تضمن خطاب رئيس مجلس الوزراء العراقي السيد الكاظمي يوم 27/07/2020 أربع نقاط مهمة:
** عدالة المظاهرات السلمية، باعتبارها حق من حقوق الشعب الثابتة التي لا يجوز التجاوز عليها أو التلاعب بها.
** إدانة قتل مُناضِليَن من قوى الانتفاضة وجرح العشرات من قبل قوات مكافحة الشغب وقوى الأمن الداخلي، وتحديد ثلاث أيام للكشف عن الملابسات والجناة.
** نقص الخدمات لاسيما الكهرباء، نتيجة لسياسات الحكومات السابقة التي أهملت هذا القطاع والخدمات والتي يسعى لتجاوزها.
** الوعد بإعلان قريب عن موعد الانتخابات المبكرة والتي قال عنها أنها ستكون حرة ونزيهة وعادلة!
هذه النقاط الأربعة بحاجة إلى مناقشة جادة ومسؤولة مع السيد مصطفى الكاظمي من جانب كل القوى الديمقراطية والشريفة في البلاد، لأنها تنطوي على مشكلات لا حصر لها والتي يمكنها أن تفجر الوضع السياسي العراقي كله ودفعة واحدة، تماماً كما انطلقت الانتفاضة الباسلة في الأول والخامس والعشرين من تشرين الأول عام 2019، إذ أصبح الشعب غير قادر على تحمل المزيد من الكوارث والمآسي والقتلى والجرحى والجوع والحرمان ولهيب الشمس المحرقة!
أولاً: لم يأت الكاظمي بجديد حين أشار إلى حق الشعب في التظاهر، كان هذا يردده الجزار عادل عبد المهدي أيضاً وهو يأمر بمواجهة المتظاهرين بالعنف المفرط الذي قاد إلى الكوارث المعروفة، بدلاً من أن يوفر الحماية للمتظاهرين ويمنع عنها ما كان يطلق عليه بالطرف الثالث، في حين لم يكن الطرف الثالث سوى الجزء المظلم من الدولة العراقية، الدولة العميقة المتشابكة مع أجزاء مهمة من الدولة الهشة. وبالتالي فلا يمكن أن تتحقق حماية المتظاهرين دون تنظيف جهاز مكافحة الشغب وقوى الأمن الداخلي ممن أُدخل إليها منذ سنوات كثيرة، ابتداءً من الفيلفوس المهووس الجعفري، ومروراً بالطائفي الموتور والعدواني نوري المالكي وانتهاءً بالجزار الخبيث والتابع الذليل عادل عبد المهدي. إنها الضرورة التي لا مناص منها للتيقن من ولاء هذه الأجهزة الأمنية للشعب العراقي وليس لغيره وللعراق وليس لإيران أو أي طرف آخر.
ثانياً: إن إدانة الكاظمي لقتل وجرح المتظاهرين تؤكد واحدة من مسألتين أو معاً:
1) إن رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة لا يمتلك السيطرة الفعلية على قواته المسلحة ولا يمتلك القرار بما ينبغي لها أن تقوم به، بل هناك من يتخذ عنه القرارات في مجال الأمن الداخلي، أو 2) أنه يضحك على ذقون الشعب كما فعل الجزار عادل عبد المهدي. وكلا الحالتين كارثية بما تحمله من عواقب، وإذ أميل للحالة الأولى، فأن هذا يعني إن عليه أن يرتب بيته الداخلي قبل أن ينقلب عليه، وكثيرة هي الشواهد التي تشير إلى مثل هذا الاحتمال! إنه لم يقنعنا حتى الآن بأنه قادر على اتخاذ القرار المناسب لصالح الشعب والوطن. وننتظر النتائج بشأن مقتل الشهيدين، في حين كنا ولا زلنا بانتظار نتائج التحقيق في قتل الشهيد هشام الهاشمي واختطاف وتغييب توفيق التميمي ومازن لطيف وغيرهما. أصاب بالدهشة والاستغراب حقاً حين أسمع المسؤول الأول عن المخابرات العراقية أنه لا يعرف من قتل ومن اختطف، ثم يشكل لجاناً لهذا الغرض، في حين أن الميليشيات الشيعية الطائفية المسلحة تجعر كالحمير: نحن من قوم بذلك، وبالرغم منك يا كاظمي ونحن نتحداك!! وهذا يظهر بوضوح في صواريخ الكاتيوشا التي أطلقت صوب المنطقة الخضراء وصوب معسكر التاجي، وهي ليست بعيدة عن ميليشيات كتاب حزب الله والنجباء وعصائب أهل الحق وكتلة “الكذابون” التابعة لها وبقية الميليشيات المتوحشة التابعة لإيران. كم أتمنى على الكاظمي وله أن لا يستغفل الشعب ولا نفسه، بل أن يضع اصبع على الجرح ويكاشف الشعب ليساعده، إن كان جاداً ومخلصاً لقضية الشعب والعراق، إذ لا يكفي أن نهتف يحيا العراق أبداً، بل أن نبرهن بأننا مع العراق فعلاً من خلال الأعمال وليس الأقوال الفارغة!
ثالثاً: لا يختلف أحد مع الكاظمي في أن قضية الخدمات، لاسيما الكهرباء، هي من عواقب نهج الحكومات السابقة وفسادها الكامل ونهبها للموارد وتجميدها لما هو مستورد من أجهزة ومعدات وتخريبها من أجل مساعدة إيران في استيراد الكهرباء منها ودفع مبالغ طائلة وبأسعار مرتفعة عن كل كيلو واط من الطاقة. ويصح هذا الموقف مع المنشآت الصناعية التي جمدت أو التخلي عن التصنيع لإغراق السوق المحلي بالسلع الإيرانية ومن ثم التركية! ولكن ما نختلف معه بشأنه هو عدم اتخاذه أي إجراء لمحاسبة الذين نهبوا الموارد المالية وتسببوا في كل ذلك وبعضهم الكثير لا يزال في العراق وبعضهم الآخر غادر العراق مع كل ما نهبه من مليارات وملايين الدولارات. هنا يصطدم الكاظمي بالموقف من الفاسدين والمفسدين، هنا يبدو عليه أنه يخشى جبروت هؤلاء المتلاحمين وقادة الميليشيات الطائفية المسلحة والأحزاب العراقية الحاكمة، شيعية كانت أم سنية. هنا يتعارض مع إرادة الشعب والانتفاضة التي تطالب بمحاسبة الفاسدين. ولو تم للشعب ذلك لأدرك بأن الكاظمي يسير في الدرب الصحيح وليس في درب “اغطيلك وتغطيلي”، درب الصد ما رد! فهل سنسمع من الكاظمي شيئاً آخر أم سيكون “كلام الليل يمحوه النهار!”.
رابعاً: تحدث الكاظمي عن واحدة من أهم مهمات حكومته، وهي أجراء انتخابات مبكرة والتي قال عنها أنه يريدها أن تكون “حرة ونزيهة وعادلة”. لا أدري هل السيد الكاظمي يتسم بالسذاجة إلى هذه الدرجة، أم يستغفل الشعب كله، بحيث يتوقع ان تكون الانتخابات القادمة حرة ونزيهة وعادلة! والسؤال ماذا فعل الكاظمي لكي تكون حرة ونزيهة وعادلة؟ ما هي الإجراءات التي اتخذها لكس ستوقع أن تكون كذلك؟ اليه أورد هنا بعض العوامل التي سوف لن تسمح للانتخابات القادمة المبكرة أن تكون حرة ونزيهة وعادلة:
** قانون الانتخابات المعدل، الذي طالب بإرساله إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليه، في حين ما زال القانون المعدل مشوهاً وبعيداً عن العدالة المنشودة من جانب الشعب، وهو يحتاج إلى تعديل جديد على وفق ما طالب به المنتفضون وليس الفاسدين من حكام وأحزاب العراق الإسلامية السياسية وما يماثلها ممن ارتضى المساومة واللعب على الصراع السني الشيعي العربي بدلاً من الوقوف إلى جانب مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتقدم العراق.
** لا تزال مفوضية الانتخابات المستقلة غير مستقلة، وهي ممثلة للأحزاب السياسية الحاكمة، لاسيما الإسلامية السياسية أم الكردية. وقد برهنت الانتخابات الماضية إن المفوضية كانت مشوهة ولعبت دوراً كبيرا في تشويه وتزييف إرادة الناخبات والناخبين، وأن التعديل الذي حصل عل المفوضية لم يبتعد عن إرادة القوى والأحزاب المستبدة والفاسدة في العراق كله.
** هل يتوقع الكاظمي أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وعادلة في ظل وجود الميليشيات الطائفية المسلحة وسيطرتها التامة على المناطق والمحلات وتوزيعه كحصص على هذه الميليشيات ودورها المطلق في قهر وإرهاب الناخبين والناخبات والتأثير على نتائج التصويت. ولا أشك قيد أنملة بأن الحشد الشعبي بقوامه الأساسي الراهن سيلعب نفس دور الميليشيات الطائفية المسلحة في صالح الأحزاب الإسلامية السياسية الفاسدة والحاكمة حتى الآن. فالقائد الفعلي لهذا الحشد ليس القائد العام للقوات المسلحة العراقية، بل خامنئي ووكيله السياسي في العراق نوري المالكي وطغمته الفاسدة. إن السلاح المنفلت في العراق لن يسمح بأن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وعادلة يا رئيس مجلس الوزراء.
** هل يتوقع الكاظمي أن تكون الانتخابات، كما أشار إليه في خطابه الأخير، في وقت يمتلك الفاسدون المليارات المسروقة من خزينة الدولة ومن إيرادات النفط المنهوب أو من العقود الفاسدة في الكهرباء وغيره ونهي العقارات، في وقت يعاني الشعب من البؤس والفاقة والحرمان، من الإملاق الفعلي الذي تجاوز نصف المجتمع. كل ملفات الفساد تحت تصرف رئيس جهاز المخابرات ورئيس وزراء والقائد العام للقوات المسلحة، ولكنه لم يجرأ على اتخاذ الخطوة اللازمة التي طالب بها الشعب: تقديم تلك الرؤوس العفنة إلى القضاء العراقي أو تشكيل محكمة خاصة ووضع قضاة على رأسها يتسمون بالنزاهة والصدقية والجرأة والإيمان بالشعب وعدالة قضاياه في مواجهة تهديدات الميليشيات الطائفية المسلحة وبقية قوى الدولة العميقة.
** هل يتوقع الكاظمي أن تكون الانتخابات حرة ولا يزال جمهرة كبيرة من شيوخ الدين تمارس دورها في دعم الفاسدين والدفاع عنهم والتزامهم وتخدير الشعب بدين شوهوه وزيفوه، لأنه لم يتخذ حتى الآن الخطوات الضرورية لردع الفاسدين مما يفسح في المجال لتسلطهم على رقاب البسطاء والطيبين من المؤمنين والمؤمنات!
نحن أمام لعبة قذرة لا يجوز السماح بمرورها، ولا بد لقوى الانتفاضة الشعبية أن ترى حقائق الواقع العراقي بعيون مفتوحة وفاحصة بشأن الوضع العام أو ما يتحدث به المسؤولون عن حكم العراق في المرحلة الراهنة، واقطاب الدولة العميقة المكشوفين للشعب كله.
يقول الكاظمي أنه لم يأت لتصفية حسابات أو الانتقام. ولكن من يريد ذلك؟ ليس الشعب من يريد الانتقام. الشعب يريد ويطالب بمحاسبة من عليه شبهة فساد، من أساء للشعب، من سلم العراق للدواعش، وأن يتم ذلك عبر محاكمات نزيهة وعادلة لا غير.
هل من انتخابات حرة ونزيهة في ظل الميليشيات والفاسدين؟
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا