خاله مهجة والـ(voice note)
الدكتور صالح الطائي
(إضاءة بمناسبة تهكير مواقع التواصل)
بالأمس القريب كانت أمهاتنا وجداتنا يتواصلن مع صويحباتهن من خلال رفع العقيرة، حيث يصل الصوت إلى سابع جار وكأنه رسالة مشتركة أرسلت بدون عنوان لتحفز باقي الأمهات والجدات على المشاركة في الحديث والتفاعل مع الحدث، ومن كانت منهن بعيدة ولا يصلها الصوت، تحمل حاكية الهاتف الأرضي صباحا وتتصل بالتي هي الأقرب لها من غيرها، ويبدأ حديث الساعة الذي يبدو وكأنه لا نهاية له؛ لسرد الوقائع اللحظوية ابتداء من قصة قِدر البامية المطبوخ بضلوع الضأن، وصولا إلى طهور الملائكة لابن أم غانم الذي ولد قبل ساعات، وكنة بيت أم حمودي الوقحة التي لا تسمع نصائح أم زوجها، والشاي المغشوش، ووصول أقلام حُمرة شفاه جديدة إلى الأسواق، وربما يتحدثن عن التغيير الوزاري المحتمل.
لم تكن تلك الأصوات تسبب التلوث الضوضائي البيئي أبدا، ولم يكن استخدام الهاتف لساعة وساعتين يخرم طبلة الأذن مطلقا، بل كانا أدلة على عمق التواصل الروحي بين الناس، فانت تشعر بحميمية غريبة حينما تسمع صوت صديق يتصل بك مستفسرا عن أحوالك، وأنتِ تشعرين بالفرح حينما تسمعين صوت أمك تتصل بك مطمئنة عليك وعلى ولدك الرضيع، وأنت أيها الأب الشيخ العجوز تشعر أن تعب عمرك لم يضع هباء حينما تستمع إلى نبرات صوت ولدك المليئة بالحنان والتقدير وهو يسألك إن كنت محتاجا لأي شيء لكي يوفره لك.
إن ما يسبب الفجيعة ويخرم حبال المودة هو أن تضيع كل هذه العواطف ويختفي وهج نبرات الصوت خلف قناع (الرسائل النصية) الزائف؛ التي تحرم الآخر من الاستمتاع بالتفاعل مع شيء حي لا مع جماد أبكم لا روح فيه. فالعواطف حتى وهي في أشد حالات ضعفها لا تموت، وتبقى نابضة ما دام التفاعل المباشر موجودا والأيادي تتلامس بود، أما وسائل التواصل ذات الذراع الواحدة التي لا تجد أمامها يدا تتواصل معها، فتزحف بكسل نحو الأذن، وتسقط منها عند أبسط حركة، فهي عرضة للموت والزوال حتى على يد طفل صيني عابث، ومعها تموت جميع الرسائل النصية، وتخبو نار العواطف، ومعها أيضا تكثر الشماتة بشيء ظنه البعض خالدا فإذا هو ينهار نتيجة عبث طفل صغير.