ناديا مراد – البراءة المجروحة
احسان جواد كاظم
الحزن الشفيف يطوف على عيون الصبية الايزدية العراقية ناديا مراد, التي اختطفت وبنات جلدتها من احضان اهاليهن ليشهدن كوابيس ليل بهيم, بعد ان سرق وحوش جاؤا من غياهب التاريخ المظلم احلامهن الملونة, والكثير منهن, صبايا بعمر الورد, كن على موعد قريب مع فرح ومستقبل واعد.
بلكنتها الموصلية المحببة وانتقالها المرتبك بين العامية والفصحى اوصلت وجعها الى الكثير من الناس في العالم, أفضل من الكثير من سياسيينا المتفاصحين الخائبين.
ففي لحظة كثيفة الالم, استباح جرذان الظلام مدينة سنجار, وكان الحقد أفعى تتلوى في قلوبهم, وساقوا آلاف الرجال الى مسالخ الموت والصبايا والنساء والاطفال الى سوق النخاسة.
وبينما كان العالم مبهوتاً لهول الكارثة, كان بارونات الطوائف وقجقجية النفط يتسابقون على نهب ما يمكن نهبه.
بأسم مملكة القتل والرعب المطاطية الحدود داعش, وبفكرها الاكسباير وبفرمانات همايونية مضمخة بالدم, ارتكبت الجريمة. وعلى أيادي قادتها, الذي يخشى الشيطان ذاته ان يتراءى لهم في الاحلام, انتهكت الاعراض والشرائع والقيم.
لم يعلمهم دينهم بأنه ” لايوجد في العالم ما هو اسمى من دفع الآلام ” (1) فتمادوا في التنكيل بالبشر.
من المؤكد انها, ناديا مراد والكثير من الصبايا والنساء المختطفات قد أطلقن زفير الهمّ : يا الهي, ان هذا أطول ألم !
ففي لقاء مع اعلاميين قالت ناديا مراد :” انا لست شجاعة وانما قوية… وهذه القوة استمدها من وجعي..”. لاتعلم انها بشجاعة الف رجل من بائعي الموصل للدواعش ومتكتكي مأساة سنجار الجريحة. وانها لم تغلب على امرها. فهي بشجاعتها وانتفاضتها فضت زيف اكثر التابوات الاجتماعية تخلفاً بتصريحها بالانتهاك الذي حصل عليها والنساء الأخريات واشارت بسبابتها الى عين المغتصب الوقحة بجرأة وطالبت العالم بالقصاص العادل منه. ثم هشمت صورة المرأة المنتهكة المغلوبة على امرها, وفتحت افقاً جديداً لنساء طالما كن ضحايا اغتصاب وهدر كرامة ولكنهن فضلن الاستكانة والسكوت على الظلم خوفاً من ثوابت مجتمعية بتحميل الضحية, المرأة المغتصبة, الفضيحة والعار… وكل عواقب الجريمة التي ارتكبت بحقها…فزعزعت عقداً وعقائد اجتماعية ظالمة.
بشجاعتها وضعت وجع آلاف النساء الأيزيديات المختطفات لدى داعش وعوائلهن على مائدة الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان في الوقت الذي تهرّب فيه اساطين السياسة والدبلوماسية, بعربهم وكردهم, عن فعل ذلك وكأن الامر لايعنيهم.
هؤلاء الساسة تزعجهم حتى الرغبات الشعبية الصادقة بترشيح هذه الصبية الوادعة التي لا تفقه بحيل النصابين شيئاً, لجائزة نوبل, فلسان حالهم يقول : ” من تكون هذه المفعوصة لتفوز بهذه الجائزة ” ؟!
هذه, البنت الطيبة ككل بناتنا, عرّت, من حيث لا تدري, مواقع الدونية في نظرة المجتمع المشوهة للمرأة وانعكاسها في القوانين العراقية وضرورة اعادة مراجعتها وجعلها اكثر عدلاً وانسانية, مثل الظروف الاجتماعية والنفسية التي تكابدها المغتصبة, أية مغتصبة, وما يتصل بها. و كالعقوبة الجزائية المخففة لمرتكبي جرائم القتل بدعوى ” غسل العار”, وحمايتها قانونياً. وعلى غياب المعالجات القانونية لمظاهر الاستعباد الجنسي للمرأة والطفل. وكذلك الامر بالنسبة لضرورة تشديد العقوبات القانونية لمرتكبي جرائم الاختطاف وبالخصوص للمرأة والطفل, والعنف ضدها, وكل هذه الانتهاكات والاعتداءات مجموعة, تعرضت لها ناديا والنساء الاخريات والاطفال المختطفين عند داعش.
ولابد اخيراً من تضمين سجلات اتهام كل معتقل من ارهابيي داعش يؤسر, تهم الاختطاف والاغتصاب والتجارة بالبشر, اضافة الى التهم الاعتيادية الاخرى ومحاكمتهم عليها.
واذا شكل اختطاف ناديا والاخريات مأساة لأهلهن ولملتهن ولكل العراقيين, فأن تحررها ونشاطها كان كارثة وقعت على رؤوس المتخاذلين من السياسيين والعسكر, فالرأي العام الشعبي يجمع على ان من فقد الشرف حقيقة, هو كل من اوصل الامور الى هذه الحدود التي مكنت ارهابيي داعش من تطبيق شرائعهم الدنيئة بحق ابناء شعبنا ووطننا, ولن يمر ذلك دون حساب.
رسالة التحدي الى الدولة الاسلامية داعش :- ” المهود لازالت تهتز والأغاني لازالت تُغنى “. (2)
(1) – عن رواية ” عزازيل ” ليوسف زيدان.
(2) – عن كتاب ” داغستان بلدي ” لرسول حمزاتوف.