المحاور
1) العنصرية أحد أبرز اشكال التمييز في المجتمع البشري. (التمييز العنصري والتمييز القومي والتمييز العشائري والتمييز الديني والطائفي والتمييز ضد المرأة والتمييز ضد الطفل، والتمييز الاقتصادي والثقافي والبيئي..). [التراتبية الاجتماعية القديمة والحديثة].
2) مفهوم العنصرية القديم والحديث (العنصرية البيولوجية والعنصرية الثقافية (بين العبودية والتصفيات الجسدية “إبادة جماعية” وبين العزل والتمييز اليومي في الممارسة)
** العلاقة بين العنصرية والعزل العنصري والاستغلال الطبقي
** العلاقة بين العنصرية والعداء للأجانب
** العلاقة بين العنصرية والشوفينية
** العنصرية الثقافية والتمييز الثقافي
3) أدوات وسبل ممارسة العنصرية
** الدين والمذهب والتقاليد والعادات البالية والرؤية الذاتية لـلـ “أنا” وللـ “أخر”.
** إثارة الكراهية والأحقاد
** ممارسة العنف والحروب
** ممارسة الاستغلال الاجتماعي وفرص العمل والسكن
4) صيغ ظهور العنصرية في الواقع اليومي المعاش
** في القوانين والنظم الإدارية وممارسات الدولة،
** في المجتمع والأحزاب والقوى السياسية،
** وفي العلاقات الدولية والأمم المتحدة.
5) سبل وأدوات (آليات) مكافحة العنصرية في المجتمع البشري
**الآليات الوطنية والآليات الدولية
** وضع القوانين المطلوبة باتجاهين المنشطة لمفهوم الاعتراف والاحترام المتبادل والتسامح من جهة، والإجراءات العقابية لرفض بروز أي شكل من أشكال التمييز المتنوعة من جهة ثانية.
** دور منظمات المجتمع المدني الديمقراطية (جمعيات وأحزاب وقوى سياسية) في مواجهة العنصرية وأشكال التمييز الاجتماعي والسياسي واقتصادي والثقافي والبيئي.
** التثقيف والتوعية في مختلف مراحل الدراسة وفي المؤسسات والشركات والمعامل والحياة العامة في قضايا
حقوق الإنسان وحقوق القوميات وحقوق المرأة وحقوق الطفل.
** دور الفنون والرياضة في تكريس التفاهم والاحترام والاعتراف المتبادل والتسامح.
** الموقف من اللجوء واللاجئين والعداء للأجانب (الغرباء!).
يحاول المحاضر أن يربط بشكل مباشر بين النظرية والممارسة في عرضه للمادة أولاً، وكذلك الالتزام بتوزيع الوقت على المحاور الخمسة على النحو الآتي، بما يحقق التوازن المطلوب في العرض بين النظرية والممارسة ثانياً:
المحور الأول: 7 دقائق
المحور الثاني: 10 دقائق
المحور الثالث: 10 دقائق
المحاور الرابع: 10 دقائق
المحور الخامس: 8 دقائق
1) مفهوم العنصرية القديم والحديث
تشير الدراسات المتخصصة في تاريخ البشرية وتطور المجتمعات عبر التاريخ، وكذلك علم النفس وعلم النفس الاجتماعي-السياسي وعلم السياسة، إلى أن العنصرية لم تكن معروفة في العهود القديمة من تاريخ البشرية، بل كانت هناك ظاهرة التمييز بين البشر على أساس اجتماعي اقترنت بالحروب وتحويل الأسرى إلى عبيد، وبالتالي كان النظر إليهم يجسد نوعاً من العدوانية والكراهية والدونية واستغلالهم من جانب المنتصرين. لم ترتبط ظاهرة التمييز في بدايات ظهورها بما يسمى بالجنس أو العرق أو اللون أو اللغة أو أية مواصفات أخرى. إذ برزت هذه الرؤية التمييزية مثلاً في العراق القديم ومصر الفرعونية وكذلك لدى الرومان والإغريق. فعلى سبيل المثال اعتقد الفيلسوف الإغريقي ارسطوطاليس (384-322 ق.م.) خطأ وصاغ نظريته التي تقول: إن المجتمعات تقوم على أساس توزيع طبيعي تقرره الطبيعة، بين السادة والعبيد. فالإنسان يولد إما سيداً أو عبداً، وبالتالي فإن دور السادة وأحفادهم هو ممارسة السيادة، إلا إذا أساءوا التصرف بهذا الدور، أما العبيد فمحكوم عليهم البقاء كعبيد هم وأحفادهم. وفي هذه الحالة ايضا لم يكن لون البشرة أو شكل الشعر أو الفوارق في جسم الإنسان هي من الأسباب التي تجعل من الإنسان سيداً أو نبيلاً (الأرستقراطية الغنية) أو عبداً تابعاً خانعاً وخاضعاً. أي إن المنحدر “الطبيعي” منذ الولادة هو الذي يشكل السبب في ذلك التمييز وفي إعادة إنتاجه. وكانت هذه الحالة بالنسبة للعصور الماضية تستند إلى ثلاث ركائز أساسية هي: هيمنة السادة على الحكم أو السلطة، وعلى الثروة والنفوذ والجاه في المجتمع. ويمكن أن نلاحظ وجود ذلك في الحضارة البابلية أيضاً وارتبط بالحروب والأسرى واستخدامهم كعبيد لدي الحكام والكهنة والقادة العسكريين والأغنياء. ولم يحصل هذا مع اليهود الأسرى الذين جلبوا إلى بابل أو وزعوا في أنحاء بلاد ما بين النهرين، بل تركوا أحراراً يعملون في المجتمع كبقية أبناء وبنات بابل. لنتذكر هنا ثورة العبيد بقيادة سپاتاكوس 73 ق.م. مثلاً في روما.
ومنهم أخذت الديانات الإبراهيمية بشكل خاص هذه الرؤية، وأقدمها الديانة اليهودية قبل 4000 سنة، إذ لم تُحرِّم العبودية والعبيد بل أقرتها ومارسها الحكام والكهنة أو شيوخ الدين وقادة الجيش والأغنياء. يمكن متابعة ذلك في التوراة حين يقول عن اليهود “شعب الله المختار” أو في القرآن “كنتم خير أمة أخرجت للناس”. وبالنسبة للمسيحية يعتبر العهد القديم جزءاً من تراثهم الحضاري، وأخذوا به أيضاً مستفيدين منه في نشر الاستعمار الأوروبي في القارتين الأمريكية والأفريقية وكذلك في القارة الآسيوية وفي استراليا ونيوزيلندا. وقد وضعت في صيغة أبناء أدم وهم: سام وحام ويافت: يافت أبو الأوربيين البيض، وسام أبو الآسيويين، وحام أبو الأفارقة، ومحكوم على أبناء حام خدمة أبناء وأحفاد يافت وسام، ومحكوم على أبناء وأحفاد سام خدمة أبناء وأحفاد يافت أيضاً لأنهما ارتكبا أخطاءً فعاقبهم الله على ذلك!
العبودية مورست في الدولة الأموية والدولة العباسية والدولة العثمانية وعلينا أن نتذكر ثورة الزنج في العراق، وهم عبيد الأرض الذين قادهم علي بن محمد في الدولة العباسية في القرن التاسع الميلادي 869-883م.
العنصرية هي نظرة ذاتية دونية من شخص أو مجموعة بشرية إزاء شخص أو مجموعة أخرى من البشر، والعكس صحيح أيضاً حين ينظر الآخر إلى نفسه ك “أنا” إلى الآخر. فهي تحمل في طياتها رؤية متفوقة ضد الآخر مقابل ألـ “أنا”. فـ “أنا شخص فاضل ومفكر ومبدع وممتاز، في حين يعتبر ألـ “آخر”، شخصاً حقيراً ومستهلكاً لأفكار الآخرين ومتخلفاً. وعليه فأنا السيد وأنا الحاكم والقائد والموجه، أما الآخر فهو العبد أو المحكوم عليه بالعبودية والتبعية.
