عبدالامير الركابي
تعتبر المجتمعية التي انبجست فيها الاله نفسها بنية وتكوينا، بانها الاكثر تلاؤما مع الانقلاب الحاصل بين ظهرانيها، وهنا ينهض اشكال اساسي غير قابل للحل ابتداء، ومادام الغرب الاوربي موضع ابتداء الانقلابيه الاليه هو المتغلب والسائد، بحكم ماقد طرا على بنيته من تحول سرع مرتقيا بالاليات المجتمعية اشواطا، وبتسارع، مع مارافق ذلك وواكبه من منجز ضخم شامل، استعمل مستغلا لكي يكرس باسمه، موقع اوربا والغرب، فلم تطرا بناء عليه باي شكل او درجة كانت، تساؤلات كانت تبدو من باب ماهو غير وارد، وغير مطروح بالمرة، مايلغي احتمالية الاجابة عليه، من نوع تلك التي قد تفكر بفرضية تعددية الانتقالية الالية نوعا، بحسب النمطية والصنف المجتمعي.
ويمكن ان يقال لهذه الجهه، بان تساؤلا من هذا النوع لايبدو انه مقارب للضرورة او الحاجه باية درجه، وهو بناء عليه لم يلح بقوة، برغم ماقد واكب الظاهرة الحداثية الغربية من احتدام وصراعيه شاملة، ظلت تستوعب داخل نفس اشتراطات التفكير الغالبة في حينه، والى اليوم، بينما استمرت تلعب دورا غير عادي، ان لم يكن استثنائيا، نقيصة تكوينيه تاريخيه، لازمت علاقة العقل البشري بالظاهرة المجتمعية ومنطوياتها، ومن ثم آليات تفاعلها بناء لاستهدافاتها المفترضة الكامنه فيها.
ولم تبخل الظاهرة الحداثية الغربية على الكائن البشري بما خص هذا الجانب من جوانب الادراكية، على الاقل من حيث الابتداء، حين كشفت بقوة، واقعة الجهل البشري المستمر بالحقيقة المجتمعية الاصطراعية الطبقية، فاذا بنا امام حكم قانون يسير الظاهرة مدار البحث تعاقبا والزاما كما تقول “المادية التاريخية” الماركسية، وصولا ل “غاية” مكنونه ومضمرة، مقدر لها من قبل قوة ( غير مؤشر عليها) الانتقال، من نوع مجتمعية ابتدائية، الى اخرى من نوعها، “عليا”، عبر خمس مراحل تتابعه، يحكمها “ديالكتيك”، ناظم لحركتها المتوافقه مع قانون الطبيعة، وهو مالم يكن بالاحرى سوى محطة اولية ابتدائية، ارضوية، محكومه الى سقف صنف مجتمعية بعينه، ضمن اشتراطات انقلابيه متاخرة وانتقالية.
وليس مانشير اليه سوى جانب جوهري من جملة جوانب الظاهرة الايهامية الغربية، بعلاقتها كمجتمعية بالحدث الالي، هذا باعتبار ان اوربا المنشطرة طبقيا، هي من حيث النمطية والصنف، مجتمعية ارضوية، ادنى كينونه ونوعا من الحدث الحاصل في ساحتها، اي الاله التي هي بالاحرى ظاهرة مابعد غرب، نوعها ومفعولها، والاثر المترتب عليها، متعد للارضوية، الى اللاارضوية المجتمعية، وانتهاء صلاحية الارضوية، اوربا تلعب فيها دورا تمهيديا، لازما وضروريا لانبثاق التصور والرؤية اللاارضوية الثانيه، المنتظرة على مر التاريخ المجتمعي البشري، قبل الانقلاب التحولي اللاارضوي المؤجل.
