هيبة المواطن .. هيبة الدولة
د.خالد العبيدي
تحاول اغلب أنظمة الحكم في الشرق الأوسط تسويق مفهوم هيبة الدولة كمفهوم سامي وعالي مقدس يحدد معاييره من قبل القائمين على الحكم وفق تصوراتهم بشكل هلامي غير واضح المعالم قابل للتغير والتكيف والتشديد والتقيد والتخفيف وفق المستجدات التي تطرأ على أدوات الحكم وفي مقدمتها القوة التي تمتلكها السلطة وتتوارثها على شكل قوانين أو تشريعات أو أنظمة وتعليمات أو ممارسات عرفية استقرت في دهاليز أجهزة الحكومة وهي بطبيعة الحال تفرض بشكل قسري على المواطن الذي هو أساس وجود الدولة وديمومتها وركنها الأساسي لترغمه أكراها بعدم الاقتراب من حافات السلطة حتى وان انحرفت بممارساتها بما يتعارض مع حقوق المواطن . وهذه الأنظمة تربك مفهوم الهيبة عن قصد أو جهل حين تسحبه من هيبة الدولة إلى هيبة الحكومة وتكون بذلك قد ارتكبت خطيئة كبرى فقد وضعت الدولة ومواطنيها تحت ثقلها وهذا ينتج نظام دكتاتوري مقيت ابتليت به دول الشرق الأوسط عبر تاريخاها الحديث والمعاصر وان كان البعض يحمل يافطة نظام ديمقراطي ويمارس آليات ديمقراطية من خلال الانتخابات أو السماح بفسحة من الحريات المتعلقة بحرية الرأي أو الحريات الشخصية المقيدة بقوانين أو بتقاليد وأعراف . اختلاط مفهوم الدولة بمفهوم الحكومة وتعميم ذلك على المواطن وإيهامه بان الحكومة هي الدولة وإسباغها بالقدسية بمسميات عديدة جعل الحكومات تطالب المواطن ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الحر باحترام هيبة الدولة وإلا سيكون في الصف المعادي لدولته وهذا يجعله عرضة إلى أقصى العقوبات وهي دعوة مغلفة المقصود منها احترام هيبة الحكومة والسكوت على ممارستها و فشلها في إدارة الحكم وتقصيرها وعجزها في إحداث تنمية بشرية وتطوير البني التحتية للدولة والدفاع عنها وترسيخ عملية سياسية رصينة تضمن حقوق الوطن والمواطن وتدير موارد الدولة بما يضمن تنميتها وعدالة توزيعها . مفهوم الدولة أوسع واشمل من الحكومة ، الدولة هي كيان يضم بين أركانه شعب تربطه روابط عديدة التاريخ المشترك واللغة والأديان والتراث الثقافي والحضاري وأواصر عشائرية وقبلية و يقيم بشكل دائم على ارض محددة تسمى وطن ويسوده نظام سياسي معترف به من المجتمع الدولي وتربطه علاقات سياسية واقتصادية وتجارية وثقافية مع محيطه الإقليمي والدولي ويتمتع بسيادة على أرضه ،أما الحكومة فهم إفراد من الشعب يتم اختيارهم بالاقتراع أو التعين يقومون بادرة شؤون الدولة وتسير أعمالها وتنمية مؤسساتها من خلال نظام حكم متفق عليه رئاسي أو برلماني أو مختلط.
وهي تقوم برسم السياسات العليا لإدارة الدولة لمصلحة الشعب ويحدد حكمها بفترة معينة . هذا الفصل بين المفهومين يقودنا إلى إن لجوء الحكومة للاستحواذ على الدولة وتستخيرها لمصلحتها ومصلحة القائمين عليها وإفسادها وإضعافها وسرقة مواردها وإذلال مواطنيها وتجويعهم وإحكام السلطة عليهم هي مفسدة كبيرة يفترض مواجهتها من قبل المواطنين بكل الوسائل المشروعة ولا يعني ذلك هو مواجهة الدولة ومقاومتها فالدولة للجميع وهيبتها مسؤولية عامة ويجب إن تحترم لان معارضة الدولة خيانة عظمى ، أما معارضة الحكومة بسبب فسادها وإهدارها للمال العام فهو ممارسة ديمقراطية مطلوبة لتصحيح المسارات الخاطئة للحكومة ولا يقلل ذلك من هيبة الحكومة لان طغيان الحكومة وفسادها وإحاطة رموزها بهالة من القدسية هو بالأساس محو لهيبة المواطن الذي هو عمود الدولة وبالتالي هو فقدان الدولة لهببتها على يد الحكومة التي خولت بتسيير إعمالها لصالح مواطنيها . بالمحصلة هيبة المواطن فوق هيبة الحكومة ورموزها ودعاء الحكومة عندما تتعرض إلى معارضة من مواطنيها بأنه فقدان لهيبة الدولة هو افتراء محض.