التدخل الروسي العسكري في سوريا …
لم تستطيع روسيا اخفاء المعلومات التي تم تسريبها بواسطة وسائل الاعلام الاجنبية عن تعزيز قطاعتها العسكرية والبشرية في سورية ، فروسيا بدأت اللعب على المكشوف على كونها طرف في الصراع السوري بالرغم من محاولتها اقناع العالم طوال الفترة بانها ليست طرفا في هذه الحرب ،امام هذا الموضوع توقفت صحيفة كومر سانت الروسية في افتتاحيتها بتاريخ 10 ايلول سبتمبر الحالي بعنوان :”روسيا ترسل امدادات عسكرية الى دمشق “.
لم تستطع موسكو اخفاء دعهمها العسكري للنظام السوري بل اعلنت بانها عززت دفاعات النظام السوري، وقامت بارسال قاذفات صواريخ حديثة، وناقلات جند مدرعة وارسال جنود البحرية الروسية الى سورية لتعزيز قوعدها البحرية العسكرية في طرطوس.
واشار لافروف في مؤتمره الصحفي بناريخ 10 ايلول سبتمبر مع نظريه السوداني بان روسيا لم تخفي دعمها وتدريبها للجيش السوري، وهي ترسل الدعم والتدريب المباشر للنظام لقيامه بمحاربة الارهاب، وياتي الدعم الروسي للنظام السوري، وفقا للقوانيين الدولية وللاتفاقات المبرمة مع الحكومة السورية ، وقال بانه لا يمكن الاتكال على تحالفات دولية لا تاخذ بعين الاعتبار القوى المتواجدة على الارض، واشار بتصريحه الى قوات النظام وقوات المعارضة الكردية والقوات المدعومة من ايران وفي مقدمتها حزب الله اللبناني والقوات النظامية العراقية الذين يستحقون الدعم الحقيقي، اما بخصوص ارسال جنود وتعزيزات بشرية فقال لافروف بان روسيا لن ترسل اي قوات بشرية الى سورية واذا اقتضى الامر سوف تقوم بخطوات مناسبة وفقا للقنون الروسي والقنون الدولي ، لكن الاعلام الروسي اشار الى ان وزارة الدفاع ارسلت عشرة الف مظلي روسي الى القطاع الجنوبي الروسي وقد تكون الخطوة الثانية التي اشار اليها لافروف بنقل هذه الجموعات الى سورية .
لقد بات واضحا تفاصيل بان المعونات الروسي تدخل ضمن الاتفاق الذي ابرمته الدولة الروسية مع النظام السوري بشان تعزيز شحنات الأسلحة الروسية لنظام بشار الأسد، والتي أصبحت نقطة نزاع دبلوماسي بين موسكو وواشنطن، فروسيا التي تعتبر واشنطن هي المسؤولة عن انتشار الإرهاب.
وبالرغم من محاولة روسيا انكار الموضوع واصرارها على انها تستخدم الاجواء الاقليمية بارسال طائرات وسفن تحمل اعانات غذائية ومعدات طبية بحاجلة لها سورية والشعب السوري، لكن الاضاءة السريعة على هذا الموضوع من قبل الاعلام والدبلوماسين الغربيين فرض على روسيا توضيح هذا الاشكال التي لاتزال تعبر عنه بطريقة غامضة ترتكز على الكذب والمراوغة كما تفعل السياسة الروسية دائما ، حيث اكدت الناطقة الاعلامية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخارفا بان روسيا تقديم المساعدة العسكرية والفنية للنظام السوري من خلال ارسال معدات عسكرية حديثة وخبراء روس ضمن معاهدة بين البلدين تدخل في إطار القانون الدولي.” حيث تصر موسكو على أنها تساعد فقط الرئيس الأسد على مكافحة الإرهاب كما حل المساعدات التي تقدمها للنظام العراقي .
فروسيا اضحت تعلم جيدا بان جيش الاسد لم يعد يستيطع السيطرة وفقد القدرة النهائية على السيطرة وباتت روسيا معنية بمساندة النظام الى جانب ايران والقوى الشعية الاخرى .
تحاول روسيا تسويق نظرية خاصة تقوم على محاربة التطرف في اماكن تواجده قبل انتقاله الى مناطق اخرى ، فروسيا ترى بان وجود اكثر من 1000 مقاتل من مواطنيها يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية يشكلون خطرا مقبلا عليها ،لذلك هي معنية بدعم النظام السوري الذي يحارب الارهاب والتطرف.
ولابد من القول بان القتال العسكري في سوريا اختلف جدا وخاصة وبظل الانتصارات السريعة التي تحققها المعارضة على جيش النظام، والتي كانت اخرها سيطرة المعارضة على مدينة ادلب باحتلالها مطار ابو الظهور العسكري حيث تعتبر ادلب المدينة الثانية في سورية التي خرجت عن سيطرة النظام نهائيا بعد الرقة . وخاصة بظل التصريحات السورية الرسمية التي تشير الى انسحاباتها التكتيكية من بعض المناطق ، اضافة الى كون الاسد اعلن باكثر من مناسبة بانه لم يعد يستطع الصمود والجيش منهك .
ومن هنا يمكن ان نفسر بان التدخل العسكري الروسي في سورية والذي بات واضحا يكمن في تفسيرين:
-التفسير الاول وجود الجيش الروسي في سورية سوف يكون له عقبات وخيمة جدا لان طبيعة الصراع الحالي اختلف، ولان الجيش الحر وبعض التنظيمات الاسلامية سوف توجه القوى الاجنبية الوافدة الى سورية ، وهذا الوجود سوف يستطدم بضربات قوات التحالف التي باتت جاهزة لشن غارتها العسكرية ضد معاقل داعش والنظام السوري .
وبالتالي الاصطدام مع المعارضة سوف يضع روسيا في حرب جديدة ولا تقدر على المواجهة فيها لكونها تعتبر بان امريكا وبريطانيا والدول العربية وتركيا وراء المعارضة فهي سوف تدخل في حرب ضد الجميع، وبالتالي سوف تحصل المعارضة على افضل انواع السلاح والدعم اللوجستي والاستخباراتي مما سيضع روسيا في موقع حرج جدا وسوف تتلقى خسائر كبيرة اكبر من افغانستان وسوف تنتقل المعركة الى الداخل الروسي والدول الاسلامية المجاورة وهذا التدخل سوف تدفع روسيا ثمنا باهضا له، لا يقدر المراء تصوره فاذا افغانستان كانت احدى اسباب تفكك الاتحاد السوفياتي سورية ستكون سببا في تفكك روسيا الاتحادية .
-التفسير الثاني للتدخل الروسي والذي قد يكون اتفاق غربي امريكي على تعزيز دور روسيا العسكري في روسيا لاجبار ايران والاسد على الدخول في مفاوضات سريعة تنتهي بالاطاحة بالاسد والعمل على تشكيل حكومة انتقالية تحافظ على المؤسسات والدولة وتعمل على توحيد الجيش والعمل على مقاتلة التطرف .
وخاصة بان روسيا في العديد من الجلسات السرية كانت تقول بانها لا تستطيع فرض اي تصور على الاسد ولا تستطيع تركه لان الكفة الراجحة ليس لها بل لايران وان خروجها سوف يعزز قدرات ايران الاقليمية التي تدخل في حوار مع امريكا، لذلك نرى الكثير في التخابط في التصريحات الروسية الداعمة للاسد احيانا والموافقة على تركه للسلطة احياننا اخرى .
تحاول روسيا الى جانب الدول الاوروبية الاخرى ان تتقسام نصيبها من الحصص في سوريا وتعمل على تدعيم وجودها الجيوسياسي على البحر المتوسط وخاصة بعد ان اصبحت تعلم جيدا بان نظام الاسد قد انتهى واصبح في خبر كان .
