ما العمل لتجنب إعلان حالة الطوارئ بالعراق
د. كاظم حبيب
تزداد القناعة لدى جماعة صغيرة من السياسيين العراقيين بأن أوضاع البلاد، التي أصبحت لا تطاق، تستوجب اتخاذ إجراء استثنائي ملح بهدف مواجهة احتمال تفاقم التدهور الجاري، وذلك بإعلان حالة الطوارئ، والتي تعني ضمن ما تعني تعطيل العمل بالدستور والقوانين المدنية والسماح لرئيس الوزراء بتنفيذ ما يراه منفردا، بما في ذلك منع التظاهر والإضراب والتجمع والتنظيم…إلخ. فهذه الجماعة على حق حين تشرح الأوضاع على النحو التالي: فمن جهة يخوض الجيش العراقي وقوات البيشمركة والمتطوعون قتالا عادلاً ومريرا لتحرير المناطق التي تحت احتلال الوحوش الضارية التي اجتاحت محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وبعض مناطق ديالى وكركوك، ومن جهة ثانية يزداد نشاط القوى المناهضة لعملية تغيير النظام السياسي الطائفي
والمحاصصة الطائفية المخربة لوحدة الوطن باتجاه الدولة المدنية الديمقراطية. كما إن الأوضاع المعيشية للشعب تزداد تدهورا، ويتفاقم في الوقت ذاته الفساد المالي في حين تعاني خزينة الدولة من شحة الموارد المالية بسبب تدهور شديد في أسعار النفط الخام عالمياً. كما يسجل الوضع الجاري تزايد عمليات اختطاف المواطنين والسطو على رواتب صغار الموظفين وممارسة القتل. وتمارس القوى المناهضة للتغيير من داخل القوى السياسية التي تشكل التحالف الحاكم صيغاً عديدة من التدخل لتخريب المظاهرات الشعبية من داخلها. ومما يزيد في الطين بلة تفاقم تدخل دول الجوار التخريبي لإعاقة التغيير المنشود وضد معاقبة القوى والعناصر الفاسدة التي ما تزال تسيطر على المفاتيح الأساسية للحكم بالبلاد، إضافة إلى امتلاكها لمليشيات طائفية مسلحة.
والسؤال العادل الذي يواجه الجميع هو: هل إعلان حالة الطوارئ أداة واقعية سليمة لمعالجة أوضاع العراق الملموسة؟ لدي القناعة الشخصية بأن هذا الإجراء الاستثنائي المقترح ليس هو الحل الأمثل والأنسب لأوضاع البلاد والتغيير الجذري المنشود. وحين نرفض إعلان حالة الطوارئ، فما الذي يستوجب القيام به لتحقيق الإصلاح والتغيير الجذري المنشود؟
إن إعلان حالة الطوارئ هي أقرب إلى انقلاب يمكن أن يدخل البلاد في دوامة من الانقلابات العسكرية آلتي عاش العراق العديد منها في تاريخه الحديث والتي لم تثمر غير المزيد من الاستبداد والقهر والبؤس والفاقة؟
كلنا شهود على منح جماهير واسعة تأييدها الواضح لرئيس الوزراء حيدر العبادي بهدف الخلاص من النظام الطائفي والمحاصة الطائفية والفساد والإرهاب وتحرير البلاد، كما منحته تخويلاً باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق الأهداف المنشودة. كما إن الشعب أبدى استعداده بتظاهراته الشعبية في مدن محافظات الوسطى والجنوبية وبغداد في دعم جهود رئيس الوزراء للسير على طريق الإصلاح والتغيير. والكرة الآن في ملعب رئيس الوزراء الذي ما انفك يؤكد إصراره على تحقيق التغيير المنشود وبكل حزم! وعلينا ان نتساءل: هل هو فاعل ما يفرضه وضع البلاد؟ بكل وضوح وصراحة وشفافية أرى بأن العملية تراوح مكانها وليس هناك من تقدم ملموس وضروري. ويتابع المجتمع بامتعاض أساليب القوى المناهضة للتغيير في امتصاص زخم العملية والمظاهرات لتنقلب عليها وتطيح برئيس الوزراء، تماماً كما حصل في فترة حكم عبد الكريم قاسم حين أعاقت الأجهزة الحكومية والقوى المضادة تنفيذ السياسات والقرارات الديمقراطية والتقدمية الصادرة وهيأت الأجواء والأرضية الصالحة لتنفيذ انقلاب شباط الدموي في العام ١٩٦٣. وستكون الضحايا هائلة بسبب الكراهية والحقد التي يحملها أعداء الإصلاح والتغيير الجذري.
إن التغيير عملية صيرورة وسيرورة معقدة وطويلة ومليئة بالمخاطر. ومن يتصدى لها يفترض أن يكون قد حزم أمره في الوقوف مع الشعب وضد النظام السياسي والمحاصة الطائفية وضد الفساد والإرهاب ومن أجل تحرير العراق. وهذا يتطلب عدم التردد والمماطلة من تحقيق الخطوات السريعة والعاجلة لضمان الإصلاح والتغيير.
إن الوجهة التي يحاول حزب الدعوة الإسلامية فرضها على العبادي تتلخص أولاً في تجميد كل شيء والتخلي عن محاسبة قادة الحزب رفاق العبادي الذين ارتكبوا أكبر الآثام بحق الشعب العراقي، وعلى رأسهم نوري المالكي، وبالتالي سيعجز عن اتخاذ الإجراءات الضرورية ضد قيادات قوى وأحزاب أخرى ارتكبت ذات الآثام. وبهذا سيخسر رصيده الشعبي الذي تكون بفعل موقفه الإيجابي من مطالب الشعب. بعدها يبدأ العد التنازلي لوجود العبادي في السلطة ليعود المالكي إليها. إن من واجب العبادي بدء الإصلاح بحزبه أو بالاستقالة منه وتنفيذ ما يمليه عليه واجبه وضميره وضمير الشعب المستباح، تنفيذ عملية التغيير، وإلا فسيغير من أعداء التغيير!