كاظم حبيب
الإصلاح والسلطة القضائية بالعراق
تشير جميع دساتير دول العالم المتحضرة إلى مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتؤكد بشكل استثنائي على أهمية وضرورة استقلال القضاء باعتباره مبدأ دستوري مقدس. وبهذا الصدد يشير العلامة أبن خلون إلى إن ( فساد القضاء يفضي إلى نهاية الدولة ). أكد الدستور العراقي في المادة 19 ما يلي:
” أولاً :ـ القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون.”
فهل كان القضاء العراقي مستقلاً، أم انتهك خلال السنوات التسع الأخيرة؟ ومن المسؤول عن هذا الانتهاك؟ يمكن للمتتبع لأوضاع العراق ودور القضاء العراقي إن يشير بأن مجلس القضاء الأعلى ومجمل القضاء العراقي لم ينهض بالواجبات الملقاة على عاتقه ولم يكن مستقلاً قي قراراته بل خاضعاً لقرارات وإرادة بول بريمر الذي عين المحمود رئيساً للمحكمة الاتحادية في العام 2005 ورئيساً لمجلس القضاء الأعلى فيما بعد, ومن ثم أصبح خاضعاً لرئيس السلطة التنفيذية والمستبد بأمره نوري المالكي والتي أثارت الفرد والمجتمع العراقي، وبشكل خاص من موقف القضاء السلبي من عمليات التجاوز على بنود الدستور العراقي وعدم متابعة قضايا الفساد التي تورط بها المئات من كبار المسؤولين بالعراق، بمن فيهم أولئك الذين فرطوا وبصيغ مختلفة بما يقرب من 38 مليار دولار أمريكي لتأسيس شبكة متقدمة للطاقة الكهربائية بحيث تشبع حاجة الشعب العراقي ومؤسساته المختلفة وعملية التنمية فيه. حتى اليوم لم تستطيع وزارة الطاقة توفير ساعة أو ساعتين باليوم الواحد من الطاقة الكهربائية لاستهلاك المواطنة والمواطن بالعراق تقيهما من حر الصيف وبرد الشتاء.
وبالأمس اتخذ مجلس القضاء الأعلى قراراً يقضي برفض استقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى ( مواليد 1933)، في حين إن سن التقاعد في القضاء هو 63 سنة، بذريعة أن المجلس بحاجة له في هذه الفترة الحرجة. إن هذا الموقف مرفوض من الشعب وهو صاحب الكلمة العليا وليس مجموعة ممن ربما أحتل موقعه في المجلس من غير حق وبسبب محاباته لرئيس الحكومة السابق ولرئيس مجلس القضاء الأعلى, كما إن مدحت المحمود هو الذي قام باختيار أعضاء المحكمة الاتحادية على أساس طائفي واثني، وهو مخالف للدستور العراقي، إذ لا بد من اختيار أعضاء المحكمة الاتحادية من القضاء وفقهاء القانون من ذوي القدرة والكفاءة العلمية والخبرة العملية وبعيداً عن المحاصة الطائفية والأثنية. وهنا يتطلب الأمر التدقيق في ما جرى لمجلس القضاء الأعلى قبل إرغام المالكي على ترك رئاسة الوزارة بها تشبث الغريق بالقشة. والغيب بالأمر أن مدحت المحمود قد صاغ قانون المحكمة الاتحادية بحيث يكون عضو هذه المحكمة مدى الحياة وتنتهي بموته، وليس هناك في العالم مثل هذا القانون الذي حاول أن يحمي به نفسه والجماعة التي اختارها لعضوية المحكمة الاتحادية. كما منح هؤلاء امتيازات خرافية لا مثيل لها في جميع أنحاء العالم.
من الضروري أن نتتبع ما فعله نوري المالكي قبل إجباره على التخلي عن مسؤولية الحكم، حيث قام بتسمية نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى وعددا من أعضاء المجلس ليكونوا السند له والمخلصين لشخصه حتى بعد إبعاده هن منصب رئيس الوزراء. وهو ما يتابعه المجتمع حالياً في تصرف أعضاء مجلس القضاء الأعلى. وبالتالي فأن العديد ممن يعمل في مجلس القضاء الأعلى يفترض أن يًتخذ قرار بعزلهم حين يرفضون عزل بعضهم البعض الآخر والإصرار على البقاء وإجراء إصلاحات جزئية لا تطال رأس القضاء الذي يفترض أن يخضع للمساءلة من جانب رئيس الدولة العراقية ورئيس الحكومة ومجلس النواب. فاستقلالية القضاء قد تعرضت للانتهاك من قبل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وما تزال لم ترمم دع عنك الإصلاح الجذري لها مؤسسة وأسساً وقضاة. إن على مجلس النواب أن يعمد إلى مثل هذه الخطوة وهي ضمن صلاحياته، وتقديم رئيس مجلس القضاء الأعلى ومن هم مشمولون بالفساد إلى القضاء لمحاسبتهم على عدم تنفيذ واجباتهم، ومعهم الادعاء العام الذي لم يحرك ساكناً ولم يطلب منه رئيس مجلس القضاء الأعلى ذلك. كما يمكن لرئيس الوزراء أن يقترح مثل هذه الخطوة الضرورية على مجلس النواب العراقي، كما فعل في القضايا الأخرى وبدعم من الحراك الشعبي والمرجعية الشيعية.
إن البطء في حركة الإصلاح والتغيير ستقود إلى جمود الحركة وإلى إعادة تنظيم صفوف القوى المناهضة للتغيير والفاسدة لتشكل معسكراً قوياً أقوى مما يستطيع العبادي والشارع العراقي مواجهته، خاصة وإن دولاً مجاورة تدعم هؤلاء الفاسدين والمفسدين.
18/8/2015