اصلاح الفوضى..أم فوضى الاصلاح
جمال الهنداوي
لم تجد كلمة طريقها الى التداول الواسع, والفهم المتعدد, كالاصلاح , فرغم ان الجميع يلوك ويسترجع بهذه الكلمة, الا ان الكل متمسك بما يفهمه منها , دون العناية -اوحتى الاكتراث- ان كان هناك من يتشارك معه هذا الفهم..فايام عديدة وهذه الكلمة تشاركنا مجالسنا وحواراتنا وتختلس الفائض من اذهاننا دون ان يكون هناك أي جهد او مسعى لتعميم استيعاب معين لها, وهذا قد يكون السبب في اننا اصبحنا نعاني من فوضى الاصلاح بدلا من الاهتمام باصلاح الفوضى كما يعبر -بصدق- الشيخ عادل الساعدي.. بل ان الاصلاح اصبح هما بحد ذاته نردده كعبارة مأزومة اقرب الى عناوين الاخبار الملفقة التي تقض الفسح القليلة ما بين احباط وآخر, وما بين حيرة واخرى.
فعلى الرغم من ان الجميع متفق على الاصلاح , الا ان التساؤل عن طبيعة الاصلاح قد يفضي بنا الى العديد من الاجابات المختلفة قد تقترب من عدد من يتصدون للاجابة على السؤال, مما يشكل تهديدا فعليا لجهود الاصلاح والاهداف المتوخاة منه..وهذا الواقع يدفعنا لمحاولة البحث عن الارضية المتفق عليها لكي نستطيع عبرها الانطلاق الى مقاربة عقلانية للموضوع, وهنا قد يكون من المفيد البناء على التبني المفرط لجميع القوى المشكلة للخارطة السياسية العراقية للدعوة الى تنفيذ الاصلاحات كمدخل جيد نحو تأسيس بصيص فهم لما يضطرم اواره من تناقضات اقلقت الرأي العام وادخلته في متاهات التساؤل المر عن الوجهة التي تسير نحوها الاحداث.
ولكننا نصدم هنا بالرفض -المفرط ايضا- للعديد من القوى السياسية المعلية من شعار “الاصلاح” للعديد من الخيارات المطروحة والرغبة -المستترة طبعا – بالاكتفاء بوضع بعض المساحيق الاعلامية على جثمان الحكومة المنهكة بالفساد والازمات وانعدام التوافق بين الشركاء.. وهذا ما بقودنا مباشرة الى ما يهمس به الجميع –خجلا ام تواطؤا-بان هناك الكثير من التدليس فيما يرفع من شعارات لبعض الكتل السياسية والتي قد يكون اول الصواب ان يتوحد الجهد نحو تشخيصها والتعامل الحازم معها وسد الذرائع والمناكفات السياسية بين الفرقاء قبل الحديث عن اي فرصة حقيقية للاصلاح..
نتفق بان من الصعوبة بمكان ان نحقق اجماعا تاما على مسألة شائكة كالإصلاح الاقتصادي والسياسي، خاصة في ظروف بالغة التعقيد كالتي نعيشها في العراق, ولكن لا يعد من الترف ان نطالب الكتل السياسية بان تقوم بواجبها في ادارة الحوار نحو التوصل الى مسارات مقننة وواقعية للاصلاح مما يمكن للمجتمع ان يبلور خياراته للتعاطي معها..فالكتل السياسية, بصفتها ممثلة للشعب العراقي, يجب ان تكون السباقة بمهمة بلورة وفرز وتنقية المطالب الشعبية وتأطيرها كخارطة طريق وخطة عمل منطقية قابلة للتحقيق، تتمتع بمقبولية ودعم فئات المجتمع وفعالياته الحية, لتسليك مثل هذه الخطط التي تشوبها دائمة بعض القرارات الصعبة التي بحاجة لتفهم وقناعة وصبر المجتمع..
ولكننا للاسف نلاحظ -وبرتابة- تزايد التوظيف السياسي المخجل لمصطلح الاصلاح من قبل العديد من الكتل السياسية التي اخذت تتمترس اكثر واكثر خلف فئويتها وفرعيتها بصورة تتعاكس مع بعدها الوطني الجامع الذي نحتاجه في هذه الظروف القاهرة..وهذا ما جعل الحوار الاصلاحي يبتعد عن عقاله الى تشعبات وتشتتات تهدد بتحول الجهد الاصلاحي الى ازمة مجتمعية خانقة تضاف الى الاختناقات التي ادت الى اعلاء مصطلح الاصلاح واضفاء الاهمية والاولوية عليه..
العراق الان بحاجة الى اصلاح باطار وطني وذو اهداف محددة وواضحة وضمن سياقات تستحضر المصالح العليا للوطن وامن ورفاه المواطن, وتحقق المشاركة والقناعة الشعبية الواسعة ضمن عملية سياسية واقتصادية واجتماعية محصنة بالشفافية والتعاطي الواقعي مع مطالب المواطنين..
ان فوضى الاصلاح والتراشق بالبرامج الملفقة -المنتحلة الاصلاح- تزيد من منسوب القلق لدى المواطن الذي تتسرب الثقة بجهد الحكومة من بين اصابعه مما يزيد من فرص التدخلات الخارجية -وادواتها الداخلية- التي تستغل الفجوة المتعاظمة ما بين الحكم والمواطن, لتشتيت المطالب الشعبية وتحويلها الى اداة للتكسب السياسي المحض.
اول الصواب – وآخره-هو الفرز بين الشعار الملفق والواقعي , وبين المشروع والمفخخ, وان تعي الدولة بان لها مصلحة فعلية في تأطير ومأسسة حوار الإصلاح بهدف عقلنته ، ليكون ذا مصداقية سياسية وشعبية قادرة على احتواء مصالح جميع اطياف المجتمع, وقد يكون هذا التعاطي الواقعي والمسؤول مع مصطلح الاصلاح هو الفرصة الوحيدة لحشد الصوت خلف المسارات والقرارات المؤدية الى اصلاح حقيقي وفاعل.. وعندها سيكون كل بيوت العراقيين وشوارعهم ومضائفهم ساحات لرفع النداء بالدعم والاسناد لخطط الاصلاح لقناعتهم بانها الطريق الوحيد الى العدالة والتنمية والحكم الرشيد..