تَغْريدَةٌ على هَوَا الشّاشاتْ
إبراهيم يوسف – لبنان
حبيب قلبي
دكتور
أحمد شبيب دياب
ليّا وْليّا.. يا بْنَيّة
يا لَيْلى البَدَويّة
يا سَمْرا حرقْتِ
قلبي
رُدّي السَّلام عْليّأ
كل مِن وَلِيْفو مَعو
وانا ولِيْفي راحْ
يا ربّي رُدِّ الولْفْ ليّا
عَهْدي بصاحبك.. حميدان؟
يُحِبُّ البَداوةَ.. والنساء
حينما لاحت لعينيه مضارب
عشيرتها من بعيد
وخيامها يتصاعد دخانُها
في السماء
وهي تردد بلهفة “الصمّة القشيري”
“وَليْسَــــتْ عَشِيَّاتُ الْحِمى بِرَواجِعٍ
إليـْـــــكَ ولَكِن..؟ خَلِّ عَينيكَ تَدْمَعا”
السلامة لقلبك من الآه
وعينيك
من الحسرة والدموع
“ولئن كان الشعرُ رقصاً
والنثرُ غناء؟”
كما ردّ مارون عبود
على نزار قباني ذاتَ يوم
وإن كانتْ قد تعبتْ كفّاك
من شدِّة التّصْفيق
بلا جَدْوى
ولو بِهَزّة خَصْرٍ.. أو قوام
وتعبتْ… ريشتُك المبْرِيَّة
من سنديان “السّلوقي”
من الإصرار وشدِّة الإلحاح؟
فلك الله؛ حينما لم يطربْ أو يغنِّ معنا أحد
ولم تستنفر من يجاملك؛ أو يرقصِ معك
وما دامتِ المودّة أو التجافي والقطيعة، قائمة بين البشر منذ الأزل، إن لم تكن الحرب؟ فتعالَ نصفّق، ونرقص، ونُغَنِّ وحدنا، ولو لم يطربْ أحدٌ ممن يضيقون باللحن النشاز؟ وما إن تضع سبابتك على أول الخيط في الحكاية؟
حتى تتوالى الصور وتتخطى العتبة إلى فضاء الله، تستوحي دواعي الحديث مما لا يخطر لك في بال؟ كلوحيّ الشهادة المكتوبَين بإصبع الله، يتأبطهما موسى منحدرا من الجبل، مديد القامة مفتول الجدائل.. جبَّار المنكبين.
وفي كفِّ عيسى مأثرة من تواضع؛ أو هوان؟ أشارت إلى الخد الأيمن بعد الأيسر. لكنه لم يقل لنا ماذا بعد الصفعة على الخدّين!؟ إلى حكاية الخلق ائتمنها الله آدم بعد هبوطه مطرودا من الفردوس، حينما وضعها الله في يده وقال لآدم حامل الغواية والضلال؛ وكفّاه مقبوضتان: تَقَدَّمْ واخْتَرْ أيهما تشاء؟ فانحنى أبو البشر تأدبا أمام الله وقال:
اخترت اليمين وكلتا يديّ ربي يمينُ. وهكذا نهاه ربُّه فلا يأكل ولا يشرب، لا يأخذ ولا يعطي.. ولا يصفع إلاّ بيمناه.
ثم يأتى بعد آدم، ابنُ البوّاب بعد دهر من الزمان، وأتصوره؟ يقف مترددا في الدخول إلى مجلس السلطان، يحيط به كوكبة من شعراء البلاط، ويراه المأمون مترددا على الباب؟ فيأمره بالدخول في الحال ويسأله: ما صناعتك؟
ويرد عليه: أنا شاعر يا مولاي. فيقول له الخليفة: هيّا؛ أسمعنا ما لديك؟ ويجيبه الشاعر: لو أنشدتك؟ لأدنيتني وأقصيتَ الجميع! وهكذا يَرْفَضُّ الشعراء بأنفسهم من حول الخليفة، يفسحون في المجال لابن البواب فيدنو من الخليفة، ويمدحه بقصيدة من أبياتها: القولُ منكَ فِـعـالٌ والظَّنُّ منـكَ يَقـينُ** ما من يديكَ شمـالٌ كلـتـا يديكَ يمـينُ.
