ا. د. قاسم حسين صالح
انتهت الحلقات التسعون من المسلسل اللبناني السوري (كريستال) المقتبس من دراما تركية بعنوان (حرب الورود) عرضت في موسمين بين عامي (2014 و 2016) وحظي بمشاهدات عالية.وكذلك حظي مسلسل (كريستال) بمشاهدة واسعة تأرجح فيها بين المرتبتين الأولى والثانية للأعمال الدرامية الأكثر مشاهدة، ليس في داخل البلدان العربية فقط بل والعرب ايضا في دول العالم.. جسّد اهم ادواره ممثلون لبنانيون وسوريون يتصدرهم: محمود نصر، باميلا الكيك، ستيفاني عطاالله، لين غرة، رولا حمادة، أنجو ريحان، خالد شباط،، إياد أبو الشامات، بلال مارتيني، علي سكر، وعلي فيمنه.. كتب له السيناريو والحوار كل من لبنى مشلح ومي حايك واخرجه الفنان التركي هاكان ارسلان.
ويرى بعض النقاد ان مسلسل “كريستال” تفوق غالبية نجومه في الأداء على المسلسل التركي “حرب الورود” وهو ما لم يتحقق في الكثير من التجارب العربية السابقة.
فكرة المسلسل
الفكرة او الثيمة الرئيسة في مسلسل كريستال هي (صراع حب) بين ثلاث شخصيات: مصممة أزياء شهيرة (عليا – باميلا الكيك)، وأبنة بستاني (في – ستيفاني)، وطبيب شاب وسيم وماهر في تخصصه (جواد- محمود نصر)، تجسّد ثلاثتها صراع الحب هذا بكل حالاته: عشق، غرام، حب من طرف واحد، كره، مكر، كيد… وانتقام.
يتوفى والد مصممة الأزياء (عليا)، فتعود الى الوطن لرعاية شقيقها المصاب بمرض عصبي عقلي (باسل- خالد شباط)، وتلتقي ثانية بصديق طفولتها وحبها الأول.. الطبيب جواد. ويحدث أن (في) ابنة الناطور وحارس (وحدقجي قصر عليا) تقع في حب جواد ايضا. وطبيعي ان نار الغيرة تشتعل في البطلة الثرية، وترى فيها اهانة ايضا اذ كيف لأبنة (حدقجي بيتها) وولية نعمة عائلته ان تقع في حب حبيبها.. والحبيب طبيب ايضا!.
غير ان ابنة البستاني (في) تتجرأ على تصعيد المنافسة وتنجح في جعل الطبيب جواد يحبها.. وتتعقد الأحداث، وتتعدد الشخصيات والأبطال الثانويين.. وحكايات وتفاصيل بعضها ادخل لغرض (التطويل).
افضل الممثلين اداءً
نرى ان افضل الممثلين اداءا في المسلسل هو الفنان السوري خالد شباط (باسل)، ولا يعني هذا انه افضلهم كفاءة في التمثيل، بل لأنه ادى ببراعة شخصية شاب مصاب بمتلازمة (اسبرغر)، وكان هو الوحيد بينهم الذي مثل دور شخصية مصاب باضطراب عقلي فيما الآخرون مثلوا ادوار شخصيات طبيعية.
وللتوضيح فان متلازمة أسبرجر، تعني في مصطلحات الطب النفسي: اضطرابا في النمو العصبي تتميز بصعوبات كبيرة في التفاعل الاجتماعي والتواصل غير اللفظي وتصرفات متكررة من السلوك والاهتمامات. و يعانى البالغون المصابون بها (مثل باسل) من مشاكل فى علاقاتهم الأسرية وحالات هوسية تقلق وتزعج من حوله. وعادة ما يكون الشخص الذى تم تشخيصه بمرض أسبرجر، غير سعيد عندما يكون بمفرده.
وأرجّح ان الممثل خالد شباط عايش حالات المصابين بمتلازمة اسبيرجر واضطراب التوحد الخفيف.. في احد مشافي دمشق او بيروت، لأتقانه ابرز اعراضها: صعوبة الكلام والحركات المتكررة و حالات الهوس.
وتميزت (باميلا الكيك – عليا) باداء متقن للشخصية الأرستقراطية في كبريائها وتفردها وذوقها الراقي في مظهرها الذي يجسّد دورها كمصممة ازياء ذكية طموحة، اذا وجدت تصميما لزي جميل.. اتقنت تنفيذه، وراحت تبحث عما هو اجمل. ويبدو ان باميلا وجدت في عليا ما يجسد حقيقتها من الداخل في جمالها وقوة وانفة شخصيتها وطيبتها وشطحاتها، ما جعل المتلقي يرى في عليا وكأنها باميلا.. فتوفر فيها شرط المصداقية الذي يعد اهم شرط سيكولوجي في الدراما.
واستطاعت باميلا تجسيد اهم حالتين سيكولوجيتين في ثيمة المسلسل (الحب).. حالة ضعفها امام جواد صديق صباها وحبيبها الأول يوم عاد من اميركا فوجدت ان حبه لها كان قد تحول الى حب لصديقة وليس حبيبة فيما هي كانت تريده ان يكون عشقا وغراما، فعاشت ضعف حالة الحب من طرف واحد. والحالة الثانية ان منافستها في حب حبيبها (جواد) ما كانت بمستواها اعتباريا وماديا، والأصعب انها ابنة (حدقجي بيتها!).
