المثقف
ـــــــــــ
في معرض كلامي سألني احد الأصدقاء , مالمقصود بالمثقف , فما كان مني إلا أن أقول له , بأني لا ادرك المعنى الحرفي لهذه الكلمة ولكني استطيع القول بان المثقف في ابسط تعريف له , هو ذلك الشخص الذي له معرفة ودراية بشيء من كل شيء , فهو قد يكون مطلعا بشيء من اللغة العربية وبعض من لغات اخرى ويكون مطلعا على علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات وامور مختلفة حتى السياسية والاقتصادية والدينية منها ( الأخذ من كل علم بطرف ) , وعلينا أن لاننسى الجوانب الأخلاقية والأجتماعية , ولو اجتمعت هذه الأمور في شخص ما , اظن أننا يمكن أن نطلق عليه اسم المثقف , أجابني بسؤال , وهل هذا يعني ان الشهادة ليست ضرورية للأنسان المثقف ؟ كررت عليه أجابتي أنني غير مخول بالأجابة على مثل هذه الأسئلة ورحم الله أمرءاً عرف قدر نفسه ولكني استطيع أن أقول ان الشهادة جزء من مكملات الثقافة وليس هي كما ينبغي من اعطائها صفة الأطلاق , فمدرسة الحياة جديرة بأن تنمي قابلية الفرد في مستوى التفكير , وتنمية اموره التي يتفاعل معها وبشكل يومي ومستمر , فتراه متجاوبا مع الأحداث اليومية التي تعتريه بشكل ايجابي ويتحلى بعامل الثقة في تصرفاته والتعامل مع الحدث , وهذا ما يفتقده كثير من الحاصلين على شهادات بالعلوم المختلفة بل قل حتى حاملو الشهادات العليا , الذين تراهم لايفقهون في نواحي الحياة المختلفة , وأحدثك عما جرى معي , وعليك ان تدرك هنا او تستشف المعنى الحقيقي للمثقف .
في حفلة لإحدى المناسبات في معسكرنا الواقع في منطقة غزيل ( شمال شرق البصرة ) انبرى أحد الجنود بتقديم فعالية امام المتجمهرين من منتسبي المعسكر , فسأل سؤالا علميا كان لنا شبه مفاجئة , لان هذا المنتسب لايعرف القراءة والكتابة , عدا كتابة اسمه وعلى حد قوله , بأن هذا ماتعلمه من مدرسة محو الأمية , وملخص هذا السؤال هو , لو كان لدينا كأس ماء ( گلاص ) مملوءة لغاية حافته العليا , فكيف نستطيع ان نأخذ منه نصف مقدار الماء والأبقاء على النصف الآخر مع الإفتراض بعدم وجود أي مقياس أو مكيال آخر لضبط الكمية , فلاذ الصمت وعم على وجوه المتجمهرين في ذلك الحفل , ولم يستطع احدنا على إجابته على الرغم من تواجد كثير من حملة الشهادات الجامعية في مختلف الأختصاصات , حينها تساءل , هل من مجيب أو يقوم هو بالإجابة , فتحمس الجميع لمعرفة الحل مباشرة , فعمد إلى أخذ كأس مملوءة بالماء وامالها جانبا وأخذ يسكب منها الماء الى أن وصل خط الماء واصلا مابين الحافة العليا لقاعدة الكأس والحافة السفلى لفوهة الكأس , وهو يقول , أنه بهذه الطريقة حصلنا على نصف كمية الماء بدون أي مقياس أو مكيال , فصفق له جميع المتواجدين ماعدا أحد الذين يدعي بأن له عقلية لاتصعب عليه مسألة إلا وكان هو أهلا لها , وهذا الرجل معروف لنا بنرجسيته العالية والمفروض مما تسبب في نفور بعض من أصدقائه , فتراه كثير المناقشة لسبب أو لآخر , مدققا ومستفسرا لكل شاردة و واردة , فقال .. بأن السؤال كان مبهما ولم يكن واضحا , وكان عليه أن يوضحه بصورة اكبر وأدق , حينها قلت له , لا يا أخي , كان السؤال واضحا كوضوح الشمس ساعة الظهيرة في صيف قائض , وعلينا أن نعترف بأننا لم نستطع من الإجابة لعدم إمكانيتنا في إعطاء الجواب الناجع , حينها ايدني جميع الحضور , وما أن انتهيت من كلامي حتى رأيت صديقي منبهرا من كلامي وقد بان تعجبه على محياه , فقلت له , هل أدركت الآن المعنى الحقيقي للمثقف ؟ حينها أجابني بنوع من التأني وهو يقول .. إذن الثقافة والمثقف لايمكن أن نرسم لهما اطارا محددا ؟ قلت له لنجعل النهايات سائبة في مفهومنا لمعنى الثقافة والمثقف , ولايمكننا تجييرها بزاوية محددة أو إطار محدد , وأن مفهوم الثقافة اشمل وأعم من أي تعريف .
ســــــــــعد عبدالوهاب طه
المثقف
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا