كاظم حبيب
هل أدرك رئيس الحكومة العراقية الأبعاد الحقيقية لمطالب الشعب المتظاهر؟ وهل قرر العمل بها؟
ليست هناك أية مؤشرات تؤكد أن رئيس الحكومة قد استوعب حتى الآن الأسباب الحقيقة وراء مظاهرات المزيد من البشر المطالبة بالتغيير، فليست هناك أية أدلة تشير إلى وضع خطة لمواجهة المشكلات القائمة ومعالجتها، ليست هنا أية خطوات لإبعاد من تسبب بكل ذلك من مواقع المسؤولية وتقديمهم للمحاكمة، ليس هناك أي تنظيف ضروري للسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، دع عنك السلطة التشريعية التي ينبغي تطهير الغالبية العظمى من أعضائها من خلال حل المجلس وإجراء انتخابات نزيهة بعد أن يكشف عن الذين زوروا الانتخابات السابقة وتعديل الدستور العراقي وقانون الانتخابات العامة. رئيس الحكومة الحالي من نفس الفصيل الإسلامي السياسي الذي حكم البلاد 12 عاماً والذي كان السبب وراء واقع العراق الراهن، بل ومن نفس الحزب الذي كان المسؤول الأول عن خراب العراق وخاصة دور مسؤولين كبيرين فيه هما إبراهيم الجعفري ونوري المالكي بسياستيهما الطائفية المتطرفة ومعهم علي الأديب وأولئك المجموعة التي التفت حول المالكي وأراد أحدهم حتى إنتاج مالكي جديد إن مات المالكي، كما فعل العلم بإنتاج خرفان مشابهة.
بعد أربع سنوات من مظاهرات عام 2011 في ساحة التحرير ببغداد، التي تجاسر نوري المالكي ووجه ضربات وإساءات لها مستخدماً الأجهزة القمعية للمستبد بأمره ومرتزقته ووعاظه وإعلامه واعتقل من أعتقل وعذب من عذب، كما استشهد في اغتيال جبان أحد قادة الحراك الشعبي حينذاك الصحفي والكاتب هادي المهدي، انطلقت المظاهرات مجدداً في أنحاء مختلفة من العراق لتنتظم يوم الجمعة المصادف 31/7/2015 في ساحة التحرير ببغداد ومن ثم في يوم الجمعة المصادف 7/8/2015 لا في ساحة التحرير ببغداد فحسب، بل وفي الكثير من المدن العراقية لتطالب بذات المطالب التي طرحتها في مظاهرات 2011 التي فرط بهذه الفرصة نوري المالكي، والتي لو كان قد استجاب لها لكان العراق قد قطع خطوات إلى الأمام. ويقيناً إنها ستتواصل وسيزداد عدد المشاركات والمشاركين في هذا التظاهرات التي زاد عدد المظاهرة الأخيرة عن 50 ألف متظاهر ببغداد ما دام العراق يعيش في هذا المستنقع النتن الذي أنتجه الاحتلال الأمريكي والنظام السياسي الطائفي وجمهرة من القوى التي اصطفاها لحكم العراق.
لقد أجبر الوضع العراقي المتدهور، غياب الخدمات العامة وخاصة التيار الكهربائي، واستمرار الفساد وبقاء قادة هذا الفساد في المراكز العليا للدولة وفي السلطات الثلاث ومواصلتهم نهب ما تبقى من أموال العراق واستمرار القتل بالجملة، وتفاقم الفقر الذي بلغ الآن ما يقرب من 40% من السكان …الخ، الناس على الخروج في مظاهرات شعبية مطالبة بحلول عملية لمشكلاتها المتفاقمة والمدمرة لصحة وحياة ومعيشة غالبية أبناء وبنات الشعب العراقي وخاصة الفقراء والكادحين وذوي الدخل المحدود. لم تعد الجماهير الكادحة والمثقفة والشابة مقتنعةً بالوعود المعسولة والتعبير عن الرغبة في اتخاذ الإجراءات، بل تريد سياسات وإجراءات وتغييرات فعلية تنهي العوامل والشخصيات والقوى التي تسببت في ما هو واقع بالعراق.
لقد مُنح رئيس الحكومة العبادي تأييداً واسعاً وحظي بتأييد الدول الإقليمية والدولية، لا لأنه أحد قادة حزب سياسي يتسم أغلب قادته بالطائفية المتطرفة منذ وصولهم إلى الحكم على نحو خاص، بل لأنهم توقعوا بعد أداء القسم ومجيئه على أنقاض سنوات من التخريب والقتل والتدمير والفساد، بأنه سيندفع لتصحيح تركيبة الحكم والمسارات الجنونية والتخريبية السابقة والمستمرة، وذلك بمحاربة الفساد والإرهاب وخدمة الشعب العراقي وتطلعاته والاستجابة لحاجاته. ولكن رئيس الحكومة لم يخط خطوة جذرية فعلية واحدة مطلوبة ودافعة إلى الأمام، قادرة على إقناع الناس بأن العبادي قد أدرك واجبه الذي وُضع من أجله في هذا المكان بعد أن أزيح المستبد بأمره الذي مرغ كرامة الإنسان العراقي بالوحل، كما إنه لم يعمل على التخلص ممن كان السبب وراء ما يواجه العراق حالياً من مآسي وكوارث وموت مستمر ونهب متواصل وسلب وهدر للأموال.
ستكون عقول وعيون الناس مفتوحة تماماً لمراقبة المظاهرات، إذ إن من تسبب بموت العراقيين ونهبهم يريد أن يركب الموجة ويتظاهر ويتصدر الموقف ويدعو إلى الأهداف ذاتها وكأني بهم يمارسون ذات السياسة التي تؤكد “قام بقتله ثم سار في جنازته”. إن هؤلاء الجبناء ينبغي إبعادهم من المظاهرات وتسليمهم للشرطة والقضاء العراقي لتقديمهم للمحاكمة، لأن وجودهم في المظاهرات يعتبر أكبر إهانة وإساءة توجه للشعب العراقي ولضحاياه وشهداء الشعب، لأنهم يعتقدون بأن الشعب لم يدرك فضائحهم الشرسة ولم يضع خطوط حمراء على أسمائهم!!!
إن المظاهرات التي انطلقت في الجمعتين السابقتين برز فيها دور الشباب الواعي والمدرك لما يعاني منه الشعب العراقي، إنها الطليعة التي ستقنع المزيد من الناس للحاق بهم والمشاركة من أجل إسناد التيار الراغب في التغيير بالعراق، من أجل إبقاء جذوة الشباب مشتعلة ومضيئة لنا جميعاً، لنحيي دور الشباب القادر على التغيير والراغب فيه والساعي إليه. وما دام الشباب قد بدأ برفع راية التغيير، فستكون النتائج الطيبة وهذا ما يجب أن نعمل له.
السؤال الذي أكرره: هل أدرك العبادي حقيقة ما يجري بالعراق وحقيقة ما يسعى إليه الشارع العراقي، وهل سيعمل على تحقيق تلك الشعارات الوطنية والمهنية الملحة والعاجلة التي نادى بها شباب العراق معبراً فيها عن رغبة وإرادة الشعب العراقي.؟
الجواب عند رئيس وزراء العراق !!!
9/8/2015