نضحك معا على حالتنا
محمد علي طه
لا يحمي عقولنا من اليأس ومن الهوس ومن الخرف ومن الجنون في هذا الزمن “الطالعة ريحته” سوى السّخريّة. اللهم عفوك لأنك القائل “لا يسخر قوم من قوم”، فالضحك هو أكسير الحياة وشمعة الأمل وغذاء الصمود، ولولا الضحك ما استطاع الإنسان أن يواصل مسيرته. قالوا: اضحك تضحك لك الدّنيا، ولكنّ هذه الدّنيا، نداعبها ونمازحها وندغدغها، ونتودّد إليها وبالكاد تبتسم لنا، كأنّها أخذت الضّحك والفرح والسّعادة وأعطتهم لهؤلاء الذين سرقوا خبزنا وزيتنا، وسمّموا آبارنا، ولوّثوا هواءنا، ولم تُبقٍ لنا سوى الفتات.
لا يسعني كي أواصل المسيرة وأزرع بسمة على شفاه القراء، الا أن أسخر من أشياء عديدة وما أكثر الأشياء التي تستحق السخريّة منها. ولا بأس من أن أصارحكم بأن السّخرية زوّادتي وبئري التي لا تنضب، بأذنه تعالى!
أسخر مثلا من جهلنا ومن تخلّفنا. ألم يقل أبو الطّيّب المتنبيّ : “يا أمّة ضحكت من جهل الأمم”؟ أنا أولى وأحق من كل الأمم بأن أضحك من جهلنا ومن تخلّفنا، ولولا هذا الجهل ولولا هذا التّخلّف ما احتلت إسرائيل القدس ونابلس وغزة. ولولاه ما عمّر الاحتلال حتى شاب رأسه، ولولا هذا الجهل ما دخلت امريكا عواصمنا… ولعبت بنا لعبتها المفضلّة. ولولا هذا الجهل ما فتحنا الشبابيك وحتّى البّوابات للاستعمار ودعوناه ليحتلنا من جديد بعد أن طردناه قبل عقود. ويبدو أننا أدمنّا على حكم الأجنبيّ وحكم الغريب ،فقبل قرون، في زمن الخلافة التي يبكي عليها بعضنا، دعونا الفرس والأتراك والشّركس والألبان، دعونا البيض والسّود والصّفر دعونا الأحرار والعبيد، دعونا الفحول والخصيان ليحكمونا في بغداد وفي دمشق وفي حلب وفي القاهرة وفي طلّوزة!!
أسخر من اللحى الطّويلة السّوداء والمخضّبة التي تهدم الآثار وتدمّر المعابد والتّماثيل والحضارات القديمة وتصرخ بصوت مدفعيّ “الله وأكبر ولله الحمد” فأتجاوب معها وأصرخ :وا إسلاماه وا إسلاماه!
أسخر من ديمقراطيّة معاركنا الانتخابيّة. هل نحن شعب أم قبائل وحمائل وأفخاذ وأقدام وأصابع؟ نحن شعب واحد. نحن شمال وجنوب. نحن جليل ومثلث ونقب .. وكي يتم الجيش بالحاج قطيش، ونحن مدن ساحليّة أيضا. ونحن عرب وبدو. وبدو شمال وبدو جنوب. نحن مسلمون ونصارى ودروز، كاثوليك وأرثوذكس وموارنة ولاتين وأرمن. ونحن داخل وخارج وان كنتم تحسبون أنّ هذه مناقب عرب 48 فأقول لكم ومناقب عرب 67 أيضا. تعالوا إلى رام الله أو بيت لحم أو..واسألوا من تصادفونه في الشّارع أو المقهى أو بين دخان النّراجيل :هل هو غزّاويّ أم ضفّاويّ، تونسيّ أم محليّ، خليليّ أم نابلسيّ، هاشميّ أم بعثيّ، فتحاويّ أم حمساويّ، شعباويّ أم تحريريّ؟
نحن نتقاتل على سمك في البحر. والبحر هائج!
أسخر من عنصريّة الحاكم الإسرائيليّ ومن عنصريّة الحاخام اليهوديّ ومن عساكر الاحتلال ومن الشّرطة التي في خدمة المواطن إذا كان يهوديّا وأمّا المواطن العربيّ فله خازوق بدون زيت…آخ……
أسخر من معاملتنا للمرأة .. المرأة للمتعة وللتفقيس وللطبخ وللجليّ وللمسح وللكيّ فقط لا غير..ويحقّ لنا أن نفتخر بأننا أنقذناها من الوأد ومن العبوديّة، ومنحناها الحقوق بأن يكون لها ثلاث ضُرّات لا أكثر .. وأن يضربها زوجها أو أبوها أو أخوها ضربا غير مبرح.. ضربة على الحافر وضربة على المسمار. نحن نصيرو المرأة. نحن خير أمّة!!
أسخر من أغانينا التي تطوّرت من ظريف الطول والدلعونا والميجانا والعتابا وصارت “عَ التوتو نَي، بحبّك يا حمار، العتبة قزاز.. كعك بعجوة.. ترشرش ترشرش ترشرش”!!
أسخر من طعامنا الذي تطوّر، من المجدّرة والكبّة النيّئة والمسخّن إلى تشيكن وشنيتسل وبطاطا ببيض وبيض ببطاطا!!
حمّلت الزّبّال”أبا لمجد”، أطال عمره “سخريتي المُرّة قبل سنوات في مسرحية اضراب مفتوح” وما زال مفتوحا منذ الفاتح من أيلول على الرّغم من أن اللجنة القطريّة علّقته. وها أنا اليوم أحمّل هذه السخريّة لعزيزي “شوفير أخو أخته” الذي أخرجه بالسّلامة أخي فؤاد عوض، الله يعوض عليه وانطلق من مدينة سخنين، وأرجو أن تصلّوا معي كي لا يتعرّض إلى حادث طرق وألا يوقفه شرطيّ يموت حبّا بالعرب وأن يصل بالسلامة إلى النّاصرة وعكا وحيفا ويافا والى رام الله ونابلس وأريحا ولا بأس أن يصل إلى العراقيب والجهالين!!
واسمحوا لي أن أسخر من هذا القارئ الكاتب الذي يزعم أنه يفهم، ولا يريد أن يفهم بأنّه من “غزيّة”، والبركة، هذا الرّجل اسمه: اللهم صلِّ على سيدنا محمد .. وعلى اله ….
والسّلام عليكم.