جاءوا من المريخ…!!
سالم أسماعيل
مصطلح (عراق) شاع في أواخر العهد الساساني ما بين القرنين الخامس والسادس الميلاديين والمصطلح لم يطلق إلا على القسم الأوسط والجنوب من أراضي الدولة العراقية الحديثة. وفي عهد حضارات العراق من عهد سومر إلى العهد البابلي الحديث لم نجد تسمية العراق وإنما توجد تعبيرات وأسماء متعددة فقط أطلق أسم (بلاد سومر) على القسم الجنوبي و(بلاد أكد) على القسم الأوسط و(بلاد بابل) في العهد البابلي القديم وكذلك سمي العراق ب ( السواد ) من قبل العرب قبل الإسلام وكذلك بعده بقرون أما تعبير ( بلاد أشور) فلم يشمل وسط وجنوب العراق ، ويقال إن أسم العراق جاء من أسم المدينة السومرية ( أوروك – وركاء ) التي تقع آثارها بقرب الناصرية في جنوب العراق ولم يطلق هذا الاسم على البلاد كلها ، وهناك آراء أخرى بصدد أسم العراق لسنا هنا بصدد التطرق إليها وما تسمى اليوم بدولة العراق بحدودها الحالية والتي هي من نتائج الحرب العالمية الأولى 1914-1918 تعرضت في السابق إلى إحتلالين ( إيراني-تركي ) وبعدما أصبح العثمانيون (1299-1924) القوة الرائدة في العالم الإسلامي وأنتصر السلطان سليم الأول (1512-1520) على الصفويين في معركة جالديران سيطر العثمانيون على العراق 1514 ، وأصبح العراق تحت رحمة الجيش العثماني بولايتها (موصل-بغداد-بصرة) هذا الجيش الذي احتلنا باسم الإسلام أربعة قرون وكان شعاره : يا خير جيش .. يا خير عسكر أنت الشجاع .. في البحر فأظفر في اليد درع .. في اليد خنجر سر نحو الأعالي .. يا خير عسكر لو كان كل شيء .. في البحر ينصر فنحن ننادي .. الله أكبر الله أكبر .. الله أكبر وليكن جيشنا .. دوما مظفر وبدأت سلسلة من الاتفاقيات الحدودية بين المحتل القديم والمحتل الجديد ، بين العراق وإيران من اتفاقية أرضروم بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية عام 1847 باعتبار العراق جزءا من الدولة العثمانية ثم توصل الطرفان إلى بروتوكول آخر عام 1911 أقر في مادته الثالثة شرعية أتفاق أرضروم ، وحين تأسست الدولة العراقية الحديثة اتفق الطرفان العراقي والإيراني في معاهدة 1937 التي سميت بمعاهدة الحدود والصداقة وحل الخلافات إلا إن الخلافات الحدودية بين العراق وإيران ، قد ظهرت بقوة عام 1969 حين أعلنت إيران ومن جانب واحد إلغاءها لاتفاقية 1937 وتوترت العلاقات وأفضت إلى اتفاقية الجزائر سيئة الصيت عام 1975 واندلعت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 وتسبب على مدى السنوات الثماني التي استغرقتها في خسائر كبيرة جدا في الأرواح والأموال في البلدين والملاحظ في الاتفاقيات العراقية الإيرانية في ظل الاحتلال العثماني يتنازل الفرس “الإيرانيون” للعراق أو يقر دون غبن العراق أما في ظل الدولة العراقية الإيرانيون يجبرون العراق على التنازل في عقد الاتفاقيات من اتفاقية 1937 وصولا إلى اتفاقية 1975 وما يهم من كل هذا الطرح هو إن العراق تعرض للاحتلال الإيراني ثم للاحتلال العثماني فأصبح في العراق تابعيتين ، إيرانية وعثمانية ومن العجب والسخرية والغرابة إن التبعية الأولى لا يعتبر عراقيا أما التبعية الثانية يفتخر بتبعيته نتيجة لتوجهات النظام القائم بعد الحرب العالمية الأولى وبالذات نظام حكم بعد سنة 1968 فأستعمل هذا النظام التبعية الإيرانية فأخرج من بغداد عشرات الألوف من الكورد الفيليين إلى إيران وصادر ونهب ممتلكاتهم وألقى القبض على الكثير من شبانهم وقتلهم أو دفنهم أحياء وقدر عددهم بعشرة آلاف إلى عشرين ألف شاب مع إن إقامة الكورد في بغداد لم تحدث في عهد الدولة العراقية الحديثة بل إنها تعود إلى العهد العباسي ، منذ بنيت المدينة من قبل الخليفة العباسي منصور سنة 145ه -672م حيث إن البنائين وعمال البناء الكورد شاركوا في بنائها ، فقد قال المقدسي في أحسن التقاسيم بخصوص بنائها إن منصورا حشد الصناع والفعلة من الشام والموصل والجبل إي “بلاد الكورد” في بناء بغداد ونحن نعلم بأن منصورا بني مدينة وليس دارا نعلم حجم الكورد المشاركين في البناء لم يكن قليلا فالنظام عندنا يخرج أبناء الوطن إلى الخارج والعالم المتطور بعد عدد قليل من السنين يمنح الجنسية للمقيمين على أرضه وإن جاءوا من بلاد بعيدة وبعادات وتقاليد وأفكار غريبة عنهم وبعد كل هذا نبحث عن التطور والتقدم في الوقت الذي أنظمتنا الحاكمة تهين الإنسان في وطنه وترحله عنه بحجة التبعية وبعض الدول إلى الآن تطلق على فئات من رعاياها ( بدون ) إي إنهم بدون جنسية لربما جاءوا من (المريخ)!. إذا أردنا النجاح علينا أن نفكر ونعمل كما يفكر ويعمل الناجحون وإذا أردنا التطور فلا نتطور بالظلم وسلب الحقوق من المواطن بحجج وذرائع علينا أن نخجل ونحن نسوقها للبطش وظلم الآخرين . وعلينا أن نخجل حين لا ننصف من وقع عليه الظلم بالأمس.