أما قبل :
فإن المتأمل ، اليوم ، للوضع الاعتبار للقص ، تنتابه بعض التساؤلات حول هويته مصيره وعلاقته بباقي الأجناس الأدبية الأخرى … بدءا بهوية اللحظة التاريخية التي يمر بها اليوم . فهل فعلا خبا نجم القصة ، وبمختلف أشكالها ، لأنها فقدت مبررات الوجود ؟ أم لأنها لم تعد فنا متميزا باستقلاله التجنيسي ، ورؤيته المتفردة التي يعجز كل فن آخر عن القيام بها ؟ أيعود ذلك إلى قصور المقاربة الكلاسيكية ، ” التي تتخذ ، آن مقاربتها للنص ، وضعية ما ، تقوم من خلالها برصد ما يميز أو يعيب النص سواء في متنه أو في مضمونه ، ولعل ما يميز الدرس التقليدي هو ذلك الإسقاط الخارجي الذي يمارس على النص ” (1) مما جعلها تفقد قدرتها على توصيف ” الخطاب الجديد ” الذي نشأ تبعا للتحولات التي شهدتها الحياة المعاصرة ؟ أم إلى عجز شعرية القصة على مسايرة الذائقة الأدبية …؟
حول الشعرية :
تجدر الإشارة إلى أننا لا نقصد ، في هذه المقاربة ، حول شعرية القص ، الشعريةَ بوصفها أسلوبا للتعبير أو التصوير حيث ” يضطلع النص السردي بجماليات الواقع ( …) التي تسهم في إثرائه من خلال شعرية (2) الواقع ” ، أسلوبا تستمد القصة أصوله من حرم الشعر … بل باعتبارها إحدى الآليات التي تسعى إلى اكتشاف وكشف الأسس الهيكلية لهذا النوع الأدبي أو ذاك ، وكيف يحقق وظيفتيه الاتصالية والجمالية ، أي البحث في قوانين الإبداع الفني في كل الأجناس الأدبية .. لأنها ترتبط بفضاء النص لا بخارجه ، بحثا عن أدبيته ، فهي لا تحاول تسمية المعنى ، وتَتًبع مسارب الدلالة كما تفعل المقاربة السيميولوجية ، بل إلى معرفة القوانين العامة التي تنظم ولادة كل عمل أدبي . لذا فكل ما يعتري الخطاب الأدبي من تحول ، تبعا للظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية … لا بد أن يمس أدبيات الشعرية ، لأنها تستنتج قوانين النص من النص ذاته . إنها نوع من ” الميتالوغة ” . فهي ليست بحثا في المعنى أو الدلالة ولا حتى في الأساليب البلاغية .. يقول تودوروف : ” ليس العمل العمل الأدبي في ذاته هو موضوع الشعرية ، فما نستنطقه هو خصائص هذا الخطاب النوعي الذي هو الخطاب الأدبي “. ( 3 ) . وإذا كانت الشعرية استقصاء للقوانين العامة للأعمال الأدبية ، فإن المقاربة السيميولوجية للخطاب ( 4 ) ، تعد أقرب المناهج إلى الشعرية ، بوصفها تعتمد رؤية حديثة في توصيف العمل الأدبي ، والوقوف على كيفية إنتاجيته ، قصد استكشاف الأبعاد الجمالية الكامنة وراء كل تجربة إنسانية متميزة في المجال الأدبي … كما سيأتي مع شعرية الانفتاح . حول القص : فمبدئيا كل الأجناس والأنواع تتعرض للتحول والتغير تبعا لظروف الحياة … ذلك” أن النظريات التركيبية تمنح لأحداث اللغة أهمية أولى ، ولكنها تنسى في أغلب الأحيان تأثير الأنواع حيث تندرج أحداث هذه اللغة ” ( 5 ) ، لأن أزمة أي فن تنشأ حين تبدو عليه إرهاصات التراجع والتدهور نتيجة تحولات حادة وصادمة أحيانا ، تطرح تساؤلات حول جدواه في الحياة ، كما حدث للقصة حين ظهور التيكنولوجية الحديثة بكل أطيافها …فكما هو متعارف عليه في أدبيات الإنتاج الأدبي ، فإن القصة في العالم العربي ، قد مرت بثلاث مراحل كبرى : ــ أولها مرحلة التأسيس ، احتكاكا بالأدبيات الغربية ، وارتباطا بأصول التراث العربي ، حيث تم العمل على بلورة نوع من خصوصيات الإنتاج . ــ ثانيها : مرحلة النضج والإبداع جعلت من القصة فنا راسخا … اعتبرت مرحلة المتعة الفنية ودورها في الحياة .. ــ ثالثها مرحلة محاولة امتلاك أسس هذا النوع من الفن … فخلال هذه المرحلة ظلت القصة محافظة على شعريتها الكلاسيكية المتمثلة في : بداية ….. وسط …… نهاية .. حيث التمهيد يليه تأزم الموقف أو ظهور مشكلة ما ، فيعمل الوسط على بلورت حدث بسيط ، تنجزه شخصية بسيطة ، يتخذ مسارا خطيا ، ثم يتطور حتى يبلغ ذروته ، مستغرقا بذلك بساطة الحبكة والحبك ، لتأتي النهاية كلحظة تنوير أو حل لإشكالية المقدمة … ومن ثمة يصبح تأزم النهاية أو حلها قد تم التأشير عليه في معطيات البداية … فرغم تنويع الأساليب ، تبعا للحس الفني لكل قاص ، واختلاف أنماط السرد ، وكذا تعدد التيمات ، فإن اللغة المباشرة ظلت تحكم تشكيل الشخصية عبر آلية التقرير مع احتشام في توظيف العرض والتمثيل … لذلك اعتبرت القصة الكلاسيكية حكايةً مغلقة ، ذات نواة مركزية تنميها سيرورة الحدث … وفي هذه المقاربة سأحاول ، في استجلاء ثوابت شعرية الانغلاق ، التركيز على علمين في القص المعاصر ، هما نجيب محفوظ ، من خلال مجموعته القصصية ( قصص قصيرة ) أ ، وعلي الطهطاوي عبر مجموعته : ( قصص من الحياة ) ب. أما شعرية الانفتاح ، فسيتم التحادث مع عملي كل من القاص حيدر حيدر والقاص المغربي نجيب الخالدي من خلال أضمومة الأول : ( الوعول ) ج ، والثاني : ( رشفات الوجع ) د . ــ شعرية الانغلاق : ــ نجيب محفوظ ” الصعود إلى القمر ” : فنجيب محفوظ الذي يعد من رواد القصة ، تعتبر قصته ” الصعود إلى القمر ” ‘ التي استهل بها هذه المجموعة تمثيلا بنيويا لشعرية الانغلاق الكلاسيكية ، ونموذجا إنتاجي لباقي قصص المجموعة ، وإن اختلفت الظواهر الإنسانية التي يعالجها .. ففي هذه القصة طرح للتوتر والصراع الذي كان قائما بين الأصالة والمعاصرة ، الأنا والآخر ، حيث يتحسر السارد … في البداية ، على استبعاد دور التراث من الحياة المعاصرة … يقول السارد : ” تم الهدم وبقيت الأنقاض . تجلت أرض البيت القديم مساحة مربعة في الفضاء ، خالية من أي معنى وبلا رموز ” . ووسط يطرح مواجهة حادة بين رموز الأصالة وإغراءات المعاصرة من خلال حوار بين السارد والمهندس العصري : وقلت للمهندس وهو صديقي أيضا : ـ انظر كم هو صغير . فقال وهو يتأملها متفكرا : ـ كان فيها الكفاية لإيواء أسرة ما شاء الله كبيرة . ( …) قلت لك أنني لا أفكر في ذلك . ــ ولكن ما تفكر فيه خيال خارق ، إليك مشروعا طريفا ومفيدا ، أن يبنى مشربا لبيع العصائر والحلوى ( …) ـ فكرة طيبة ولكنني لم أقصد إلا تنفيذ ما في رأسي . ـ إنه خيال أشبه باللعب . ـ فقلت في إصرار : أريد أن أعيد البيت القديم كما كان أول مرة دون تغيير ، حاذفا بذلك الزمن من الوجود (…) ما أريد إلا أن يرجع البيت إلى أصله . ـ تم كل شيء كما تريد أرجو ألا تندم . أما النهاية فهي ، طبعا ، تنتصر لمعطيات البداية : ” وصحت فيمن يرافقني ” انظر ” وأشرت إلى لون المساء الهابط على الحي من خلف القباب والمآذن . وطلع البدر في خيلاء من وراء البيوت العتيقة ، فتطلعت إليه في شغف . ” فكل الوحدات السردية التي تم توظيفها ، سواء على مستوى البداية أو الوسط والنهاية ، تعتمد كل منها على مؤول مباشر ” لأن عناصر تأويله ليست سوى ما هو معطى داخل العلامة بشكل مباشر ” ( 6 ) ، و لها إحالة مرجعية ترتبط تارة بالأصالة ( ــ الأنقاض ـ البيت القديم ـ البيت العتيق البدر الطالع )وأخرى بالمعاصرة … ( ـ المهندس ـ المشرب ـ العصائر ـ الحلوى ـ… ) . ــ علي الطهطاوي ( قصص من الحياة ) : وكذلك هو الشأن بالنسبة لمجموعة علي الطهطاوي ( قصص من الحياة ) ، التي تركز بدورها على أحداث ذات أبعاد اجتماعية وسياسية وثقافية … ، محافظة بذلك على نسق شعرية الانغلاق كما في قصته ‘ اليتيمان ‘ التي تتناول حياة يتيمين فقدا أمهما ، فدمرت حياتهما قساوة الأب وغطرسة زوجته …. فكما أشرت البداية ، في هذه القصة ، على إرهاصات ضياع حياة الطفلين ، فإن ذلك سيحدث فعلا في نهايتها . يقول السارد في مستهل القصة …. في البداية : ” أَحسّ أنه لم يفهم شيئا مما يقرأ وأن عينيه تبصران الحروف وتريان الكلم ، ولكن عقله لا يدرك معناها . إنه لا يفكر في الدرس ، إنما يفكر في هذه المجرمة وما جرّت عليه من نكد وكيف نغصت حياته وحياة أخته المسكينة وجعلتها جحيما متسعرا . ” وبعد استعراض الوسط لأحداث درامية تعرض لها الطفلان في صراع مع الأب وزوجته … يتم صوغ للنهاية كنتيجة للبداية أيضا : ” وقرأ الناس في ضحى الغد إن العسس وجدوا في المقبرة طفلة هزيلة في السادسة من عمرها ، وولدا في الرابعة عشرة ، وقد حملا إلى المستشفى ، لأن البنت مشرفة على الموت ( …) أما الغلام فهو يهدي في حمّاه ، يذكر الامتحان والدفتر الأسود وأمه التي تناديه … والمرأة التي تشبه الأفعى .” فكل العلامات ، هنا ، بدورها تعتمد الإحالة المباشرة بين الدال والمدلول مع التركيز على درامية الحدث قصد التأثير في أفق انتظار المتلقي . ــ شعرية انفتاح العوالم : ــ غير أننا نمر ، حاليا ، بمرحلة رابعة ، وإن تعددت فيها أنماط القص ( قصة ــ قصة قصيرة ــ قصة قصيرة جدا ــ ..) تدعو إلى تساؤلات حول ماهية القص ودوره في عالم يتسم بالسيولة الزمنية ، وتهيمن عليه وسائل اتصال واسعة متعددة ومعقدة … و من المفارقة ، أن نلمس في هذه المرحلة نكوصا في الإنتاج القصصي ، بينما تعد فضاء قصصيا بامتياز ، لأنها مرحلة عالم الحالات والتحولات ، والانكسارات ، وتمزق الهويات والجماعات ، عالم عزلة الفرد وإن تعددت وتنوعت فيه وسائل الاتصال وسبله وكلها من الأمور الأساس في تخصيب مسارات تحبيك الرؤية . إذن فالظروف التي أنتجت القص لا زالت مستمرة وبشكل أكثر حدة … ومن الغريب ألا تحدث تحولات في مسار تلقي شعرية القص انسجاما مع صيرورة الواقع … وكذا في الذائقة الأدبية ، لأن ” النص الأدبي لم يعد مجرد واحة يلقي القاريء بجسده المترهل على عشبها طلبا للراحة والاسترخاء ” ( 7 ) ، بل تحول إلى آلة كسولة على حد تعبير أمبيرطو إيكو ..تستفز أفق القاريء … لذلك كان لا بد أن تتغير مجموع التوقعات التي ينتظرها المتلقي ، بانبثاق إرهاصات شعرية جديدة لما أصاب أنماط الإنتاج القصصي من حالات القلق والتردد استفزازا لفضول القارئ ، وتحديا لمغامراته عبر تجارب إنسانية حديثة تتغذى على التحولات التي شهدتها الحياة المعاصرة ، فتغيرت معايير و قواعد التعامل مع هذا الفن ..حيث ظهرت تجارب قصصية على مسار الوطن العربي ، تحاول ارتهان المرحلة … فلم تعد اللغة تتسم بالوضوح بين الدال والمدلول ، وغابت الإحالة المباشرة بينهما ، وأربكت المقدمة المتلقي وكذا النهاية ، مع انفتاح عوالم الوسط ، وأصبح للعلامة السيميولوجية دورا أساسا في إنتاج الدلالة ، بحكم هيمنة عصر الصورة ، معتمدة على حركية التأويل ، بعد ما كان مباشرا . لأن القص الحديث بمختلف أنماطه يلفه الغموض والنقص ولجوء القاص إلى دينامية الفراغات و تمنع الفجوات ….أصبحت سيرورةُ الحبكة تقول عبر مسافة الصمت والخفاء … اعتمادا على علاقات التجاور ، والإيجاز وتكثيف الخيال ، تحاول الإمساك باللحظة العابرة التي تؤطر أي ظاهرة إنسانية عبر سيرورة الحدث …. تبلور أسئلة ولا تقدم إجابات مستفزة ذائقة المتلقي .. حيدر حيدر / الوعول : كما هو شأن المجموعة القصصية ” الوعول “لحيدر حيدر ، التي تصدم بداياتُها المتلقي بحبكتها الشاعرية عبر تكثيفها للعلاقة بين الدال والمدلول ، تحولت على إثرها العلامة اللسانية إلى علامة سيميولوجية ، تعتمد في الإحالة وإنتاج الدلالة على معايير جديدة من خلال علاقات التجاور وكذا مسافة التناص ..متجاوزة بذلك معايير شعرية الانغلاق . ” لأن شعرية ‘ العمل المفتوح ‘ كما يقول بوسور تحاول أن تعطي أهمية ل ‘ أفعال الحرية الواعية عبر المؤول ، وأن تجعل منه المركز الفعال لشبكة من العلاقات لا تنتهي ” ( 8 ). يقول السارد في بداية قصة ” الوعول ” التي تعنون المجموعة : ” وأرى في المنام أني أذبحك . وبخروج الدم يخرج ألمي ، يتسع صدري للرياح . الآن أستطيع تمثل الأكسجين في دمي المغتسل بدمك . والآن تموتين كما يحق لعاشقة خانت أن تموت ” ص 7 . فهذه الوحدات السردية…( الدم / الألم ) ( الرياح / الأكسجين ) … العاشقة ؟؟؟ سيكون لها دور كبير على مستوى تلاحم الخطاب وانسجامه ، لأن ” الملفوظ من هذا النوع ــ وكيف ما كان شكله اللساني ــ يؤسس وظيفة ، إذن ، أو وحدة ًسردية ” (9)، فقد تحولت إلى علامات محملة بالدلالة ، تنفتح على عوالم ممكنة عبر الرؤيا والتناص من ناحية ، وبنية التجاور من ناحية أخرى ” تعتبر عنصرا داخل سيرورة دلالية ( 10 ) . تتماهى دلالتها بين صور عدة ، حسب تطور مسارات الحدث عبر بنية الوسط حيث تم التخلي عن علاقة السببية والتسلسل المنطقي لصالح التجاوز والتقابل مع استغلال عنصري التمثيل والتصوير . يقول السارد بعد تنويع مسارات الأحداث والفضاءات وتحولات الأزمنة : ” تموتين إذن أتحرر (…) ها أنذا أعود إلى أصلي الأول : الطبيعة … تعودين إلى أصلك المشرحة .. ” ص 47 . أما الخاتمة ، فإنها تتحول بداية للنهاية ، باستفزازها لأفق انتظار المتلقي ، دافعة به إلى حالة من اللاستقرار وعدم اليقين .. لا تقدم لا أجابة .. ولا تنويرا أو تعليلا ، بل تتركه أسير الحلم وبنية الترميز ، كما البداية ، من خلال انفتاح الدلالة مرة أخرى ، مورطة المتلقي في اللعبة السردية مع الإمساك ، طبعا ، برحم الرؤيا الذي يعضد مسار الدلالة ، حفاظا على انسجام الخطاب . يقول السارد : ” كان هناك خلل ما في بوصلة التوجه أو خطأ في تركيب الدم أودى إلى هذه الصدمة . آه . لا بدأن المشهد كله كان عاريا وفاجعيا ورمزيا بما فيه الكفاية ” ص 65 . أما القاص المغربي نجيب الخالدي ، في مجموعته القصصية ” رشفات الوجع ” ، فإنه يربك أفق انتظار المتلقي حين يعمد إلى الرسم بالكلمات مشاهد الحالات و التحولات في مسار الأحداث عبر انفتاح مزدوج للبداية والنهاية ، في حين يتكفل الوسط بتصوير شرائح العوالم الممكنة ، التي تؤثثها شخوص تتماهى بدورها بين الإمكان والخيال ، مع تنويع في أساليب الصياغة السردية ، وتشكيل علاقات الأبعاد التصويرية من خلال توظيفه ، لعلامات تعتمد على تعدد المؤول الديناميكي لأنه ” ــ في حالة النص الإبداعي ــ ، هو منطلق أي تحليل ، ولكي تؤول عليك أن تعيد صياغة العلاقات ” ( 11 ) ، حيث الاشتغال في إنتاج الدلالة على علاقات التجاور وسيرورة التوتر Fréquence . ( 12 ) . يقول السارد من خلال قصة ــ ” صمت وظلماء ” التي تتصدر الأضمومة : ” باللعاب يغرق فمها ، تبلعه بهذا المذاق اللذيذ بنكهة الحلوى التي تحييها عن بعد أو عن قلب ، كلما سارت بهذا الطريق التي تسلكه يوميا …” فالوحدات السردية التالية : اللعاب ــ تغييب هوية الشخصية عبر ضمير الغائب ــ المذاق ــ الحلوى ــ الطريق … البعد والقرب ــ يوميا ..تتحول إلى علامات ، تولد دلالات منفتحة ، عبر علاقات التجاور والتكثيف ، وإيقاعات الصمت التي تحيل على عوالم الحس ، والرؤية الطفولية لذات مكلومة .. تعاني في صمت .. تعيش على خيال رغبات مكبوتة .. قد تأتي ولا تأتي … رغبات سيعمل الوسط على تأجيج حدتها من خلال علاقات هذه الطفلة بمحيطها ، ــ البيت ــ المدرسة ــ الشارع ــ خاصة والدها المستهتر . أما النهاية ، فعوض أن تقدم إجابات أو حلول لعوالم الطفولة المأزومة … ، فإنها تنفتح على الآتي مقابل استمرار تأزم الحاضر … يقول السارد : ” تُخرج من القفة محتوياتها ترتبها على الملاءة ، يغرق فمها باللعاب تبلعه … تردد : ـ حلواى لا بد لي أن أشتريك …. ” . ففي هذا السرد ، إذن ، سيظل صراع التحدي متواصلا … وستزداد عوالم التوتر انفتاحا ، لتنشيط خيال المتلقي ، وتحريك ذاكرته في تساوق مع ذاكرة النص …. فلو تم تلقي هذين العملين ( الوعول / صمت وظلماء ) ، من منظور شعرية الانغلاق ، لانتهى الحدث ، في هذه الأزمة الإنسانية ، إما بحل أو تنوير أو عظة … فقد تغيرت ، إذن ، الذائقة الأدبية ، لا على مستوى الإنتاج أو مستوى التلقي ، تبعا للتحولات التي شهدها العالم المعاصر … لكن شعرية الانغلاق ظلت ، في العمق ، تهيمن على عملية التواصل مع أغلب الإنتاجات القصصية ، مما ساهم في اتساع هوة التواصل بين الإنتاج والتلقي ….
السرد :
أ ــ قصص قصيرة : نجيب محفوظ ،
ب ــ قصص من الحياة : علي الطهطاوي ،
ج ــ الوعول : حيدر حيدر ،
د ــ رشفات الوجع : نجيب الخالدي ،
إحالات :
1 ــ أ. عبد الحكيم سليمان المالكي : القصة القصيرة جدا والمدخل السردي . ، مجلة شمالجنوب العدد 6 ديسمبر 2015 .
2 ــ د. حسن المناصرة : القصة القصيرة جدا رؤى وجماليات ، طبعة أولى ، 2015 : ص 22 .
3 ــ تودوروف
4- Jean fontanille : sémiotique du discours . 2 edition 2003 mars P : 21
5 – Syloie Freyermuth : un genre peut en cacher un autre . une histoire de detournement : universite du Luxembourg page 173
6 ــ سعيد بنكراد :السيميائيات والتأويل . مدخل إلى سيميائيات ش . س . بيرس ، المركز الثقافي القومي ص 94 .
7 ــ د فوزي عيسى : النص الشعري وآليات القراءة ، دار المعارف الجامعية ،ص :7 .
8 ــ أمبيرطو إيكو : الأثر المفتوح : ترجمة : عبد الرحمن بو علي ،دار الحوار للنشر ولتوزيع ، ص : 17. .
9 – Roland Barths : communication 8 . introduction à l’analyse structurale des Récits . p : 7 .
10 ــ أمبيرطو إيكو :العلامة تحليل المفهوم وتاريخه . ترجمة : سعيد بنكراد . المركز الثقافي القومي .ط .أولى 2007 . ص : 51 .
11 ــ سعيد بنكراد : مرجع سابق ص : 88 .
12ــ جيرار جينيت : عودة إلى خطاب الحكاية . تر : محمد معتصم ، ط : أولى 2000 . المركز القومي الثقافي ، ص : 45
شعرية القص … بين انغلاق الدلالة وانفتاح العوالم
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا