صلاح بابان
يشكو “السجناء السياسيون” في اقليم كردستان منذ نصف عقدٍ من عدم حصولهم على مستحقاتٍ وامتيازاتٍ “تليق بالنضال الذي قدموه وتوازي ما تعرضوا له على يد النظام البعثي البائد” أسوةً بأقرانهم من السجناء السياسيين في العراق الذين يتقاضون رواتب وامتيازاتٍ تفوق رواتب أقرانهم في الإقليم بثلاثة أضعاف.
ويشكو آلاف السجناء السياسيين من عدم حصولهم على حقوقهم وعدم دفع اي رواتب لهم، بسبب اجراءات ادارية واخرى ترتبط بعدم تمكن بعضهم من تأمين المتطلبات المتعلقة بالوثائق والشهادات التي تؤكد سجنهم والتي يصعب الحصول عليها.
فيما يشير سجناء سياسيون سابقون الى وجود عدد من الأفراد يحصلون على امتيازات ورواتب السجناء رغم كونهم لم يسجنوا او سجنوا لأسباب غير سياسية لكنهم قدموا أوراق ملفقة.
مفاوضات مستمرة وحلول غائبة
وكانت حكومة الاقليم قد أجرت وعلى فترات مختلفة مفاوضات عدة مع الحكومة الاتحادية في بغداد من أجل جعل امتيازات ومستحقات “السجناء السياسيين” في كردستان موازية مع أقرانهم في العراق، إلا أن جميع المحاولات لم تصل الى نتيجة تلبي مطالب”السجناء السياسيين” بالشكل المطلوب وسط انتقاد حادٍ موجهة لحكومة الاقليم بعدم الاهتمام بامتيازاتهم ومستحقاتهم المالية.
وكما ان بعض الحاصلين على رواتب السجناء السياسيين في كردستان ملفات تعرضهم للسجن هي محل شك وتحتاج الى تدقيق، فان الامر يتكرر في قوائم الحكومة الاتحادية للسجناء السياسيين وهذا ما يجعل الملف شائكا ويحتاج الى وقت طويل لحسمه بما يحقق العدالة.
وكان وزير الشهداء والمؤنفلين في الكابينة الرابعة السابقة لحكومة الاقليم محمود الحاج صالح قد كشف في شهر حزيران الماضي عن “تشكيل لجنة مشتركة مع الحكومة الاتحادية في بغداد لتوحيد الرواتب والمستحقات والمنح المالية للشهداء والمؤنفلين والسجناء السياسيين مع باقي المتضررين من النظام السابق في العراق”.
واستطاعت حكومة الاقليم استكمال جميع الاجراءات القانونية والادارية لتسوية الموضوع مع الحكومة الاتحادية خلال الأشهر الماضية ولم تبقى الا خطوات بسيطة لاضافة السجناء السياسيين في كردستان ضمن المنحة المالية لأقرانهم في العراق إلا أن المشاكل والاضطرابات التي شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية انعكست سلباً على هذا الملفوعطلت حسمه.
تعديل قانون (11) لسنة 2011
ويتقاضى في اقليم كردستان (5156) شخصٍ من السجناء السياسيين من مجموع (23 ألف) سجين سياسي منحة مالية على شكل رواتب شهرياً تترواح بين (250-500) ألف دينار لمدة عشر سنوات، وفي حال اذا كانوا موظفين يخيّرون ما بين استلام هذه المنح أو رواتبهم الوظيفية. بحسب رئيس لجنة الشهداء والمؤنفلين والسجناء السياسيين في برلمان كردستان سوسن ميرخان.
ونظم “السجناء السياسيين” وقفة احتجاجية أمام برلمان كردستان في 28-9-2019 مطالبين بايجاد حل عاجل لمشاكلهم المتعلقة برواتبهم وامتيازاتهم ومستحقاتهم.
وقدم ممثلي التظاهرة خلال اجتماعهم مع لجنة شؤون الشهداء والمؤنفلين والسجناء السياسيين في برلمان الاقليم مذكرة للجنة ضمت أبرز مطالبهم منها ما يتعلق بتعديل القانون رقم (١١) لسنة ٢٠١١ والخاص بحقوق وامتيازات السجناء السياسيين في الإقليم ومعالجة مشاكل القانون، وتوحيد رواتب وامتيازات السجناء السياسيين مع السجناء السياسيين في العراق وحل المشاكل المتعلقة بمنحة العشر سنوات التي تقدم للسجناء السياسيين لأنها تخالف المادة ١٣٢ من الدستور العراقي.
وتؤكد لجنة الشهداء والمؤنفلين في برلمان الاقليم سعيها الدؤوب من أجل تعديل القانون الخاص بالسجناء السياسيين في كردستان وجعله مساوياً لقانون السجناء السياسيين في العراق.
وتقول ميرخان في حديثٍ خاص مع “صباح كوردستان” أنه بالرغم من الجهود المبذولة من قبل اللجنة إلا أن الحلول مازالت مجهولة وغير واضحة على أرض الواقع بسبب المشاكل التي يواجهها العراق كما اقليم كردستان لاسيما فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي والمالي الذي انعكس سلبا على حسم هذا الملف ودفع عدة مرات الى تأجيله.
قطع الامتيازات بعد 2014
وأصدرت وزارة المالية والاقتصاد في حكومة الاقليم تعليمات جديدة حول رواتب ومنح السجناء السياسيين بعد الازمة الاقتصادية التي ضربت الاقليم عام 2014 والحرب ضد تنظيم داعش الارهابي كما تبين ميرخان، والتي أدت الى قطع منح أكثر من 18 ألف سجين سياسي في كردستان وقطع العديد من الامتيازات التي كانت تحصل عليها عوائل السجناء السياسيين.
وتشير رئيس لجنة الشهداء والمؤنفلين والسجناء السياسيين في برلمان كردستان الى زيارة مرتقبة لوزير الشهداء والمؤنفلين في كردستان الى العاصمة بغداد للتباحث مجددا مع الحكومة الاتحادية بهدف الوصول الى حل لمشاكل السجناء السياسيين في الاقليم وجعل امتيازاتهم ومستحقاتهم مساوية لأقرانهم في العراق.
وكان للسجناء السياسيين في كردستان امتيازاتٍ عدة منها ما يتعلق بالتعليم المجاني لأولادهم واستلام قطع أراضي فضلاً عن اميتازات أخرى إلا أنها توقفت بعد عام 2014 والأزمة الاقتصادية التي عطلت قدرة الحكومة حتى على دفع رواتب الموظفين بشكل منتظم.
وكان المدير القانوني لديوان وزارة شؤون الشهداء والمؤنفلين باقليم كردستان محسن شيرواني قد كشف في شهر أيار من العام الجاري عن “تسليم بغداد كتاباً رسمياً من رئيس وزراء الاقليم السابق نيجيرفان بارزاني يطالب فيه بمعادلة رواتب السجناء السياسيين في إقليم كردستان برواتب أقرانهم في العراق”.
واشار الى انه “تم تسليم الكتاب الى رئاسة مجلس النواب العراقي ورئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، وعدد من الجهات المعنية”. مؤكداً ان “الكتاب صدر بناءً على طلب مؤسسة السجناء السياسيين العراقية، وهي التي طلبت تسجيل أسماء السجناء السياسيين من إقليم كردستان”.
ويشترط في السجين السياسي باقليم كردستان ان يستطيع تأمين شهادة شخصين بأنه كان مسجوناً سياسياً، ليسجّل ضمن السجناء السياسيين، وهذا ما فتح باب الفساد وتسجيل العديد من الأشخاص أسماءهم ضمن “السجناء السياسيين” بطرق غير قانونية ما أدى الى وجود هذه الأعداد الكبيرة ممن يعتبرون أنفسهم سجناء سياسيين في الاقليم.
