زمن الحرية
هادي جلو مرعي
للعراق تاريخ حافل بالثورات والتمرد واليأس والفشل والرغبة في التغيير، ومذ وجدت هذه الشعوب على أرض الرافدين كانت تقاوم الطغاة الحاكمين والمحتلين الطامعين الراغبين بنهب الثروات وإستعباد الناس وتهميشهم، فكانت هوية هذا الوطن أن يقاوم وأن يعلن الرفض ويتحدى الجبروت، بينما الفشل والخراب فهما عنوان للحالكم المستبد الطامع بالبقاء في السلطة والمستفيد منها بتحالفه مع مجموعة منحطة مارقة فاسدة تبحث عن الشهوات وتتجاهل حاجات الناس، وبينما يعلو شأن الحاكم وتنادي بإسمه الناس وتهتف الجموع يكون الشعب محاصرا بالخوف والجوع والشعور باليأس ويتكاثر المتسولون في الشوارع وتنهار البنى التحتية ويخرب الإقتصاد ويتردى ويتراجع ولايعود من طموح سوى في الحصول على العيش المستقر الآمن بأي ثمن، بينما تنتهي الطموحات الكبرى، ولايعود للثقافة من حضور وللإنسان من تميز ونهضة وحراك فاعل وواع، وتصير الأمور كلها الى حوزة السلطان الجائر وحاشيته الفاسدة، وهذا هو تاريخ سجلته الأجيال ونقشته في الذاكرة تحفظه وتردده بحجم رغبتها بالتغيير ونفي ذلك السجل وماسجل من عذابات.
اليوم ينتفض الشعب العراقي مناديا بالإصلاح والنهضة الشاملة تقود حراكه مجموعات من الشباب الناهض الذي درس في الجامعات وتعلم الحياة خارج أقفاص الدكتاتورية التقليدية في مرحلة تغيير فوضوية منذ 2003 وحتى اللحظة، بينما قاتل كثير من الشبان في جبهات الحرب ضد داعش، وقاوموا الإرهاب الأعمى، وكانوا ضحاياه لمرات عديدة فتعودوا الصبر وفهموا اللعبة، ولم تعد تنطل عليهم الحيل ولاينصاعون لرأي فاسد أو مسؤول يريد لمطامحه أن تترسخ وتتأكد، بينما يعيش الشباب وفئات المجتمع الأخرى في الفقر والبطالة والضياع والخسران.
لابد من تحقيق المطالب المشروعة كافة، فقد عبر العراقيون عن شجاعة منقطعة وحضور وجداني وضمير حي ووجود لايموت رغم كل المشاكل والتحديات والمعاناة، وأثبت الناس في الشوارع إنهم أقوى من السلطة وأقوى من المفسدين حتى لو إتحدوا ولن ينفع معهم الإحتيال السياسي والإصلاحات الجزئية والحلول الترقيعية، بل لابد من إستجابة شاملة وإقرار بحق الناس في التعبير عن مشاعرهم ومطالبهم دون خوف من أحد مهما كان إنتماؤه السياسي والديني والمذهبي، ومهما كان نفوذه وهيمنته وفساده ، فهذا زمن الحرية والإنتصار لها.