كثيرة هي مآسي الشعب العراقي، جرائم ارتكبت بحقه ترتقي بالمقاييس الدولية الى جرائم الابادة الجماعية وجرائم ضد الانسانية، دون ان تكترث لها الحكومات العراقية او مؤسساتها ومنظماتها المختصة وتكتفي بتقديم تقارير وبيانات هزيلة تفتقر الى الوثائق والاحصائيات والادلة، مما اضاعت حقوق الضحايا و إفلات الجناة من العقاب.
في 3 آب 2014 حصلت جريمة إبادة في سنجار على يد منظمة ارهابية تسمى بتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) ودوى صداها كل ارجاء العالم وأقرتها دول وبرلمانات ومنظمات دولية بأنها جرائم إبادة جماعية بحق اتباع الديانة الإيزيدية وجرائم ضد الانسانية للإيزيديين، لم يأتي هذا الاقرار من العبث بل بجهود ناشطين مدنيين وحقوقيين تابعوا الصغيرة والكبيرة، وحاربوا الارهاب بدون سلاح او ذخيرة انهم جنود مجهولين سعوا وما زالوا يبذلون كل الجهود من اجل توثيق ما جرى على الاخوات والاخوة الإيزيديين تسجيل كل شيء بالصورة والصوت والدليل الدامغ. ومنذ الايام الأولى من الاحداث الى يومنا هذا والجهود مستمرة من متابعة المخطوفات والمخطوفين والناجيات والناجين منهم وكيف هي اوضاعهم وتسجيل كل دقائق الامور التي تعرضن لها المختطفات من اغتصاب وسبي وعنف جنسي وجسدي واهانات ومذلة ناهيك عن تجارة الرقيق، كانت هناك خطوة جريئة اعتمدها ناشطون معروفون وهم جنود مجهولون بتعريف العالم و فضح بشاعة الجرائم المرتكبة ان تتقدم الضحية بنفسها امام منابر دولية اممية تروي قصتها متجاوزة بذلك حاجز الحياء والتقاليد والتعتيم لأيمانها العميق بعدالة قضيتها وتحمل الدول والحكومات مسؤولية ايقاف هذه الوحشية والجرائم اللا انسانية وملاحقة الجناة ومن حرض ومول هذه الجماعات الارهابية ماديا واعلاميا وارهابيين.
واحد من هؤلاء الناشطين المعروفين والجنود المجهولين هو الصحفي والكاتب حسو هورمي من الاوائل الذين نذروا انفسهم منذ اليوم الاول من جريمة الإبادة ليومنا هذا في التوثيق وجمع الادلة وعرض قضية الإيزيدية في المحافل الدولية ومتابعة دورية مستمرة في تدوين كل ما هو جديد من احصائيات دقيقة عن عدد المختطفين والمفقودين والمحررين نساء ورجال، الاطفال اليتامى بكافة اوصافهم، توزيع الناجين على المخيمات اماكنهم اوضاعهم حجم احتياجاتهم، والكثير من المشاكل والتبعيات لمرحلة ما بعد تحرير سنجار، مما دفع الاستاذ حسو هورمي الى تأسيس المؤسسة الإيزيدية الدولية لمناهضة الابادة الجماعية مقرها هولندا وتعتبر هذه المؤسسة اول مؤسسة ايزيدية في العالم معتمدة في الامم المتحدة كجهة استشارية، لها حضور مستمر في اروقة الامم المتحدة في جنيف ونيويورك وفيينا .
كتب الاستاذ هورمي كتب كثيرة منها متعلقة بالقضايا القانونية والدولية واخرى بالامورالمتعلقة بأبناء وبنات الإيزيدية، وتفرغ الصحفي حسو هورمي الى اصدار كتاب يروي قصة فتاة إيزيدية نجت من هول جرائم داعش وعادت الى اهلها مثقلة بقيح الجراح آلامها هذا الكتاب عنوانه من ” أجل الحياة ” مع وجود عنوان فرعي للكتاب هو ( 312 يوما من الاسترقاق والعنف الجنسي في قبضة داعش – قصة الناجية حلا موسى ). حاول الكاتب هورمي فيما بعد ترجمة الكتاب الى سيناريو وفيلم وثائقي يحكي فيه واقع حال انتهاك الانسان والانسانية يصور المآسي و يوميات احدى ضحايا داعش فتاة إيزيدية في فلم وثائقي من انتاج قناة رووداو الكوردية 2020
باللغة الانكليزية، صورت فيه كل تعابير الالم والحزن التي حملتها الضحية ( حلا موسى ) الناجية من قبضة داعش الوحشية حيث اسرت عند تواجدها في منطقة سكنها الاصلي سنجار من قبل مجرمي تنظيم الدولة الاسلامية الارهابية، وثقت عدسات الكاميرا عمق جرح وعذاب هذه الفتاة، وصور الفلم في مواقع الجريمة وفي شهر آب حيث وقت الجريمة وحرارة الجو وذكريات الاجتياح في المناطق التي حدثت الجريمة فيها فعلا. اخذت الضحية حلا موسى تستعيد ذكرياتها في دار عبودية النساء للإيزيديات- في وسط مدينة الموصل، وتلعفر ومناطق اخرى، وايام متواصلة من الاستعباد الجنسي والإسترقاق والاهانات اليومية من قبل مجرمي داعش، ثم رحلة الهروب لحين وصولها الى بر الامان وكيف استقبلها المجتمع الإيزيدي الديني والاجتماعي واحتضانه لها و الناجيات جميعا وهن مكرمات بين اهاليهم. بكاء حلا موسى ملء شاشة الكاميرة كانت صرخة موجهة لكل العالم توثق هول وبشاعة الاحداث التي ارتكبها الجناة الداعشيون.
تنتهي اللقطات الاخيرة من الفلم الوثائقي الى وصول الفتاة الإيزيدية حلا موسى الى مطار دزلدوورف في المانيا حيث استقبلها حسو هورمي، بعد ان وفرت لها حكومة المانيا الاقامة وسكن آمن بعيدا عن الذكريات المتطرفة البشعة التي مارسها الارهابيون، في مدينة تستطيع فيها حلا موسى من التجول في طرقاتها دون خوف، تستطيع حلا ان تجد نفسها حرة طليقة، لكنها بعيدة عن موطنها الاصلي ولا أمل في العودة الى الديار, الى سنجار، وهذا حال غالبية الإيزيديين والإيزيديات الذين لا يتمكنون من العودة الى مناطق سكناهم الاصلية.. فلم تم عرضه في الذكرى السادسة للابادة ا الجماعية للإيزيديين في المانيا، لولا جائحة كوفيد 19 لتم عرض الفلم في الامم المتحدة والبرلمان الاوربي.
فلم وثائقي ترجم صورة من صور انتهاك الانسان والمرأة بصورة خاصة، ترجم عمق محاولات لإبادة اتباع ديانة متواجدة من قبل التاريخ , فيلم ابطاله من اتباع الديانة ومن الذين تحملوا الالم والاهانة, فلم يعزف انشودة النجاة من الموت المحتم .
جميل ومفيد ، ان تسعى مجموعات لتوثيق الابادة الجماعية للإيزيديين وبطرق مختلفة، اشخاص ناشطون في بحر حقوق الانسان وتضارب امواج الانتهاكات فيه ناشطات وناشطين دورهم تجاوز الكلام والبيان وصاغوا من المأساة كتب وروايات وحكايات وسلموها الى مؤسسات دولية، جهود خاصة وشخصية ، باحثين في قاعات برلمانات العالم والامم المتحدة عن مفقودات بعمر الورد أُجبرن على ترك الدين وفقدوا الهوية، هؤلاء الناشطون ليسوا بإعداد كبيرة ويؤشر لهم بالبنان واولهم عندي كان الصحفي الاستاذ حسو هورمي الناشط والجندي المجهول الصامت عن الالم والصارخ بعلو صوته عن الإيزيدية وهول القضية.
شكرا لهذا الكاتب الذي لم يكتفي فقط بطرق الابواب وكتابة وتوثيق الاحداث بل ذهب بعيدا دون ان يأبه للنجاح او الفشل، فقط أراد رسم الجرح ونزيف الجسد وصاغ سيناريو لفلم اراد به ان يصل الى الهدف، عبر اربعة و عشرين دقيقة اثارت اروع انواع البطولة والاستبسال والنضال من اجل توثيق إبادة دين وبلد.
واغرب ما في الموضوع اننا العراقيون لا نفكر بالجنود المجهولين ومن يعمل بصمت وبكثب، لا نفكر بالناشطين المجهولين العاملين من اجل حقوق قومية و دين و شعب، لا نرى بطولات هؤلاء لأننا من النوع الذي يؤمن بان مطربة الحي لا تطرب، ولكن على عكس ذلك بحث صحفيون اوروبيون ومن هولندا كي يكتبوا عن ناشطنا الجندي المجهول، حيث كتبت الصحفية الهولندية افيلينه زووربير Eveline Zuurbier في صحيفة هولندية اسمها De Achterhoeks Courant عن لقائها بالاستاذ حسو هورمي في سكنه وحوارها عن اعماله وكتبه، عن الابادة الجماعية والمؤسسة الإيزيدية الدولية التي يقودها وعن سيناريو هذا الفلم الوثائقي القصير، الذي اوصل فيه للعالم توثيق أبشع إبادة جماعية للإيزيدية، دون رتوش او مزايدات، نقل عمق العنصرية والشوفينية ضد الانسانية. هذا هو ديدن الصحافة الاوروبية الباحثة والمستقصية عن حقائق العاملين والناشطين لتقدم تقاريرا تشرح جهود الناشطين بصمت وبدون تأويل، يكتبون عن انتهاك الاعراض وحمامات الدم الإيزيدية, نعم العالم كتب عن ناشطنا الجندي المجهول حسو هورمي على جهوده من اجل الإيزيدية وللأسف نحن العراقيون مازلنا لا نعرف عن هذه الامور وربما بعضنا نسى القضية.
نكتب هذا في الذكرى السابعة للابادة الجماعية للإيزيديين فقد حان الوقت ان نكرم الناشطين والجنود المجهولين.