الصفحة الثقافية
قصة قصيرة
بقلم الكاتب: حيدر حسين سويري
دَخَلَ مُسرعاً إلى مقر الجريدة، وإتجهَ نحو زميله وإستاذهِ في العمل الصحفي، محرر الصفحة الثقافية، وقال:
– السلام عليكم
– عليكم السلام، أهلاً ” أسد “، إجلس
فسحب أسدٌ كرسياً وجلس قرب ” نمر” ثُمَّ توجه لهُ بالسؤال:
– أصحيحٌ ما يُثار عنك من كلام؟
– وما هو ذلك الكلام؟
كان ” نمر” هادئاً، مشغولاً بإعداد صفحته الثقافية، بينما كان ” أسد” منفعلاً جداً، يتكلمُ بحدةٍ، محاولاً ضبطَ أعصابهِ وكلماتهِ، الخارجةِ رغماً عنهُ، لأنهُ لا يريد أن يجرح شعور ” نمر”، فقال:
– إنكَ تستلمُ مبالغاً ماليةً مُقابِلَ نَشرِ موادٍ(هابطةٍ) في صفحتكَ الثقافية؟
– وماذا في ذلك؟
– سألتكَ فأجبني!
– لستُ مجبراً على الإجابة، فهل لديك دليل على إتهامهم لي؟
– أنا لا يهمني الدليل، ولكنَّ مجرد إثارة هذا الكلام بحقك، يُعتبر طعنة كبيرة، فيجب عليك الرد
– وهل تعتقد أني فعلاً أستلم مبالغاً أم لا؟
– طبعاً لا
– إذن لماذا تسأل؟
– آآآآآآآآه … لا أدري، لكن كلامهم كان مقنعاً، فإن تنقلك من جريدة إلى أُخرى، بدون سبب واضح، كذلك التباين الواضح بين مبتنيات تلك الصحف، فهذا يعني أنك لا تهتم سوى بجمع المال، وأنك غير مقتنع بما تنشر، وإنما تنشر ما يعجب أصحاب الصحيفة، لتستمر بالحصول على المال
– وكيف ذاك؟
– أنك عملت في صحيفة علمانية يسارية، ثم إنتقلت إلى العمل في صحيفة ذَاتَ طابعٍ دينيٍ، وتُمثلُ اليمين المتطرف، فكيف تُفسر ذلك؟ وكيف تستطيع أن تنشر وتحرر الصفحة الثقافية بالرغم من التناقض الواضح بين الجريدتين وأصحابها؟!
– الموضوع بسيط جداً، فما عليَّ سوى إختيار مواد قد وصلت عَبَرَ بريد كل جريدة وفق الضوابط العامة للنشر
– وتلك المنشورات الساذجة والتافهة، من أغبياء يعتبرون أنفسهم كتَّاباً، وليس لهم أيَّ إنتاجٍ فكريٍ، وليس لديهم جمهور؟
– هههههه إذن الآن أنتَ مَنْ يتهمني؟
– أنا…… أُريدُ أن أسمع منك لأرتاح!
– نعم، أنا أستلمُ مبالغاً ماليةً مقابل نشر تلك المواد، فلدي عائلة ومصاريف كبيرة، وأما ما ذكرت، فلم يَعُد ثمةَ جمهورٍ للصحف الورقية يُعتدُ بهِ، بعدما طغت الصحافة الألكترونية على كافة وسائل الإعلام ……..
– إممممممـ … وهل عُذرك مقبول؟
– لا يهمني أحدٌ بعد الآن، فعندما يخسر الإنسان نفسهُ هل يكترث لأمرٍ آخر؟ لقد تم إعدام عائلتي بسبب إنتمائهم لأحد الأحزاب اليسارية، فماذا جَنيتُ أنا؟ حتى الصفحة الثقافية في جريدة الحزب، التي كُنتُ أُحررها، أُخذت مني! لقد ضايقوني حتى غادرتُ، نعم .. أعترفُ أني ما زلتُ يسارياً ولكني أكرهُ ما آلَّ إليهِ حال اليسار على أيدي هؤلاء الحُثالات….
– نعم بكَ وبأمثالك خسر اليسار نفسهُ!
– أنا؟ أنا مظلوم ولستُ ظالم
– نعم كُنتَ مظلوماً ولكنكَ أصبحت ظالماً، لنفسك أولاً وللآخرين فيما بعد
– بالعكس، لقد أنقذتُ نفسي وأما الاخرين فهم مرضى السمعةِ والرياءِ وها أنا أُعالجهم بنشر موادهم السخيفة وأقبض ثمن العلاج
ثُمَّ أرسلَ ضَحكةً أزعجت الحاضرين، الذين كانوا يستمعون بصمت فأغلبهم جديد على عالم الإعلام والثقافة؛ وغادر المكان بعد أن أتم إختيار مواد صفحتهِ الثقافية…
فيما جلس ” أسد ” والحيرة بدأت تأخذهُ يميناً وشمالا… ثُمَّ رَكَضَ مُسرعاً ليلحق بـ (نمر)…
لكن نمراً كان قد ركب سيارتهُ الجديدة والحديثة، وذهب يُسابق الريح، ليلحق بسرب الحثالات، الذي غطى سماء الثقافة في القرن الجديد…