ومنذ وقت لم يمضِ عليه زمان طويل؟ أتى من يطل علينا مغردا على فضاء إحدى القنوات. صحافي بارع في التعبير عن أحلامه وأمانيه، ليفضح نفسه بلا حرج ولم يكن مكتفيا فحسب؟ بل كان متخما يكاد ينفجر من الشبع!
لكن الرجل بات اليوم في دنيا الحق. وعملا بالقول المأثور: واذكروا محاسن موتاكم؟ فلا يصح أن نستبيح سمعته ونسمِّيه احتراما لمكانة الأموات، حينما تمنى من خلال الشاشة لو يلتقي بالمغفور له الرئيس رفيق الحريري؟
ليردد على مسامعه: القول منك فعال والظن منك يقين – ما من يديك شمال كلتا يديك يمين. ما قاله للمأمون ابنُ البواب وأجزل له العطاء، وما قاله لله آدم عليه السلام! وما نال صاحبنا من العطايا بعد تغريدته في الفضاء.
عفا الله عنكم وعنّا وغفر لمن شجعوا هذه التغريدات!! يوم استفحل الفساد في البلاد، وما صرنا إليه من شح في الرزق الحلال. ولمّا نزل ننتظر معامل الطاقة وبواخر الحريري تسد وجه الأفق؛ محملة بالكهرباء والمولدات.
في تلك الحقبة من تاريخ لبنان الحديث، وفي بداية عهد المغفور له الرئيس الحريري بالسياسة؟ تلقى سليم الحص رئيس الوزراء يومذاك، طائرة من نوع “فالكون”، لا تتسع لأكثر من بضعة مسافرين، هدية يومئذٍ من رجل الأعمال الحريري، الوافد الجديد على الساحة السياسية. ولمّا لم يكن راتب سليم الحص يكفي ثمنا للوقود؟ كما صرّح الرجل. فماذا سيفعل بالصيانة وقطع الغيار ومعاش الربان، وما يترتب من متوجبات اقتناء الطائرة؟
وهكذا تنازل الرئيس الحص عن الطائرة للدولة، التي استخدمتها في بعض الرحلات القليلة. ثم توقفت ورُكنت في زاوية من زوايا مرأب شركة طيران الشرق الأوسط، التي كانت تتولى صيانتها لفترة من الزمن. ثم أهمِلت الصيانة الدورية، بعدما توقفت الدولة عن دفع البدل فدهمها الصدأ. حتى أتى رجل أعمال فاشتراها بتراب المال.
ومن المفارقات المُحْزِنَة حقا أن يخسر الحُصّ، وكان رئيسا للوزراء في العام ألفين، مقعده النيابي لصالح مرشحة الحريري، غنوة جلول سيدة متعلمة وجميلة بحق؛ فانكفأ الرجل إلى منزله في شقة متواضعة في عائشة بكّار، يقوم على مدخلها مرأب لتصليح السيارات. ثم ترك السياسة وانصرف للكتابة والعمل الوطني. وقد خبر فيه اللبنانيون الشرفاء في ربع قرن من العمل السياسي، خوف الله في عفة ضميره ونظافة كفيه في اليمين والشمال.
ولبنان اليوم يعيش ذروة المحن والقلق، أشد فتكا من كوڤيد وسائر الأزمات، من تدهور الاقتصاد وشح المياه والأخلاق، وليال نبيتها في العتمة بلا نور منذ أربعة عقود!! تساوي في عمر الزمن نصف ما يعيشه الإنسان. بفعل الهدر ومن جملة أسبابه؟ محكمة العدل التي امتصت رزقنا، ولم تُدِنْ إلا “شلعوطا” فرداً لم تمسك به بعد.
وبعد؛ تبلغوا وبلغوا؟ يا سادة يا كرام، أن الأوطان العظيمة يحكمها الأبطال، وأما الأوطان المتداعية المهزومة فلا يحكمها إلا المارقون والخونة. بربكم قولوا أي وطن هذا؟ وأعلى سلطاته تشكو من التعفن وتندد بالفساد؟!