فروسيا تسرع الى سورية من خلال تعزيز قواتها العسكرية في طرطوس القاعدة الدائمة وفتح قاعدة اخرى في جبلة فالتواجد في منطقة الساحل سيشكل لها مكان نفوذ في سورية المقبلة ،في منطقة تنتشر فيها الاقلية العلوية التي تؤيد وجود روسيا في مناطقها ولا تشكل لها ازمة بل تعتبر روسيا حامية لها وسوف تكون امنة بوجودها بعكس المناطق الاخرى التي اصبحت روسيا تشكل لسكانها حساسية مرتفعة باعتبارها مسؤولة عن استمرار الازمة واطالت عمر النظام ومساعدته في القتل والبطش.
لكن الدخول في الحرب يعني التقسيم بحد ذاته وروسيا تكرر تجربة القرم بالسيطرة على جزء من الاراضي الاوكرانية كونها تسيطر على جزء من الاراضي السورية بالتحالف مع ايران ، وهذا الجيب الساحلي سوف يكون له منفذ بحري وبري على لبنان من خلال ربطه بالمناطق الشيعية حيث تواجد حزب الله ومناطق نفوذه وهذا يعني بان روسيا متفقة مع ايران على اقامة الجيب ودعم الحزب في لبنان للاستيلاء على السلطة من خلال ايصال مرشح ماروني ينفذ الاجندة الايرانية ويصبح نصرالله رئيس لبنان الخفي، وهذا الدعم والانقاض للحزب من روسيا بظل تراجع قوة الحزب العسكرية والبشرية بعد الخسائر والهزائم التي تلقها في سورية وفقدان التظامن اللبناني والعربي بالاضافة الى اختلال الموازين داخل الطائفة الشيعية التي ينشط نشطائها بالتظاهرات المطلبية التي تحد من يد الحزب على لبنان .
اما بالنسبة للغرب وتحديدا الموقف الامريكي لايزال مبهم وغير جدي بالرغم من الاستفسار الذي ارسله الوزير جون كيري الى نظاره الروسي سرغي لافروف والذي يبدي قلق حيال التواجد العسكري الروسي في سوريا ،فان الادارة الامريكية لم تتحمس بعد الى اخذ زمام المبادرة والرد على التصرفات الروسية فقط من خلال قرار سريع من البيت الابيض بتاريخ 10 ايلول سبتمبر الحالي بان امريكا على استعداد لاستقبال عشرة الالف لجئ في امريكا بينما كان رد الناطق الاعلامي الروسي دميتري بيسكوف بتاريخ 10 ايلول سبتمبر الحالي بان روسيا لن تفتح ابوابها امام المهاجرين فعلى الدول التي كانت السبب بهذه الكارثة ان تتحمل المسؤولية وروسيا تعرف من تساعد والى اين تتوجه للمساعدة.
يبقى الرد الامريكي مرتبط بالرفض او القبول الصهيوني لهذه الخطوة الروسية وانتشار قواتها في سوريا والتي لا تشكل ازمة كما يبدو لتل ابيب.
لكن الخلافات الدبلوماسية والسياسية بين روسيا وامريكا بدات تتفاقم وتتوسع ، ويرى الخبراء والمعنيون بالشان السوري بان روسيا سوف تجعل من سورية اففانستان ثانية ، لكن من غير المؤكد بانها قادرة على الانتصار .
ومن الواضح بان مبادرة موسكو باتت ميتة حيث كانت تعمل على احياء تحالف دولي لمكافحة ارهاب “الدولة الإسلامية” ومن ضمنه قوات الحكومة السورية والعراقية مدعومة بغطاء اسلامي وعالمي، وهذه المبادرة سيطرحها الرئيس الروسي فلادمير بوتين في خطابه المقبل امام الجمعيعة العامة في دورتها 70 والذي سيتراس وفد بلاده في 13-22 سبتمبرايلول القادم .
خالد ممدوح العزي
التدخل الروسي العسكري في سوريا …
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا