قراءة في كتاب” الفتوحات العربية في روايات المغلوبين” لحسام عيتاني/2من 2
علاء اللامي*
-هل دمر العرب المسلمون تمثال عملاق رودوس ؟
فاتني أن أسجل أمرا له دلالاته وهو أن الكتاب الباحث حسام عيتاني الذي أقتبس منه هذه النصوص ممنوع في جميع الدول العربية على ما يقال، وهو ضمن عدد كبير من الكتب المرقونة في القائمة السوداء، ولا أدري ما صحة ذلك، وهل هو ممنوع في أغلبها أم في كلها، ولكني لا أستبعد الاحتمال الأول لما عودتنا عليه الرقابات الحكومية العربية الغبية والتي لا تعرف الفرق بين كتب البحث العلمي وكتب الخواطر والسرد الإنشائي السطحي.. وسيتأكد لنا ذلك من الفقرات التالية التي تصلح لتكون وثائق دفاع مهمة عما يزعم الحكوميون العرب الدفاع عنه، ولكنهم يمنعونه ويعاقبون من يتداول أو يحوز أو يدرس و ينشر وثائق كهذه في كتب بحثية ذلك لأن هؤلاء الرقباء الكسالى عقليا يرتعبون من المنهجية النقدية والاحتكام للحقيقة والوقائع التاريخية التي يعتمدها المؤلف.
لنبدأ بتمثال عملاق رودوس لذي زعم بعض المؤرخين من القرن التاسع عشر أن العرب المسلمين دمروه ونقرأ ما كتبه عيتاني ( وفي سياق الفتوحات، نشأت مجموعة من الأساطير عن أعمال هدم وقتل قام بها المسلمون، منها ما لا يصمد أمام الفحص التاريخي، على غرار حديث ميخائيل السرياني عن تدمير المسلمين لتمثال عملاق رودوس وبيعهم معدنه إلى تاجر يهودي من حمص. ويوضح هويلاند أنه ما كان للعرب القيام بذلك لسبب بسيط هو أن التمثال انهار قبل مئات الأعوام من وصولهم الى الجزيرة ” رودوس”. ص 103 عيتاني / ص 642 هويلاند ( Hoylland) في كتابه “رؤية للإسلام/ غير مترجم”.) في الحلقة القادمة سنناقش ما كتبه المؤلف حول أسطورة إحراق مكتبة الاسكندرية الذي اتهم به الفاتحون العرب المسلمون.
-هل أحرق العرب المسلمون مكتبة الاسكندرية ؟
كتب الباحث حسام عيتاني ( ثمة مسألة عاد كتاب معاصرون الى تناولها بعدما أسرف باحثون غربيون في تكرارها كدليل على همجية الفتوحات العربية هي تلك المتعلقة بإحراق مكتبة الاسكندرية.) ثم ينقل لنا الباحث على ص 127 وما بعدها روايتين حول الحدث، الأولى، تؤكد الإحراق، وأخرى تنفيه بشكل قاطع وموثق. الرواية الأولى هي رواية أبو الفرج غيريغوريوس بن العبري. وخلاصتها أن قائد العرب المسلمين عمر و بن العاص الذي يصفه بـ”الرجل العاقل صحيح الفكر” اجتمع إلى يحيى غرماطيقوس النحوي وهو رجل دين مسيحي على مذهب اليعاقبة وله خلافاته مع الكنيسة، وأن هذا الأخير هو الذي أخبر بن العاص بأمر كنوز مكتبة الاسكندرية العلمية وخصوصا من كتب الحكمة “الفلسفة” فكتب الأخير الى الخليفة عمر بن الخطاب يستفتيه في أمرها، فأمره بالاحتفاظ بما يتوافق منها مع القرآن وإعدام ما خالفه. فشرع ابن العاص بتفريق الكتب على الحمامات كحطب لها ظل يستوقد ستة أشهر. هذه هي خلاصة رواية ابن العبري.
الرواية المضادة التي تسوقها الباحث هي للباحث أي بتلر في كتابه ” الفتح العربي/ ص424 / غير مترجم” فيكتب عيتاني نقلا عن بتلر سبعة استنتاجات تنفي رواية ابن العبري وخلاصتها تلك الاستنتاجات هي :
1-أن هذه القصة ظهرت بعد خمسمائة عام من الحدث.
2-أن تفاصيلها تبين عبثيتها.
3-أن بطلها الذي يسميه ابن العبري يحيى غرماطيقوس كان قد مات قبل زمن طويل من الفتح العربي.
4-أن اثنتين من كبريات المكتبات التي يمكن أن تكون القصة تشير اليهما كانتا قد اختفتا من الوجود قبل مئات الأعوام من الفتح العربي.
5-أن أدبيات القرون الخامس والسادس والسابع لم تتضمن أي ذكر لهذه المكتبة.
6- لم يذكر المؤرخ والأديب يوحنا النيقوسي – وهو أسقف قبطي من معاصري حدث فتح مصر في 642 م حيث عاش من 625 وحتى نهاية هذا القرن، السابع وله كتاب منشور باللغة العربية عن تاريخ الكنائس القبطية وبابواتها في مصر ذلك العهد. ع ل – أي شيء عن هذه القصة في كتاباته.
7- في حال وجدت مكتبة كهذه لكانت قد نقلت محتوياتها خلال 11 شهرا من الهدنة التي تفصل بين توقيع الهدنة ودخول جيوش العرب المسلمين الى المدينة…
ولم يكن تفنيد رواية ابن العبري مقصورا على بتلر بل أن المؤرخ غيبون ( Gibbon ) فنده أيضا في كتابة ” التاريخ /ص 357 / غير مترجم )، كما يذكر عيتاني. في الحلقة القادمة سنتوقف نقديا عند بعض استنتاجات الكاتب التي أوردها بعد هذا المقتبس والتي نعتقد أنها تشكو من خلل منهجي في موضعين على الأقل.
-وقفة نقدية .. العرب ليسوا ملائكة ولكنه السياق:
ولكن المؤلف، وبعد أن يستعرض قصصا واتهامات أخرى بإحراق مكتبات في مناطق أخرى، يحاول أن يبقى متساوقا مع منهجيته التي أراد لها ألا تكون تبرئةً لطرف تاريخي ما أو إدانةً لآخر فيخلص إلى القول ( ومن دون المبالغة في تفسير قضية إحراق المكتبات سواء تلك التي أحرقها العرب – كان الباحث قد ضرب مثلين على ذلك بما قال أنه إحراق العرب لمكتبة (كتسفون الساسانية) وأعتقد انه يقصد “طيسفون” التي يسميها العرب “المدائن” ويعتقد آخرون أن كلمة مدائن آرامية وكان اسمها قبلا ” سلوقيا نسبة الى الملك الإغريقي سلوقوس وريث الاسكندر المقدوني، و إحراق مكتبة الأزهر بعد استيلاء صلاح الدين الأيوبي على مصر دون توثيق أو تفاصيل يعتد بها. ع ل – أو المغول في بغداد وفي قلعة “ألموت” مركز الإسماعيليين النزاريين قرب بحر قزوين، يمكن التأمل في مآل المكتبات ومصائرها كعينات، ليس على مكانة الثقافة في العالم العربي في نظر حكامه وغزاته فحسب، بل أيضا على الصروف الرهيبة التي ما فتئت تصيب هذه النواحي، مانعة تكامل عملية تراكم معرفية وسياسية واجتماعية ضرورية لأي شكل من أشكال النهضة. وإذا كان العرب أبرياء من إحراق مكتبة الاسكندرية، فإن ما فعلوه هناك و في غيره من البلدان المفتوحة بحسب شهادات أبناء تلك البلدان لا يقل خطورة عن تدمير معلم حضاري أو مكتبة تاريخية، فالضرائب التي فرضها الحكم العربي لم تكن بالأمر البسيط بالنسبة للمصرين أو العرب. ص129 ).
