محمد جبر حسن
لولا عطل السيارة ونزوله منها قرب دارها لما رآها ، الصدفة ليس لها مقدمات ، احياناً تأتي لوحدها ، واحياناً تكون لها مسببات .. وقد تكون مسببات ميكانيكية مثلما حدث عند عطل السيارة في هذا المكان بالذات ، لكنها اولاً وآخراً تخطيط رباني يريد الله بها شيء لا احد يتوقعه .
لحظتها كان لعطش السائق فعل آخر في خلق هذه الصدفة ، وذلك عندما طلب من اصحاب الدار ماءً للشرب ، لم تمض الا دقائق وخرجت لهما شابة صغيرة ومعها كأسي ماء بارد ، شكرها بأبتسامة خجولة واخذ منها الماء الذي جاء بوقته ، الحر كان شديداً جداً والرطوبة فاقت معدلاتها في هذه الظهيرة الصيفية ، لم يكتفِ اسعد بهذه الابتسامة فقد شعر وكأن سهم انطلق من عينيها الجميلتين واصاب قلبه دون مقاومة منه ، شرب الماء البارد قطرة قطرة وكأنه لا يريد ان ينتهي ليبقى مستمتعا بالنظر لها ، اما السائق فقد افرغه في جوفه سريعاً وبدء بأصلاح العطل ، العطل الذي جعله الله سبباً لأن يقع هذا الشاب في حب هذه الفتاة .
في نفس اليوم رجع اسعد الى المكان الذي توقفت فيه السيارة علّه يراها ، باءت محاولته الاولى بالفشل ، وفي اليوم الثاني كان خط سير السيارة التي تقلّه من المعهد الذي يتعلم فيه يمر من نفس المكان ، اخذ يتلفت يميناً ويساراً وعينه شاخصة الى بيتها عسى ان يراها ، للأسف الصدفة لا تتكرر يومياً ، انها تأتي كومضة او نبضة قلب شديدة كالتي نبضت بقلبه امس ، صارت مراقبته في كل يوم عند الذهاب والاياب الى المعهد امر ملفت للنظر حيث انتبه له السائق واخذ يبتسم في سره ، ينظر اسعد الى باب بيت الفتاة التي سقته ماء واخذت بعقله وشغلت قلبه الذي ذاق طعم الحب اول مرة ..
مرت الايام واسعد على هذا المنوال ، يتأمل ان يراها ، شيئاً فشيئاً حاول ان ينسى ما حصل معه ، اخذ يشغل نفسه بأمور اخرى ولكن خيال صورة وجه الفتاة يأبى ان يفارقه ، انه يتراءى له في كل شيء وخصوصاً عندما يشرب كأس ماء بارد !
الى حد ذاك اليوم الذي كان جالساً فيه بالمعهد ورآها ماثلة امامه ومعها رجل بالعقد الخامس من عمره ، عرف لاحقاً انه والدها !
المفاجأة صدمته ولم يستطع ان يفعل شيء غير ان يقف امامهم وبأرتباك ظاهر حاول ان يخفيه
– السلام عليكم .. ابني وين الگه مديرة المعهد ؟
اشار له بيده الى باب في آخر الممر الذي خلفه ..
ماذا يريد ؟ هل رآه يتردد من امام بيته ويريد ان يشتكي عليه ؟
مشى امامه وطرق باب غرفة المديرة مستأذناً بالدخول ..
– السلام عليكم ..
وعليكم السلام .. تفضل اخي
– آني جايب بنتي واريد اسجلها بمعهدكم .. هي خرسه وما تسمع !
– تتدل ان شاءالله راح تتعلم شي يفيدها .
كتبت المديرة ملاحظة على ورقة صغيرة واعطتها الى الأب ، ثم اشارت بحركات خاصة في يديها الى اسعد تخبره فيها ان يذهب معهم لغرفة الادارة لأستكمال الاجراءات .
انتهت .