ولها ولباسل.. كان الدور الأكبر في متابعة المشاهدين للمسلسل.
فقدان الصدق السيكولوجي
الشرط الأهم في نجاح اي عمل درامي (مسلسل درامي، فلم سينمائي، مسرحية).. هو الصدق السيكولوجي.. ونعني به ان المتلقي يرى في الشخصيات التي يشاهدها انها موجودة في الواقع.. أولا، وان صفاتها العقلية والسلوكية والاجتماعية مطابقة لتركيبة الشخصية.. ثانيا.. وهذا لم يحصل في بطلي المسلسل (مي و جواد).
ستيفاني عطا الله. بطلة المسلسل (في) كانت هي السبب الأول في تحويل هذا العمل الى دراما مفتعلة.ولا يعود ذلك الى ادائها، فهي ممثلة قديرة، بل يعود الى تركيبة شخصيتها التي صاغها المؤلف. فهو منح فتاة من عائلة فقيرة(ابنة حارس وحدقجي) صغيرة في السن، لم تحصل على تحصيل دراسي عالي.. منحها موهبة فنية وذكاءا وحيلة و(شيطنة) وجرأة وتحديا تتفوق فيها على جميع ابطال المسلسل بمن فيهم مصمة ازياء شهيرة وولية نعمة عائلتها، وطبيب يدير اهم مستشفى في المنطقة.
محمود نصر. السبب الثاني.. ان المؤلف ارتكب الخطأ نفسه في صياغة تركيبة شخصية الطبيب (جواد فياض) الوسيم والثري بأن جعله يقع في حب ابنة البستاني الناطور(في) كما لو كان مراهقا.. بل جعله يعيش حالة هيام وكانه لا تو جد بالدنيا غير (في)، وجعل (في) تلعب به كما تريد لدرجة انه يترك عمله المهني كمدير مستشفى اذا طلبت منه ان ياتيها.. وياتيها في المكان الذي تريد.وتتلاعب به وبمشاعره كيف تشاء، ما جعل المتلقي يرى فيه انه لا يمكن ان يوجد طبيب يماثله في الواقع وان وجد فأنه يكون سفيها وليس بمواصفات شخصية طبيب.
وكان يمكن ان يشكل عامل اخفاق للمسلسل لو ان احدا غير (محمود نصر) قد اداه، لكن موهبة الفنان محمود وقيامه بادوار مماثلة لا سيما قيامه بدور طبيب نفسي في مسلسل (60 دقيقة)، اسهم في استمرار متابعة المشاهدين لحلقات المسلسل التسعين.
السبب الثالث الذي اسهم في تحويل مسلسل كريستال الى دراما مرتبكة مفتعلة يكمن في السيناريو باعتماده (متلازمة تكرار الصدف).فحيثما كانت هناك شخصيتان تتحدثان في خلوة عن شخصية ثالثة، واذا بك ترى هذه الشخصية (خاتلة) تسمع ما يدور بينهما عنها!
شخصيات.. غابت فجأة
يفاجأ المشاهد للمسلسل بممثلين ادوا ادوارا مهمة وغابوا دون سبب، في مقدمهتم الفنان السوري علي سكر الذي قام بدور الطبيب النفسي (عامر) وعمل على معالجة (باسل) وتحليل شخصيتي صديقه الطبيب جواد، وعليا التي احبها.. وغيّب دون سبب مع ان دخوله شكل اضافة نوعية للمسلسل.
والمأخذ الأخير (القاتل) هو.. نهايته، بان جعل الباطل ينتصر على الحق لحظة قرا المحامي وصية (باسل) التي اوصى بجميع ما يملك الى (في).. مع ان في لم تتزوجه عن حب بل عن قصد يخص عليا، وانها لم تعاشره كزوجة، وانها خانته بعلاقتها مع جواد.. فكانت نهاية غيرمنطقية تضاف لعدم منطقية الكثير من أحداث المسلسل.
لماذا اذن حقق كريستال نسبة مشاهدة عالية؟
تتلخص الأسباب في ان موضوع المسلسل هو (الحب) بكل حالاته، لأنه يجذب عامة الناس لاسيما الشباب.. الشريحة الأوسع في المجتمع، ولأن معناه الحقيقي قد تشوه او ضاع في زمن التكنولوجيا. وان الذي جسد هذه الحالات هم نجوم عربية كانوا رائعين في اداء ادوار بحوار صيغ بشكل راقي وعمد الى ان يكشف الكثير من اسرار الحب بلغة شفافة ومواقف رومانسية، بسيناريو كان كاتبه كعازف بيانو ماهر يتنقل (بايقاعات مختلفة) ليضمن متابعة المتلقي لحلقاته التسعين.. فاستحق (كريستال) العربي ان يتفوق على من اقتبسه.. (حرب الورود) التركي.
***
أ.د. قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية