الشعب يريد إسقاط النظام
هادي جلو مرعي
بدأت تظاهرات العراق بمطالب شعبية تتعلق بالخدمات ومحاولة إعادة هيكاة مؤسسات الدولة من خلال إبعاد المفسدين، وتحويل المسار الخاطئ، وكان التيار المدني الذي يقوده بعض قادة الحزب الشيوعي ويساريون عراقيون وناشطون مدنيون ليسوا من المنتمين لتيارات سياسية وفئات إجتماعية كادحة، وكانت التظاهرات تنادي بإقالة المفسدين من المسؤولين الذين تسببوا بخراب في مؤسسات الحكومة، ولم يفلحوا في إدارة الوزارات المعنية بالخدمات العامة في مجال توفير الطاقة الكهربائية والماء والعمل، وكانت الإستجابة الحكومية مترددة وغير قادرة على التعاطي مع الأحداث وتسارعها كما ينبغي لذلك بقيت التظاهرات وتصاعدت.
التطور اللافت إن التظاهرات لم تعد تركز على الخدمات وإقالة المفسدين، وذهبت بعيدا بإتجاه المناداة بدولة مدنية تقوم على أنقاض الدولة القائمة المطبوعة بطابع ديني تؤطره سلوكيات القوى الحاكمة بصبغتها الدينية المتلكئة التي يبدو إنها غير متمكنة من المهمة، ولم تفلح في تحقيق المتطلبات العامة، وبالطبع فإن هناك من سيرد ويقول، إن الدولة المدنية لاتعني النقيض للدين، وإنها لاتهدف الى محاربة الدين، وهي ليست دعوة لتطبيق العلمانية، لكن دعاة الدولة المدنية في الغالب علمانيون وليسوا حتى رجال دين معتدلين وإن توفر من بينهم هذا النوع من المتدينين الذين لاتهمهم آيدولوجية معينة، ويمارسون أفكارهم بطريقتهم الخاصة غير الموجهة، وفي كل الأحوال فإن قيام دولة مدنية، لايسمح لرجال الدين والقوى الإسلامية بالتحكم في مسارات العملية السياسية وقيادة الدولة.
هذا يعني إن النظام السياسي برمته مهدد وفي طريقه الى الزوال، وهو ماعملت عليه الولايات المتحدة حين مكنت الإسلاميين من حكم العراق دون أن توفر لهم ضمانات النجاح، فقد حركت الوازع الطائفي وسمحت بدخول مجموعات مسلحة إرهابية عاثت فسادا، ولم تغلق الطريق على الدول الأخرى للتدخل وأضعفت الدولة كثيرا، وفككت مؤسساتها المدنية والعسكرية وبناها التحتية بالكامل، وتحملت الحكومة والقوى الفاعلة وزر ذلك، ولم يجد المواطنون سوى تلك القوى ليحملوها المسؤولية ويطالبونها بفعل شئ، أو التحول الى نظام بعيد عن المحاصصة وطريقة إدارة يعتبرها البعض دينية وفي حقيقتها تعبر عن رؤية قاصرة ومتلكئة وفوضوية لاتمثل النموذج الديني الحقيقي الذي فشلت كل القوى المسماة به في الشرق العربي من تمثيله حقيقة، حتى صار الوقت كما يراه البعض ملائما للتغيير.
فهل تستسلم القوى الدينية والمجموعات السياسية، أم إنها ستتحرك بطريقة ما ولعلها تكون من خلال فرض قرار بإعلان حال الطوارئ وتمكين المجموعات المسلحة الفاعلة التي هي جزء من منظومة الحشد الشعبي التي تمتلك خبرة ومراسا في المواجهة، وهذا في الحقيقة خيار قاس وصعب لأنه سيجعلنا في مواجهة مصير غير معروف تذهب بإتجاهه الدولة الناشئة؟