أكثر من 23 ألف سجين سياسي
ويقول مصدر مسؤول في وزارة الشهداء والمؤنفلين والسجناء السياسيين بكردستان: ان “وجود أكثر من 23 ألف سجين سياسي في كردستان رقم ضخم جداً وغير منطقي أبداً”، مؤكداً في حديثٍ خاص مع “صباح كوردستان” شرط عدم ذكر اسمه: ان “هذه الأعداد في حال دفع رواتبها وامتيازاتها فستشكل عبئاً اقتصادياً كبيراً على حكومة الاقليم بهذه المرحلة وليس بمقدور الحكومة تلبية امتيازاتهم ومستحقاتهم”.
وانتقد المصدر المسؤول الاكتفاء بشهادة شاهدين لاثبات ان الشخص من “السجناء السياسيين”، موضحاً ان عشرات الأشخاص لم تبلغ أعمارهم الأربعون عاماً مسجلون في الوقت الحالي كـ”سجناء سياسيين” في كردستان تحت ذريعة أنهم كانوا معتقلين في سجون النظام البعثي قبل الانتفاضة عام 1991 أي أعمارهم لم تبلغ 20 عاماً آنذاك وهذا ما يخلق الشك بعدم صحة ملفاتهم.
تعويض السجناء السياسيين مادياً
من جانبها انتقدت عضو المجلس الأعلى لشؤون المؤنفلين والسجناء السياسيين في كردستان آمنة صالح حسين عدم شمول “جميع السجناء السياسيين في كردستان بالامتيازات السابقة ومنها استلام قطع أراضي”، معبرةً عن أسفها لعدم “وصول جميع الاجتماعات التي عقدت مع الحكومة والبرلمان بالاقليم الى صيغة تعالج مشاكلهم المستمرة منذ خمسة أعوام”.
وطالبت صالح في حديثٍ مع “صباح كوردستان” حكومة الاقليم بتعويض السجناء السياسيين مادياً ومعنوياً بسبب الأضرار والمعاناة التي عاشوها في زمن البعث البائد وعدم الاكتفاء بمنحهم راتباً بسيطاً لا يسد حاجاتهم اليومية”.
وتابعت انه “ليس من المعقول ان يستلم السجين السياسي في اقليم كردستان 250 ألف دينار شهرياً كراتب أو منحة بينما يستلم بالمقابل السجين السياسي في العراق مليون مائتا ألف دينار عراقي”، داعية الحكومة الاتحادية في بغداد الى النظر بمعاناتهم وجعل امتيازاتهم متساوية مع السجناء السياسيين في العراق.
تمديد استلام المنح الى 25 سنة
بدورها قدمت جامعة السجناء السياسيين في كردستان ورقة مطالب الى الحكومة والبرلمان بالاقليم ثلاث مرات في 11-9-2019 و 24-10-2019 و 21-11-2019 متضمنة ثلاثة مطالب رئيسية.
وقال مسؤول الجامعة بهاء الدين عزيز في مؤتمر صحفي عقده الأسبوع الماضي بمدينة السليمانية وحضرته “صباح كوردستان”: انه “لم يعد هناك أي عذر يدفع حكومة الاقليم بعد الآن الى عدم الاستجابة لمطالبنا المشروعة”.
وأضاف ان “السجناء السياسيين يتعرضون الى الاقصاء والتعسف بعدم نيلهم امتيازاتهم المستحقة وهم من الفئات التي تعرضت للسجن والتعذيب والترحيل والفصل من الوظيفة في زمن البعث بسبب مواقفهم الوطنية”، مناشداً حكومة كردستان الى “الاسراع في حل مشاكلهم ومنحهم امتيازاتهم الكاملة وتعديل رواتبهم وجعلها متساوية مع السجناء السياسيين في العراق”.
وشدد عزيز الى ضرورة تعديل قانون “السجناء السياسيين” في كردستان من خلال تمديد مدة اعطاء المنح الخاصة بهم الى 25 سنة بدلاً من10 سنوات، وان يستمر تقديم المنح الشهرية لـ(5156) سجيناً سياسياً في الاقليم وعدم قطع رواتبهم بعد مرور عشر سنوات على استلامها كما ينص عليه القانون الحالي الذي بحاجة الى تعديل بأسرع وقت.