ولنا على هذا الكلام مأخذان منهجيان : الأول هو أن الباحث لم يكن موفقاً علمياً في خلطه لسياقات مختلفة مع بعضها، وتحديدا حين جمع و ساوا نوعيا – بالمعنيين الحضاري والتاريخي للكلمة – بين العرب الذين فتحوا العراق بعد حرب دموية رهيبة ضد الفرس الساسانيين المحتلين للعراق آنذاك ولم تذكر المصادر المعروفة أي ذكر لعملية إحراق لمكتبة في “طيسفون” المدائن وبين العرب و شركائهم الذين بنوا بغداد وحضارتها كأول حضارة متعددة الأعراق، وراقية الإنجاز، في الشرق والعالم القديم تحت مسمى الحضارة العربية الإسلامية، و بين غزاة طارئين كالمغول الذين هدموها ودمروا مكتباتها. كما أنه لم يكن صحيحاً جمع هذه السياقات كلها بسياق أحداث قلعة الاسماعيليين في “ألموت” ذات الانجاز الثقافي المحدود بمحدودية التمرد الثوري الاسماعيلي هناك، وثمة الكثير مما يؤكد ذلك، من الوقائع والشهادات التي وردت في كتب تاريخية وحتى في أعمال أدبية منها الرواية التاريخية “قلعة ألموت” لليوغوسلافي فلاديمير باترول وكرر بعض معطياتها الكاتب اللبناني الفرانكوفوني نبيل معلوف في روايته “سمرقند”.
المأخذ الثاني هو اتكاء الباحث على عبارة ” بحسب شهادات أبناء تلك البلدان”، لتأكيد خطورة ما فعله الحكم العربي في البلدان المفتوحة – ونحن نتحدث عن سنوات وعقود الفتح الأولى – بدلا من أن يقدم لنا تلك الشهادات لأبناء تلك البلدان موثقة تاريخيا كما فعل مع غيرها من الشهادات التي أثبتت أن العرب لم يدمروا تمثال عملاق رودوس و لم يحرقوا مكتبة الاسكندرية إلا لماما ومرة أو مرتين وفي سياق حديثه عن موضوع آخر بما يجعل كلامه هنا أقرب إلى محاولة استباقية وعديمة الجدوى علميا لأي نقد متوقع لكتابه بأنه منحاز إلى روايات الغالبين أي العرب وكان عليه هنا مثلا وتحديدا أن يخصص فصلا بل فصولا لشهادات أبناء البلدان المفتوحة ويناقشها بصبر وعمق ودراية وتوثيق شهاداتهم ومصادرها. أرجو أن يكون واضحا أنني لا أريد إثبات عكس مضمون ما قاله الباحث، فالغزو غزو، والحروب حروب، وفيها من المآسي والفظائع ما يمكن تصوره وما لا يمكن، وما يمكن افتراضه وما لا يمكن، فلا العرب ولا سواهم من فاتحين وغزاة كانوا ملائكة بأجنحة بيضاء، ولا أبناء البلدان المفتوحة ما يزالون معاصرين فنتأكد من حقيقة واقعهم وشهاداتهم، إنما كان الجميع، الغزاةُ والمغزوون، بشراً يعيشون ظروفا مجتمعية وتاريخية وحضارية معينة، و إنما أردتُ التأشير على الخلل المنهجي في المقطع الأخير لمؤلف هذا الكتاب الذي يبقى عملاً مهماً و نادراً في ميدانه. وربما يكون الباحث قد صحح لاحقا هذا الخلل جزئيا حين جاء ببعض الأمثلة على تجاوزات الحكام العرب المسلمين في عصور لاحقة بدءاً من العصر المضطرب والذي انتقل الحكم فيه من الأسرة السفيانية إلى المروانية في دمشق إبان العهد الأموي.
رابط لتحميل نسخة بي دي أف من الكتاب:
https://ia801006.us.archive.org/19/items/Ketab0531/ketab0531.pdf