عماد رسن
ماكان على رئيس الوزراء العراقي الأجابة عن سؤال العقوبات على إيران بتلك الفضاضة وكأنه يقول نحن من أصحاب مذهب الواقعية السياسية في التعامل مع الأزمات. كان يمكن لرئيس الوزراء الإجابة بدبلوماسية عالية والقول مثلا سنتداول هذا الموضوع ونتخذ المواقف حسب مايتطلب الأمر. لكن، وبصورة عامة كشف العبادي من دون قصد عن هشاشة الدبلوماسية العراقية وسوء إدارة الدولة.
أولاً، كشفت تلك الأزمة عن ضعف الاقتصاد العراقي وكيف ان هذا الضعف أدي بالضرورة لتبعية القرار السياسي السيادي وتبعيته لمراكز القوى العالمية (مثلاً، هل ستلتزم تركيا بالعقوبات وقد وقعت مذكرة تفاهم مع طهران قبل سنتين لتبادل تجاري يفوق ال 20 مليار دولار؟). بينما تحاول الدول الخروج من الهيمنة الغربية اقتصاديا بتقوية المؤسسات تقودنا حكومتنا لصندوق النقد الدولي مثل الذي يأخذ النعاج لأجل الذبح بينما ينعم الفاسدون بمليارات سرقوها ولاتستطيع الدولة استعادتها.
ثانياً، كشفت الأزمة عن ضعف الدبلوماسية العراقية التي لم تؤسس للوبي يستطيع التأثير على صانع القرار الامريكي (السعودية والإمارات وقطر تغدق الأموال على مراكز البحث الامريكية من اجل التأثير ووصل تأثيرها لإقالة وزير الخارجية السّابق تيلرسون لموقفه من منع غزو قطر). كان بمكن للعراق من خلال الدبلوماسية ان يأخذ إعفاءات من الجانب الامريكي وسيتفهم الأمريكان ذلك وسيقبلون بالأمر الواقع.
ثالثاً، إن اجابة رئيس الوزراء تشير لمدى البؤس في طريقة التفكير السياسي له ولمستشاريه، فعندما يقول هم مستضعفون ونحن أيضاً مستضعفون وبالتالي نحن أولى يعيدنا لمقولة الواقعية السياسية القائمة على الفلسفة النفعية قصيرة الأمد. كلنا يعلم بان العقوبات على إيران هي موجهة نحو الشعب الإيراني وليست الحكومة الإيرانية من اجل إيلام الإيرانيين ودفعهم لتغير النظام السياسي كاخر وسيلة لتغيير نظام ما وبالتالي نحن سنكون من المشتركين في هذه الجريمة الأقليمية. ومن يعتقد أن تغيير النظام الإيراني سيجلب السعادة للشعب العراقي كمن توهم قبل أن سقوط صدام حسين سيجلب الحرية والديمقراطية والعيش الرغيد. عندما يرحل النظام الإيراني من الحكم سيكون بديله شرطي أمريكي يحمل هراوة كبيرة يحطم بها رأس كل من يحاول التفكير.
من جهة أخرى، لم يعرف العبادي ماذا تعني المصلحة. هل مصلحة أي شعب تحددها العوامل الاقتصادية والمنفعة الآنية؟ أم هي من خلال بناء العلاقات الطيبة وخلق مناخ ثقافي أخوي لتمرير المصالح الاقتصادية. لماذا يذهب السفير التركي لمدينة الثورة وياكل في مطاعمها، اليس من اجل قبول اكبر للشركات التركية واكثر للبضاعة التركية؟ هل يدرك العبادي أن الحكومات تذهب وأن الشعوب باقية وأن الشعوب لها ذاكرة مكتوبة على الحجر. هل يعلم العبادي أن ترامب سيرحل يوماً ما وستذهب عقوباته وسيقى الشعب الإيراني جيراننا للأبد وأن موضوع المصلحة لاي شعب لايرتبط حصراً بالاقتصاد فحسب بل بالعلاقات والمواقف بين الشعوب ولذلك تساعد بعض الشعوب شعوب أخرى اثناء الأزمات. ففي الوقت الذي لن ينالنا نفع من هذه العقوبات نجتهد في خلق اعداء لسنا بحاجة لخلقهم. تأثير العقوبات على إيران سينسحب على العراق شئنا أم ابينا وبالتالي كان المطلوب التعامل بشكل اذكى بالخصوص مع التصريحات الإعلامية.