هاجروا أيها العراقيون
هادي جلو مرعي
تمنعني من الحياة ثم تقول لي، إبق هنا وأصنع الحياة، وكأنني طفل ساذج، أو راع غنم لايعرف سوى غنماته والأفق المجهول ويسرح فيهما معا ويتنفس منهما معا، ولايريد أن يغادر بعيدا لكنه يتخيل أنه يطير في أجواء بعيدة وتنفتح له السموات فيصل الى أقصى الأرض يسبح في الفضاء مع الغيمات، وينزل عند ضفاف البحار وعلى شواطئ الأنهار.
فوجئت بنفسي ولأول مرة وأنا أنصح بعض الشبان بالهجرة، فكرت في نفسي أولا، هاأنا لاأشعر بأمل ولاأجد لذة في عمل، ولاأبحث عن مستقبل، وهمي أن أواصل الحياة المملة وأعيشها كما هي فقد تقدم بي العمر، وصارت حياتي مسؤوليات متراكمة كريهة بشعة، فالسياسيون فاسدون، ولايملكون رؤية ولاقدرة ولافهم لطبيعة الأحداث، ولايريدون أن يتعاطوا مع هموم الناس ومطالبهم المشروعة، والغالب منهم يفكر في همومه الخاصة، ويسعى للحصول على المناصب والمكاسب، وتحقيق طموحات منفصلة عن طموحات الناس البسيطة والمتواضعة.
حتى الخدمات الطبيعية والعادية كالماء والكهرباء وهي مسؤولية الدولة والجهات التنفيذية فيها صارت من ضمن قائمة الأمنيات، وهنا يفكر الشاب العراقي بطريقة متأنية ويتساءل مع نفسه، إذا كنت لاأجد خدمات المياه والكهرباء، ولاأجد عملا يحفظ لي كرامتي، ولاأعرف سبيلا الى المستقبل، وأجد الطرق كلها وقد سدت في وجهي، ولارغبة لي بالزواج، فلمن أجي بأطفال جدد يضافون الى قائمة الناس الضايعين في وطن معذب لايمنح أبناءه إلا القهر والحزن والموت، ولماذا أعيش هنا حيث لاأجد عملا حقيقيا يجعلني أشعر بالأمل، وحتى لو وجدت العمل فقد يعترضني في الطريق إليه أشخاص ويسألوني عن ديني وطائفتي، وإذا تمكنت من الحياة وحققت بعض المكاسب وجمعت المال فقد يختطف أفراد عصابة إبنا لي، أو شقيقا، أو أن يختطفوني مقابل فدية كبيرة ليطلقوا سراحي، أو أن أضطر الى العمل ضمن مجموعة مسلحة فأهدد الناس وأتوعدهم وأرفض الآخر وأقصيه وأرفض شراكته معي؟
الحياة هي مجموعة متطلبات ونجاحات وبعض الفشل، وهي علاقات واضحة وصريحة وفرص تأتي وتروح، لكنها تتطلب الأمن والإستقرار في شؤون الإقتصاد والعمل، وإذا وجد الإنسان إنه غير قادر على المواصلة، وإنه لايستطيع تحقيق النجاح، ولايظفر بالإستقرار فحياته غير آمنة، ولاتستحق المجازفة، وعليه أن يبحث عن فرصة في مكان آخر.