلني
حتى الأخ اللي مفكرني
عايش خالي وكله تمام
وانا اللي في صحرا
خمسين سنة ….
جايه بتجرى عليّا
أوام
عايش تايه في الأوهام
حتى في يومي بموت ميت مرة
لما بلاقي
إبني يقولي
عارف درس الثانوى بكام ؟
لما بلاقي جحود من أختي
لما قريبي
يقفل حتى السكة في وشي
وألقى غريب يعطف على حالي
بلاقني لوحدى
وكنت زمان عايش وف حالي
مالك أمري
كل الدنيا دهيه في كفّي
ولا حد يجرحّني
كنت أمير على نفسي ..
وحاسس
إن الكل في طوع لأوامرى
وبيتمنو رضايا وكرمي
( عاوزين بس في يوم نلقاك )
( حدد لينا ميعاد وياك )
( إحنا تلامذة ليك يا معلم )
لكن فجأة الكل اتغير
لما الفيرس جاه وهاجمني
و طحالي بقا أضخم مني
والمرئ اتملا بدوالي
والسكر بقا يجرى في دمي
كله اتغير
والمولد من جنبي انفض
وادي يا سيدنا
كل معارفي بيهربوا منيّ
اقعد وحدى في بيتي مريض
ازعق حبه
أضحك حبه
اصرخ حبه .. اتكلم حبه
وحبه ..في حبه
أتاري الموت بيقرب منيّ
صابر مات ؟
كان انسان
قلبه دا كان مليان بحنان
كان شاعر ولسانه طويل
لأه ياعمي دا كان نصاب
كان محتال
لأه يا راجل كاْنه عبيط
يرحم صابر !!
لا طبعا
يرحمه على إيه ؟
دا مات مديون ليّ في ذمته
خمسة جنيه
اقرا الفاتحه
يرحم صابر
كان بالذمه راجل طيب
كتر يا ابني ترابنا عليه
خايف يطلع
يطلع ليه..؟
خايب عاش
خايب مات
حتى الورثة .. حـ يورثوا إيه ؟
سيبك منه
وانسا يا عم
ما هوه الفيرس قضي لينا عليه
لأه يا سيدى
فيرس إيه ؟
كان صحته بمب إنما إيه
آخر مرة شفته بعيني
كان بيزعق
صوته جهوري
لمّ الدنيا تبص عليه
وتقولي مريض!!
يمرض ليه ؟
يرحم صابر ..
اقروا يا عم الفاتحة عليه
اقروا يا عم الفاتحة عليه
………………………….
ثانيا :- القراءة
…………….
يمكن القول أننا فى هذا النص أمام فكرة الرثاء ، وهى فكرة متجذرة فى الثقافة الإنسانية والعربية بوجه خاص ، وهنا تقوم الفكرة الشعرية على رثاء بطل النص الذى عبر عنه الشاعر لنفسه وهو مازال حيا وهى فكرة تحمل إيحاءها العميق بقسوة العصر الذى نحياه ، وبتضرر إنسانية المجتمع تضررا جسيما يتحول فيه المريض غير القادر على النفع أو الضر إلى كم مهمل لا قيمة له
– والحقيقة أن الفكرة على صدقها إلا إنها يعيبها فى رأيى نقطتان أولهما حالة ” التعميم ” أى أنها تقوم على تنميط المحيطين ببطل النص جميعا فى نمط واحد جاحد كاره نفعى أنانى والحقيقة أن الفكرة بهذى الصياغة تقدم لنا حالة سوداوية ليست واقعة بهذى الصورة فدائما هناك الخيرون الذين يجملون الصورة ويستحيلون ملحا للحياة وبلسما على جراحنا النفسية ، فهم أبدا مهما اظلمت الصورة لا يغيبون لكن الفكرة هنا تتجاهلهم تماما وهو ما لا يحسب للفكرة من الناحية الفنية
– النقطة الثانية فى رأيى هى فكرة ( التفرد ) أى افتراض بطل النص أنه هو الخير النقى النبيل القادر القاهر فإذا كان المجتمع والمحيطين ببطل النص مقصرين فى واجبهم الإنسانى فالبطل واحد منهم أى أنه يفترض به أيضا أنه مقصر تجاه الآخرين فلماذا يفترض أن له هو وحده الحق فى السؤال والحنو والرعاية بينما لا يقوم هو بواجبه من الحنو والرعاية والسؤال تجاه الآخرين
– هنا الفكرة تقوم على فكرة الرثاء للنفس على مرجعية مثاليتها وتفردها واستحقاقها ما لها دون أن يبدو لها أنها كنفس لها واجبها الإنسانى الذى يجب أن تقوم عليه ، ولنتأمل هذا السياق
وكنت زمان عايش وفي حالي
مالك أمري
كل الدنيا دهيه في كفّي
ولا حد يجرحّني
كنت أمير .. على نفسي وحاسس
إن الكل في طوع لاأومرى
وبيتمنو رضايا وكرمي
عاوزين بس في يوم نلقاك
حدد لينا ميعاد وياك
حيث يتجلى من السياق كيف أن بطل النص يتحدث عن تفرده وسلطانه وكيف كان يأمر وينهى وهو ما يقدم لنا البطل فى حال من التفرد الذى يشوبه التعالى والافتخار والذى قد يراه المتلقى ربما جزاء وفاقا لحالة الهجران التى يعانيها بطل النص بعد زمن طويل من السيطرة والتسلط ومعاملة الآخرين كمرؤوسين خاضعين وهو ما يتجلى بوضوح فى السياق السابق ويخفت تماما الحس الإنسانى والوشيجة التى يفترض ان يفتقدها بطل النص بينه وبين الآخرين ، إن بطل النص إذن لا يفتقد فى الحقيقة إلا سلطانه وسلطته
– والحقيقة أن فكرة الرثاء فى الغالب ما يتم تقديمها عبر تغطية هذى النقطة فتكون المعالجة مشتغلة على بيان ما قدمه البطل لللآخرين من كرم وحنو مما يبرر السؤال عن رد هذا الجميل ، بينما نجد فى النص أن الفكرة تقوم فحسب على جلد الآخرين وتقريع فعلهم
– وهو ما يؤثر فى رأيى فى تلقى الفكرة ، لكنها بالطبع تظل فكرة قادرة على أن تقدم رسالتها بسلاسة وتأثير وجدانى كبير لما للرثاء وخاصة الرثاء للنفس من جذر عميق حى فى الوجدان الإنسانى بشكل عام
– فيما يخص المعالجة من حيث البنية الفنية نحن أمام بنية ذكية الصياغة استطاعت أن تستخدم السرد فى البنية الشعرية حيث تقدم لنا المشهد العام فى المفتتح حين نتلقى
حاسس موتي بياكل كبدى
حاسس حالي
بضّعف جدا
لما بلاقي حد بيبكي
جنبي
وهو السياق الذى يكنز التحفيز للمتلقى لاكتشاف دلالة المشهد وعلة هذا الموت وإحساسه المتسلط على بطل النص ، ثم يتصاعد خط السرد فى استعراض حياة بطل النص وسلطته وأيام عزه ونعيمه وقدرته لنتلقى هذا المفترق الفنى الذى ينشطل انعطافا لبنية السرد حيث نتلقى
لكن فجأة الكل اتغير
لما الفيرس جاه وهاجمنيّ
و طحالي بقا أضخم منيّ
والمرئ اتملا بدوالي
والسكر بقا يجرى في دمي
كله اتغير
والمولد من جنبي انفض
وهو السياق الذى يحيلنا إلى المشهد الأول وهو مشهد تسلط الموت على حياة بطل النص وحصاره له لذا لم يكن هنالك من مبرر فنى فى الإيغال فى هذا السياق بتفاصيله التى تصل إلى درجة النثرية حيث نتلقى تفاصيل كثيرة فى هذا السياق الذى يكرر مشهدية المفتتح حيث نتلقى
كل معارفي بيهربوا منيّ
اقعد وحدى في بيتي مريض
ازعق حبه
اضحك حبه
اصرخ حبه
اتكلم حبه
وحبه ..في حبه
أتاري الموت بيقرب منيّ
لكن بالطبع رغم ما يحمله السياق من تكرار فإنه يمهد فنيا لتلقى فنية المونولج / الديالوج حيث يتحدث بطل النص إلى نفسه بصوته وبأصوات الآخرين نيابة عنهم فاضحا لهم ولجحودهم أى أننا أمام صوتين فى آن واحد داخل بنية السرد بنية الصوت الذى يصدح بالفجيعة الراثية للذات وبين صوت العويل الإنسانى الذى يجلد الآخرين مفاجئا لهم بنهاية لم تحدث بعد لكنه يجلدهم بها الآن مستبقا المشهد الذى لابد أن يحدث حيث نتلقى
صابر مات ؟
كان انسان
قلبه دا كان مليان بحنان
لا ياعمي دا كان نصاب
ولسانه طويل
كان محتال
لأه يا راجل كاْنه عبيط
يرحم صابر !! لا طبعا
وهكذا يظل بطل النص صادحا بحسه وجالدا بلغته السلسة الجلية غيبة الإنسانية موقظا فى الحس فطرته النقية التى لا تزال لابد تحت ما ران عليها تنبض بالرحمة والخير
– لكن ما يقلقنى بعض الشىء هو حالة القنوط واليأس الجلية التى هى الآن تتجاوز التعبير الشعرى فى التجربة الفنية إلى أن تصبغ الحياة نفسها التى يعيشها كاتب التجربة ، والحقيقة أن الحياة لا يمكن أن تخلو من المودة ولا الخير ، لا يمكن أن تخلو من صديق أو قريب أو ودود نجده جوارنا ونتلفت أحيانا فكأننا نبصره للمرة الأولى أحيانا ، وأحيانا أخرى نكون على يقين أن لديه لنا الظل الندى الذى يهمى على الروح فتستكين من حرارة الوقت وظمأ الأيام ، فهون على نفسك ولا تترك هذى الحساسية المفرطة تجاه الآخرين تتحول لعين واحدة ترى بها فهذا فى رأيى أخطر ما يواجه الفنان المرهف الحس المتوتر بطبيعته الفنية الخاصة حيث إن الحياة لا تجازى فى الأغلب هذى الرهافة والحس بمثله ، كما أن للحياة إيقاعها الآخر الذى لا يجب ان يكون هو إيقاع النفس المبدعة ولهذا نحن نكتب ، لذا اكتب واكتب واكتب فهذا فى رأيى هو سبيل من سبل الراحة والسكينة للنفس الحاملة أثقالها ، فاكتب واكتب واكتب ونحن دوما فى انتظار نتاجك الذى أتمنى أن يتجاوز هذى الحالة من الضيق العارض الذى يكابده كل أديب
………………………………………………….
تحياتى البيضاء
بقلم الاديب والناقد: محمد الصاوي السيد حسين
سوهاج – مصر