ان تاريخ الظاهرة المجتمعية الذي قال عنه ماركس، ماهو الا تاريخ صراع طبقات، هو بالاحرى تاريخ تفاعلية مجتمعية سائرة الى اللاارضوية، بؤرتها الاساس كيانيه الازدواج المجتمعي، المحكومة لقانون الدورات والانقطاعات التاريخيه في ارض الرافدين، فالمجتمعية كظاهرة ليست ارضوية، بل هي مصممه اساسا وكينونة، الى مايفضي بالكائن البشري الى الانتقالية العظمى، من المجتمعية الارضوية الجسدية الحاجاتية، الى العقلية، والى انفصال العقل عن الجسد، وتحرره من وطاته، ذهابا الى العالم الآخر/ الكون اللامرئي، الموازي للكون المرئي المعروف، والمعاش ابان الطور “الانسايواني” الانتقالي، بين الحيوان والانسان.
ومن البديهي ان تتلازم الانقلابيه الآلية مع مروية ابتداء، كما هي حالتها المنطلق، ومن ذات الموقع والرؤية الممكنه الارضوية التوهمية والمحدودة التي تحصر الحدث الانقلابي ضمن اطار بعينه، الامر البديهي مادامت الابعاد الفعلية للحدث، هي مما يتجاوز سقفا الموضع الذي انبجست فيه، بالاخص من زاوية كونها عاملا، محفزا لمابعدها، وبالذات عبر الانصبابية التي تمارسها على الشرق المتوسطي كما هي معتادة، اذا تذكرنا الانصباب الاول الروماني وماقابله شرقا الفارسي، وماانتهيا اليه من اختراقية مارستها المنطقة ورؤيتها اللاارضوية الاولى الابراهيميه، باختراقها بنية الامبراطورييه، واحلال الازدواجية داخلهما، بينما تذهب اوربا اليوم تحت مفعول الاله للانتشار عالميا، من دون تمييز للموضع الشرق متوسطي اللاارضوي تعبيرا محتملا، لتمارس مهمة هي ومرة اخرى، تحريكية وايقاظية تاريخيه للتعبير والحضور اللاارضوي، بتسليطها نموذجها ومفهومها الارضوي ” الكياني/ الوطني” على ارض الكيانيه المتعدية للكيانيه، واصرارها على الفبركة الكيانيه، وعلى مايقارب الحضور الافنائي للنوع والصنف المجتمعي التاريخي الازدواجي اللاارضوي.
وهنا تكرارا ينتفي كليا اي انتباه لخصوصية العلاقة الناشئة مع هذا المكان من العالم، او ملاحظة سياقات ومسارات الاصطراعية النوعية الجارية على ارضه، هذا في الوقت الذي تنتفي فيه ايه اشارات واعية تفكرية ذاتيه، دالة على النطقية، على العكس تسود حالة من الاتباعية والتكريسية للرؤية والمفهوم الغربي الافنائي، يمارسها ابناء البلاد المفترضين، خارج حضور الاليات غير الناطقة، والحاضرة واقعا بقوة ( يحتوي “كتاب العراق” على المطلوب من التفصيلات الغزيرة بهذا الخصوص كتابنا الاخير قيد النشر، لمن همه التعرف على التفاصيل) ومع الاستعارة الايديلوجية، وملحقها “الوطنيه الزائفة”، تجد الارضوية المحدثة، اهم ركائز حضورها الافنائي، يمارسها رهط من سكان العراق، الماخوذين بمرض ادعاء العلموية والتنور الحداثي، ممن تنقصهم اسباب الارتقاء لمستوى مواطنه، تتطابق واشتراطات الكيانيه التاريخيه الاصل، مابعد الكيانيه المتعدية للكيانيه، تلك التي يفترض انهم حاملي نطقيتها.
هكذا يصبح تاريخ الاصطراعية الغربية الحداثية الالية مع موضع الازدواج اللاارضوي، محكوما لمحطات، اولى ماقبل غرب تستمر من القرن السادس عشر الى العشرين، هي تاريخ الدورة الثالثة الراهنه، بعد الاولى السومرية البابلية الابراهيمة، والثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، تمر تشكلا بحقبة قبلية، تتبعها منذ القرن الثامن عشر حقبة انتظارية نجفية حديثة، وصولا الى الحقبة الاصطراعية الافنائية، التي تبدا مع عام 1914 يوم نزول الحملة البريطانيه في الفاو اقصى جنوب العراق.
ـ يتبع ـ