تستمر حكومة نوري المالكي بإجراءاتها التعسفية ذات النفس الطائفي والإقصائي، ضد شريحة واسعة من أبناء الشعب العراقي، فقد إتخذت خلال الأسبوعين الأخيرين إجرائين خطيرين، الأول: قيام وزير التعليم العالي علي الأديب وهو من قياديي حزب الدعوة مدعوما من
رئيسه نوري المالكي، بإصدار أوامر بطرد حوالي 700 شخص مابين أستاذ جامعي وموظف جامعي من المحافظات السنية، بذريعة خضوعهم لقانون المساءلة والعدالة (إجتثاث البعث سابقاً الذي ابتدعه بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي مع قرار حل الجيش العراقي السابق عام 2003)، ومن بينهم حوالي 200 من جامعة تكريت بمحافظة صلاح الدين، مما أثار نقمة شعبية عارمة في تلك المحافظات، فضلا عن قرار المالكي بإعتقال عدد كبير من البعثيين السابقين وضباط الجيش العراقي السابق بحجة أنهم يخططون لإنقلاب ضده مع إنسحاب الجيش الأمريكي من العراق، وتم نقل المعتقلين من سائر المحافظات السنية إلى معتقلات بغداد بأوامر من المالكي وبدون أوامر قضائية. وبناء على هذه التداعيات فقد صوَّت مجلس محافظة صلاح الدين، معقل الرئيس الراحل، بغالبية أعضائه على تحويل المحافظة إلى (إقليم مستقل) اقتصادياً وإدارياً، وسط تكهنات بأن يسفر عن ذلك أزمات سياسية، وقد تلحقها محافظات أخرى باتخاذ ذات الإجراء تحت نفس الدواعي، والإقليم هو ضمانة لأمن وكرامة المحافظة وإستقلالها في إدارة شؤونها دون أن يكون إنفصالا ولا تقسيما للعراق كما يروج المروجون.
ومن الناحية القانونية، وبموجب الدستور المشرع عام 2005 يعتبر انشاء الاقاليم في العراق اجراءاً دستورياً نصت عليه مواد عدة في الدستور. فقد جاء في المادة 116 منه “يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمةٍ واقاليم ومحافظاتٍ لا مركزيةٍ واداراتٍ محلية”.. فيما نصت المادة 117 على: “اولاً: يقر هذا الدستور، عند نفاذه، اقليم كردستان وسلطاته القائمة، اقليماً اتحادياً. ثانياً: يقر هذا الدستور، الاقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لاحكامه”. أما المادة 118 فقد جاء فيها “يسن مجلس النواب في مدةٍ لا تتجاوز ستة اشهر من تاريخ اول جلسةٍ له، قانوناً يحدد الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم، بالاغلبية البسيطة للاعضاء الحاضرين”.. بينما قالت المادة 119 “يحق لكل محافظةٍ أو أكثر، تكوين اقليمٍ بناءاً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقتين: أولا: طلبٍ من ثلث الاعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم، وثانياً: طلبٍ من عُشُر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم. كما جاء في المادة 120 “يقوم الاقليم بوضع دستورٍ له، يُحدد هيكل سلطات الاقليم، وصلاحياته، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، على أن لايتعارض مع هذا الدستور”.. وجاء في المادة 121: “أولاً: لسلطات الاقاليم، الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقاً لاحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصاتٍ حصرية للسلطات الاتحادية. ثانياً: يحق لسلطة الاقليم، تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الاقليم، في حالة وجود تناقض او تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم، بخصوص مسألةٍ لاتدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية. ثالثاً: تخصص للاقاليم والمحافظات حصةٌ عادلة من الايرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الاخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها. رابعاً: تؤسس مكاتبٌ للاقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية، لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية. خامسا: تختص حكومة الاقليم بكل ما تتطلبه ادارة الاقليم، وبوجهٍ خاص انشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي للاقليم، كالشرطة والأمن وحرس الاقليم”.
وتبلغ مساحة محافظة صلاح الدين (175 كم شمال غرب بغداد) وعاصمتها تكريت حوالي 39680 كيلومترا مربعا من مساحة العراق البالغة 434128 كيلومترا مربعا وعدد مليون وربع المليون نسمة من مجموع سكان البلاد البلغ 31 مليونا.
وسبق أن تعالت أصوات من محافظات عراقية مماثلة، وبالأخص المحافظات السُنية (الموصل، الأنبار، ديالى)، تنادي لإعلانها (أقاليم)، لغرض التخلص من سطوة وتعسف السلطة المركزية، التي تتحكم بها حكومة طائفية أقصائية، لاتراعي مشاعر وأحاسيس مواطني تلك المحافظات، وتمعن في التهميش والتمييز ضدهم.
وبصدد حملة الاعتقالات التي شملت المئات من ضباط الجيش السابق ومن البعثيين السابقين، فقد صدرت تلميحات إعلامية عن أن نظام بشار الأسد في مبادرة لإثبات حسن النية والإمتنان من موقف المالكي المساند لنظام بشار القمعي، بدوافع إيرانية معلومة!!، كان قد سرب معلومات إلى نوري المالكي بوجود خطة بعثية عراقية للقيام بإنقلاب مسلح يطيح بحكومة المالكي عقب إنسحاب القوات الامريكية نهاية العام الحالي، وثمة تسريبات أخرى، منها ما نشرته صحيفة أمريكية، من أن مبعوث المجلس الانتقالي الليبي محمود جبريل نقل الى المالكي معلومات بشأن مخطط بعثي لإسقاط العملية السياسية توجد جذوره في طرابلس. وقالت المصادر، ان هذه المعلومات نقلها جبريل الى بغداد خلال الزيارة الاخيرة له مطلع الشهر الحالي.
تسع سنوات مرت على الإحتلال، وثلاثة انتخابات أجريت في ظل الإحتلال، وبحمايته، ومازال القابعون في “المنطقة الخضراء” يخافون من “أشباح” الماضي، التي تطاردهم في مضاجعهم مع قرب إنسحاب ولي النعمة المحتل الأمريكي، وهو صاحب الفضل في جلبهم للعراق وتنصيبهم على كراسي الحكم، والذي يحلوا للبعض منهم أن يسميه” جلاء” وكانهم هم من ارغم المحتل الامريكي على المغادرة، وهو الذي اتى بهم الى العراق بعد احتلاله ليحكمون وينهبون على هواهم . لقد فشل حكام العراق الجدد ايما فشل في ان يحكموا وكانت السنوات الماضية خير شاهد على ذلك انها فترة زمنية ليست بالقصيرة في حياة الشعوب وبناء الدول. فما الذي حققوه خلال تسع سنوات؟؟ لقد فشلوا في اقامة دولة حقيقية، مثلما فشلوا في ادارة الحكم وبات مع الاسف الشديد ينطبق عليهم ذلك القول الذي صدر عن المندوب السامي البريطاني قبيل تشكيل اول حكومة عراقية بعد عام 1921. حين قال” انكم لاتصلحون للسلطة بل ان موقعكم هو ان تكونوا خدما للسلطان”!!
قديما قالت العرب “آخر الدواء الكي” ويبدو أن المحافظات المهمشة والمقصية والمضطهدة سوف لن تجد خيارا لخلاصها من بطش المركز سوى اللجوء للكي وهو إعلان الأقاليم.. وكلنا أمل ودعاء أن لايشكل ذلك تجزأة للعراق وتقسيماً له، وقد رفع مواطنو محافظة صلاح الدين لافتات في تظاهرتهم يوم الجمعة (نعم للإقليم.. لا للتقسيم).. وما كنا نتمنى أن تضطر المحافظات لإعلان الأقاليم لولا اضغط الشديد والألم والقهر ومشاعر الإحباط من الظلم والإقصاء.. ونتذكر حين إبتدأت مطالبات الفيدراليات والأقاليم من المحافظات الشيعية عام 2004 بذريعة إنشاء إقليم شيعي كانت المحافظات السنية هي أول من أجهض تلك الدعوات في مهدها.. لكن ما ينال محافظات بعينها من ظلم وتهميش وإقصاء يجعلها تضطر مجبرة لا مخيرة على ولوج باب الإقليم كآخر علاج لآلام الإضطهاد والتعسف المركزي الطائفي..ومجبر أخاك لا بطراً!!!