سعد جاسم
“الى روح نوس زوجتي في ذكرى رحيلها الفاجع”
كنتِ تملأينَ الارضَ
بانوثتِكِ الطاغيةِ حدِّ العنفوانِ
والغوايةِ والسحرِ والرغباتْ
وبجمالكِ الفاتنِ الذي كانَ يُقلقُ
النساءَ والغزلانَ والقمرَ
الذي يبدو خائفاً على هالتهِ
أَمامَ فتنتِكِ البابلية
*
وكنتِ تغمرينَ المدائنَ بإبتساماتكِ العسليةِ
وجنوناتِكِ المرِحَةِ
وعذوبتِكِ الوهّاجةِ
ولطفِكِ الذي تغارُ منهُ الصبايا
والمرايا وطيورُ الحبِّ
والعنادلُ ويماماتُ النهارِ
*
وكنتِ نجمةَ المسارحِ
وخاصةً مسرحَ “معهد الفنون الجميلة”
حيث ادوارُكِ المدهشةُ في “طيرِ السعد”
و”قضية الشهيد رقم ألف”
و”مضيِّفَة النزلاء” و”أُم الخير”
وكذلكَ مسرحياتُكِ وبطولاتُكِ
التي لا تُعَدُّ ولا تُنسى
أليْسَ كذلكَ ” يا قاسم محمد؟
ويا رافدة إبراهيم ويا طارق هاشم
ويا صبرية عايد ويا كريم جثير وياسعاد جواد
ويا مناضل داوود ويا محمد سيف
ويا نداء صادق ويا احمد خليل”؟
وأَلَيْسَ كذلكَ يا أَيامَ الشَغَفِ والغرامِ
والأُغنياتِ والحلمِ الجميلْ؟
*
وكنتِ تُضيئينَ البيتَ
وأَعْني: بيتَنا البابليَّ الشاسعَ
تُضيئنَهُ بدفئكِ وترانيمكِ
وأُمومَتِكِ الحانيةْ
وقطوفكِ الدانيةْ
حيثُ تحضنيننا أَنا
و”ايلاف واوراس ومصطوف”
بلا كَلَلٍ ولاضجرٍ
ولا تعَبٍ من الدوامِ المدرسي
وتربيةِ الأطفالِ الشاقةُ
والمشاغلِ البيتيةُ
وقهرِ الحروبِ
والحصارِ الاسود
*
وكنتِ وكنتِ وكنتِ
ولكنّكِ واآسفي عليكِ
في غربةِ المنفى الحزينِ
قد مَرضتِ وذبلتِ
ثُمَّ “يا بَعْد روحيتي” مُتِّ
*
أهذا كلُّ مايبقى من الجمالِ؟
أهذا كلُّ ما يبقى من الأنوثة؟
أهذا كلُّ ما يبقى من الأحلامْ؟
أهكذا ترحلينَ يا “إنعامْ”؟
*
أَنا بالأَمسِ …
وتحتَ نثيثِ المطرِ “الكندي”
وفي ذكرى رحيلِكِ الفاجعِ
كُنتُ قدْ زرتُكِ مضطرباً ومرتبكاً
وحينما دنوتُ من قبرِكِ
الذي هو الآن بيتُكِ الدافئُ الحنونْ
إحتضنتُهُ كما لو أَنني أَحضنُكِ
في ليالي العشقِ والتوقِ والجنونْ
ولحظتَها سمعتُكِ،
نعمْ سمعتُكِ يا “نوسُ”
أَخذتِ تهمسينَ لي
بتلكَ الأُغنيةِ التي كتبتُها لكِ
عندما كانتِ البلادُ والعبادُ
تنزفُ في حربٍ فاتكةٍ
وموتٍ مسعورٍ وطاغيةٍ أَحمقْ
ورحتِ أَنتِ تُدندنينَ بصوتكِ الشجي
شيئاً من كلماتِ أُغنيتنا القديمةِ:
” ياطائرَ الأقدارْ
خُذْني الى نوسي
أَطفالُنا والدارْ
كنزي وفردوسي”
ثُمَّ إختفى صوتُكِ الرهيف
ولكنَّ ضوءَ وجهِكِ البهيِّ
قَدْ لاحَ لي من خللِ الغيبِ
أَو من غيْهَبِ الغروبْ
فأَضاءَ مقبرةَ الغرباءِ
و ” اوتاوا ” الكئيبةْ
و” كندا ” الباردةْ
وأَضاءَ ظلامَ العالمْ
***
سعد جاسم