الدکتور سامان سوراني
بما أن العلمانیة رؤیة کونیة تهیمن علی الإنسان أینما کان وتجرّد الكون من القداسة، فإنها تسطح الأرضیة للنهضة، أي للولادة.
وفي النهضة يتنور الإنسان ويتجاوز مرحلة الطفولة والإعتماد علی التفسير الغيبي وطلب العون من قوی ماورائیة، ليدخل بالتنوير مرحلة الرشد والنضج ويصبح قادراً علی القیادة وتولي أموره بنفسه.
هناك الیوم في العراق و لبنان نهضة جماهيرية جعلت من العصيان والسلم المدني سلاح لإستهداف تغيير الواقع المرير، بعد أن عاش الشعب في کلتا البلدين فترة مظلمة تسلّط فیها أحزاب الإسلام السياسي المسيئة بحکمها الفاسد لکل شيء مرتبط بالقیم والدولة والوطن والسلام والتقدم والأساس الديمقراطي وكذلك بالدين نفسه.
هذه الأحزاب التي مارست بأیدیولوجیاتها الشمولية أو الكُليَّانية السلطوية وفرضت عن طریق میلیشیاتها المسلحة علی شعوب المنطقة حکم الإستقالة من التفکير الحي الخلاق المبتكر.
نحن نعيش اليوم في زمن التطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية، التي لم تترك مجالاً في حياة البشر إلا وأثرت فيه بشكل إيجابي من خلال تسهيل الوصول إلى المعلومة ومراكمتها وتحليلها بدقة أكبر، الأمر الذي حول علم السياسة من علم نظري ضعيف إلى علم دقيق يستعمل لغة الرياضيات ومناهج التحليل.
السؤال هو، هل بإمکان منظّري أفکار العصور الوسطی وحاملي مناهج الثورات الدينية المنتهية صلاحیتها مواجهة تلك القوة السيبرانية القادرة علی الحصول على النتائج المرجوة من خلال استخدام مصادر المعلومات المرتبطة بالفضاء السيبراني وذلك لإيجاد مزايا للدولة والتأثير على الأحداث المتعلقة بالبيئات التشغيلية الأخرى عن طریق أدواتها السيبرانية؟
الشعوب المنتفضة المطالبة لحقوقها المشروعة في العيش بكرامة وحرية و أمان تستخدم في عملها السياسي الوطني وفي تواصلها الإجتماعي وسائط عصرية ذکية لتنشر من خلالها الوعي السياسي، مع القيم کما في التنوير موضوع للإختيار، لايحق لجهة ژوو جماعة فرض قيمة علی أفراد أو جماعة أخری.
النظام الثيوقراطي أو اللاعلماني شرط نافٍ بطبيعته لاستقلالية الإنسان العقلية والأخلاقية.
إن بناء دولة سيادة القانون القائمة على مبدأ المواطنة والتأكيد علی مبادئ الديمقراطية الحقة وأسس العلمانية وانتهاج التعددية السياسية، القائمة على أساس تنوع الفكر السياسي والبرامج السياسية أمر ضروري لضمان التوزيع العادل للثروة وتكافؤ الفرص للجميع والتداول السلمي للسلطة.
أحزاب الإسلام السياسي المأجورة جاءت علیها سكرة الموت بالحق لأنها فشلت منذ 2003 الی اليوم فشلاً ذريعاً في معالجة واقع الفقر، وإشاعة ثقافة التنوع والتسامح والسلام، ونبذ العدوان، ونزع فتيل العنف والإرهاب، وتحقيق العدل والرفاهية والتقدم، والتنمية الاقتصادية المستدامة، فکيف يمکن للشعوب أن تثق بهم لاستئصال الفساد المالي والإداري، ومقاضاة الفاسدين وسارقي أو مهدري المال العام، واسترجاع الأموال المسروقة؟
نحن نعتقد بأن الدين مرتبط إرتباطاً وثيقاً بوجدان الإنسان، وعلى النظام الذي يقود السلطة في المستقبل القريب في کل من العراق و لبنان أو أي بلد آخر منتفض أن يتعامل مع أفراد المجتمع وفق مبدأ الوفاء للوطن وخدمته والعمل على ازدهاره ورقيه في مختلف المجالات، ليس باعتبارهم مسلمين أو سنة أو شيعة أو مسيحيين أو دروز أو غير ذلك.
وختاماً سواء كان المجتمع متعدد الأديان أو غيرها من الانتماءات الاجتماعية أو غير متعدد فإن الموقف العلماني يبقى هو المناسب لتحقيق المجتمع الفاضل أو الأفضل.