الاصلاحات وحدها لاتحل ازمات العراق ولاتحقق الاستقرار
جواد كاظم ملكشاهي
التظاهرات الاخيرة التي انطلقت شرارتها من محافظة البصرة بعد احتجاجات الجماهيرعلى فقدان الخدمات بشكل عام والكهرباء بشكل خاص والتي اودت بحياة الطفل منتظرالحلفي ، ادى الى اشعال انتفاضة جماهيرية في عدد من محافظات الوسط والجنوب والعاصمة بغداد التي تفتقد الى ابسط مقومات الحياة العصرية في بلد عائم على بحارمن الذهب الاسود. ان الانتفاضة الجماهيرية ضد الفساد والمفسدين وسوء ادارة الدولة لم تكن وليدة الساعة او عن طريق الصدفة او المفاجئة فحسب ، بل كانت نتيجة لتراكم ازمة الخدمات في العراق مع وجود ميزانيات انفجارية بلغت مجموعها مئات المليارات من الدولارات ولكن هذا المبلغ المهول لم ينجزللمواطن العراقي ابسط الخدمات اليومية المتوفرة حتى في افقردول العالم التي تعاني من المجاعة والفقروالمرض ، فضلا عن الفساد الاداري والمالي الذي نخرمفاصل الدولة وجعل المواطن البسيط يكاد لايحصل على قوته اليومي. لقد وضعت الاحزاب والقوى السياسية العراقية التي وصلت الى سدة الحكم في العراق بعد اطاحة التحالف الدولي بنظام البعث المباد في ربيع 2003، جل اهتمامها بمصالحها الحزبية والفئوية والعشائرية من خلال مشاركتها في السلطة عبرنظام المحاصصة المقيت وتقسيم الكعكعة الدسمة للحصول على الاموال الطائلة لتقسيمها بين قياداتها حالها حال عصابات السطو والسرقة والقتل والاحتيال ، ولم تقدم تلك القوى السياسية شئ يذكرللمواطن العراقي الذي ذبح على يد الارهاب الاسود بدم بارد عبرالمفخخات والاغتيال والعبوات وكذلك تهجيراكثرمن مليوني مواطن عراقي من ديارهم بسبب هجوم قوى الظلام على مدنهم وقراهم نتيجة لأخطاء حكومة المالكي وتواطئ البعض مع الارهاب ، وهذا الامر جعل من العراق برميلا من البارود تنتظرشرارة صغيرها كي ينفجرعلى السياسيين وتنسف كراسي سلطتهم البائسة ، وقد كانت الاحتجاجات الجماهيرية الغاضبة بمثابة درس قاس لمن استحوذ على المال العام من خلال الفساد الذي استشرى في جميع مفاصل الدولة العراقية الجديدة. ان تلك الاحتجاجات وبدعم من المرجعية الرشيدة قلبت الطاولة على الفاسدين ممااضطر الحكومة العراقية وعلى رئسها ، رئيس الوزراء حيدرالعبادي من اتخاذ قرارات صعبة نحو الاصلاح وانقاذ مايمكن انقاذه وذلك بلغوالعديد من المناصب العليا من اعلى الهرم الى اسفله وترشيق الحكومة ولغوجيوش حمايات المسؤولين ، وذلك لأمتصاص الغضب الجماهيري ووضع حد للأزمات المستعصية في البلاد. ان الاصلاحات وملاحقة ومعاقبة الفاسدين هو جزء مهم من مهمات حكومة العبادي والعملية الاصلاحية الشاملة لوضع العربة على السكة بالشكل الصحيح ، ولكن البلد لن يستقروالازمات لاتتفكك ولات تحل، الا مع حل المشاكل السياسية الاخرى الذي يعاني منه البلد منذ عقود عبرتحقيق مصالحة وطنية شاملة وحقيقية والذي يعد من اهم المشاكل التي تعترض امن واستقرار البلاد. ان الحكومات المتعاقبة على حكم العراق بعد 2003 وخاصة حكومة المالكي ، رغم وجود دستور وتثبيت حقوق الشعب الشعب العراقي بجميع مكوناته وخاصة الشعب الكوردي فيه ، الا انه تنصل من تنفيذه وافتعل ازمات لامبررلها وكادت في بعض الاحيان ان تصل الى حد اندلاع القتال بين الطرفين لولا حكمة القادة الكورد وبعض الخيرين الاخرين ، فضلا عن قطع ميزانية الاقليم وفرض حصارجائرعلى الشعب الكوردي ناهيك عن المماطلة والتسويف في تنفيذ المادة 140 والتي تعد من اهم مهمات الحكومة الاتحادية لتحقيق الامن والاستقرار فضلا عن عدم اصدارقانون النفط الغازوالذي يعد جوهرالخلافات بين بغداد واربيل بالاضافة الى عدم صرف ميزانية قوات البيشمركة والتي تعد دستوريا جزءا اساسيا من المنظومة الدفاعية العراقية. واليوم الازمة بين بغداد واربيل لازالت دون حل والمشاكل تفاقمت بشكل خطير، عليه اذا ماارادت حكومة العبادي من تغييرالوضع بشكل جذري وتحرير الارض العراقية من براثن الارهاب واذا كان لديها ارادة حقيقية في خلق اجواء آمنة ومستقرة في البلد فأن الاصلاحات ومكافحة الفساد وحده لايكفي لعودة المياه الى مجاريها بل ، ينبغي عليها ان تعمل بموازاة الاصلاحات من اجل تحقيق الوفاق الوطني بين جميع مكونات الشعب العراقي وخاصة مع الشعب الكوردي عبررفع الحصار واطلاق رواتب الموظفين وحل مشكلة النفظ من خلال صدورقانون النفط والغاز ، والجلوس على طاولة الحواربنية خالصة من اجل تذليل العقبات والشروع بحل العقد المستعصية بروح وطنية مسؤولة وضمان حقوق جميع ابناء الشعب العراقي بكل قومياته وطوائفه والوانه.