الأم والبياض عند
عبد السلام عطاري
“أمّي تَغسِلُ حناجِرَنا بزعتَرِها
تُعِدُّ فِراشَنا الشِّتْوِيَّ
ترسُمُ أحلامَنا زهرةَ لَوْزٍ
على وسائِدِنا الصّغيرَةِ
تحرُسُها منْ كوابيسِ الغولِ،
أمّي تقرأ المُعوِّذات سَبعاً
تطوفُ حولَنا سَبعاً
سبْعٌ كأيّامِ الأسبوعِ
لا تستريح بها الأحلام.”
كُتب الكثير عن الأمهات، وكل من كتب عنها تناولها بطريقة بيضاء، وهذا يؤكد على مكانتها الرفيعة وحضورها البهي، “عبد السلام عطاري” من الذين كتبوا عن الأم، ومن الذي أقرنوا فكرة البياض باللفظ، نجد هذا البياض ملازم للطبيعة: “زعترها، زهرة، اللوز” وملازم للمقدس: “المعوذات، تطوف، سبعا (مكررة ثلاث مرات)، وأيضا للكتابة/للقراءة: “ترسم، تقرأ” وهذا الأمر يستدعي التوقف عنده، فالشاعر أقرن الأم بعناصر الفرح/التخفيف، المرأة، الطبيعة، الكتابة، فهي من أوجدها فيه، وهذا يشير ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى قوة حضورها وإلى المكانة التي تحتلها.
فالمقطع يكاد أن يكون مطلق البياض، تجتمع فيه الفكرة البيضاء مع اللفظ، إذا ما استثنينا “كوابيس، الغول، لا” كل هذا جاء بفضل الأم، فبدا المقطع وكأن الأم، استطاعت أن تجعل الشاعر يعيش حالة نقاء وصفاء في حضورها، فاستخدام ألفاظ ناعمة تليق بها وبمقامها، بحيث تحرر من القسوة، فجاءت ألفاظه نظيفة من الشوائب، وهذا يأخذنا إلى فاتحة المقطع:
“أمّي تَغسِلُ حناجِرَنا بزعتَرِها ”
فبعد أن غسلت “حناجرنا” أصبح نقيا لا يتحدث إلا بما هو جميل/هادئ/ناعم، بمعنى أن الكلام الجميل الذي جاء في المقطع هو بفضل الأم التي “تغسل حناجرنا” وبدونه ما كان للشاعر أن يتحدث/يتكلم بهذا البياض والهدوء، وهنا تكمن عظمة الأم.
والشاعر يركز على رقم سبعة، الذي يأخذنا إلى المقدس والدائم، فجاء تكراره كتأكيد على قدسية الأم وعلى الحاجة لبقائها واستمرار حضورها، وهذه الحاجة/الرغابة نجده في ” سبْعٌ كأيّامِ الأسبوعِ”.
المقطع منشور على صفحة الشاعر.
الأم والبياض عند عبد السلام عطاري
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا