عناصر القوة في الحل التوافقي لأزمة الرئاسة في كردستان
عبدالغني علي يحيى
تراجع حكم القانون مرتين في كردستان العراق، عام 1991 عندما انهارت مؤسسات الدولة العراقية فيها جراء الانتفاضة الجماهيرية وعام 2003 اثر انهيار مؤسسات الدولة في المناطق الكردستانية المحتلة. وإذ يتراجع القانون في أي بلد، فان التوافقات والتقاليد والاعراف الاجتماعية وغيرها تحل محل القانون في تنظيم أمور الأمم والبلدان. ويبدو ان الحزب الديمقراطي الكردستاني وقائده البارزاني كانا مدركين لهذه الحقيقة عندما شاركا الاتحاد الوطني الكردستاني في ادارة الحكم مناصفة عام 1992 رغم تقدمه على الأخير بمقعدين في الانتخابات البرلمانية في ذلك العام.
ومنذ ذلك العام ونتيجة لتقهقر حكم القانون فأن كردستان تدار وفق مبدأ التوافق الذي برهن على أنه سلاح مجرب لتحقيق الأمن والأستقرار والتقدم في كردستان، ناهيكم من أن العمل بمبدأ التوافق في كردستان لا يشكل سابقة، فلقد سبقتها بلدان في العمل به وما يزال، مثل هولندا والنمسا وبلجيكا وسويسرا، وبلدان أخرى في أسيا مثل ماليزيا، وكما نعلم فان البلدان تلك متقدمة وديمقراطية، وحتى في النظم البرلمانية فان المبدأ ذاك يطبق وبأشكال متباينة عند بروز الاشكالات.
وهكذا يعد التوافق (سازان) باللغة الكردية في كردستان احد الاسباب والرئيسية في تثبيت الأمن وتحسن الاحوال المعيشية للمواطنين فضلاً عن التطور في مختلف المجالات، وفي ثبات البيشمركة واحرازها للانتصارات على داعش.
وعلى وزن الاتحاد قوة فأن التوافق قوة، ومن عناصر القوة قي التوافق الدعم اللامتناهي للرئيس مسعود البارزاني للتوافق والذي يتمتع بشخصية قوية عالمية بحق ومن اسرة نضالية يتجاوز كفاحها من أجل الكرد والكردستان القرن من الزمان وعزز التوافق انتخابه اكثر من مرة لرئاسة الاقليم. ولم يكن الرئيس جلال طالباني مخطئاً حين نادى من قبل سنوات ببقاء البارزاني رئيساً للأقليم مدى الحياة. لقد تقدمت كردستان وازدهرت في اجواء تواجد البارزاني وحزبه في الموقع الأمامي للسلطة منذ عام 1992 والى الآن.
ان بقاء البارزاني رئيساً للأقليم من مقومات نجاح التجربة الديمقراطية في كردستان وتقدم الاخيرة في المحافل الدولية ويتبين ان الشعب الكردي ادرك هذه الحقيقة، ففي استفتاء المؤسسة NRT الاعلامية صوت اكثر من 85% من اهالي كردستان تأييداً للبارزاني وذهب المذهب نفسه مجلس شورى اقليم كردستان وهو مؤسسة قانونية لما دعا الى تمديد ولاية البارزاني رداً على رسالتين، تلقاهما من رئاسة اقليم كردستان والبرلمان الكردستاني. ان لمبدأ التوافق المعمول بها في كردستان، أنصار اقوياء على الصعيد الدولي، ففي حضورهم جوانب لاجتماعات القوى الكردستانية لحل مشكلة أزمة الرئاسة في الأقليم فأن مندوبي الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والأمم المتحدة اشاروا الى ضرورة تمديد ولاية البارزاني علماً ان الاطراف تلك ومعها فرنسا ايضاً، تريد الخير لكردستان وشعبها، وان الكيان القومي الكردي الديمقراطي ظهر بفضل حماية أمريكا وبريطانيا وفرنسا وتركيا لشعب الكردي ضمن خط العرض الـ 36. لذا ما كان على الاطراف الكردية المتمسكة بالحل البرلماني لانتخاب رئيس الأقليم رفض مطلب اخلص اصدقاء الشعب الكردي. ان الوجه الآخر لرفضهم يعني ان القوى الدولية هي مع التوافق والبارزاني وليس مع معارضيهما، ويوم عمل البارزاني والطالباني في 17 ايلول عام 1998 بالوساطة الأمريكية لحل الخلاف بينهما فأن كردستان ربحت الكثير، وكان على المعارضين لتولى البارزاني ولاية اخرى، أن يستفيدوا من تلك التجربة ويعملوا من أجل تمديد تلك الولاية، ليكونوا عند حسن ظن اصدقاء الكرد بهم.
عدا ذلك، فأنه على امتداد الشهور الماضية فأن دائرة المنادين بالتوافق وتأييد ولاية جديدة للبارزاني تتسع باستمرار. على سبيل المثال دعم المئات والالاف من الكتاب والمثقفين الكرد للتوافق والبارزاني من خلال تواقيع لهم نصت على ذلك واجتماع حاشد لهم في قاعة بيشوا باربيل، اضافة الى اسماء لامعة دعت الى تمديد الولاية والتمسك بالتوافق تنتمي الى اتجاهات سياسية مختلفة. ومن عناصر القوة في التوافق وتأييد البارزاني، تأييد المكونات القومية والدينية مثل التركمان والمسيحيين وغيرهم للبارزاني، ومن عناصر القوة في التوافق ايضاً فشل خصوم التوافق والبارزاني في تحقيق النصاب القانوني داخل البرلمان لعقد اجتماع استثنائي له وكانت النتيجة 58 برلمانياً مع التوافق و 53 برلمانيا ضده وذلك من مجموع 111 برلمانيا يشغلون مقاعد البرلمان الكردستاني.