** وقبل الدخول في التفاصيل أود تأكيد أن كل دول الشرق الأوسط، وفي المقدمة منها إسرائيل وتركيا وإيران والسعودية وقطر وبقية دول الخليج تمارس التمييز بأشكال وصور متنوعة ومُذِلة للإنسان وكرامته وحقوقه المنصوص عليها دولياً وأحياناً كثيرة دستوريا في ذات البلدان. فإسرائيل لا تمارس العنصرية ضد العرب، بل وكذلك ضد اليهود الأفارقة وضد اليهود الآسيويين لاسيما اليهود العرب الذين قدموا إليها من الدول العربية، أي التمييز بين الأشكناز القادمين من أوروبا، واليهود السفارديم القادمين من إسبانيا والبرتغال، واليهود “المزراحيون” القادمين من الشرق الأوسط، إضافة إلى التمييز في التعامل مع شعب الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين.
2) العنصرية أحد أبرز اشكال التمييز في المجتمع البشري.
اعتمدت العنصرية طويلاً على الفوارق البيولوجية وعلى ما يسمى وهماً بالعرق وتعدد واختلاف الأعراق في القرون التي انتشرت الهيمنة الأوروبية واستعمارها لمناطق في أمريكا وأفريقيا، ومن ثم في آسيا ابتداءً من القرن الثامن عشر، في حين تعتمد اليوم على الفوارق الثقافية والحضارية بشكل خاص، رغم إنها تتبطن رؤية بيولوجية أيضاً، كما في العنصرية السائدة في الولايات المتحدة ضد من هم من أصل أفريقي أو من أصول آسيوية مثلاً.
العنصرية اذن هي أيديولوجية ونهج للتمييز بين البشر والتعامل غير المتساوي بينهم. إنها شكل من أشكال التمييز السيئة والقاتلة، إذ أن هناك أشكالاً أخرى مرتبطة به أو مستقلة عنه مثل التمييز إزاء المرأة، والتمييز إزاء الطفل أو التمييز على أساس الدين والمذهب أو على أساس القومية أو الحالة الاقتصادية، وكذلك التراتبيات الاجتماعية والأوضاع البيئية أو المثلية الجنسية…الخ. كما إن التمييز ضد الأجانب في جميع بلدان العالم وحيثما يظهر يحمل معه رؤية فيها شيء من العنصرية، رغم كونه يحمل معه عوامل أخرى منها اقتصادية واجتماعية وثقافية.
لكي يبرر الاستعمار السيطرة على الشعوب الأخرى واستغلالها أبشع استغلال ربط بين الهيمنة الأوروبية من جهة، وعللها بأيديولوجية دينية ورؤية عنصرية للبشر من جهة أخرى. وبالتالي يمكن أن نتابع ذلك فيما فعله الاستعمار الإسباني والبرتغالي والهولندي والأوروبي عموماً ومن ثم الاستعمار الإنكليزي لقارة أسيا والشرق الأوسط.
حين تسود العنصرية في مجتمعات بشرية يمكن أن تظهر بأشكال مختلفة تتخذ أبعاداً جديدة ومتشددة، كما في العزل العنصري، أي منع الاختلاط بين البيض والسود في الولايات المتحدة حتى عام 1964، كما في تنظيم (كو- كلوس- كلان) العنصري الإرهابي ضد السود والهنود الحمر)، وكذلك في جمهورية جنوب أفريقيا حتى قهر النظام العنصري كله في الفترة بين 1990-1993. كما تظهر في الكراهية القومية إزاء القوميات الأخرى على صيغة شوفينية أو ضيق أفق قومي، كما يتجلى في الاستغلال الطبقي الرأسمالي أو قبل ذاك صيغ الاستغلال الإقطاعي والعبودي.. إلخ. التمييز العنصري والتمييز القومي والتمييز العشائري والتمييز الديني والتمييز ضد المرأة والتمييز ضد الطفل، والتمييز الاقتصادي والثقافي والبيئي)، و[التراتبية الاجتماعية القديمة والحديثة]، وكذلك التمييز ضد الأجانب في بلد ما يمكن أن يشكل كل منها شكلاً من أشكال العنصرية، إضافة إلى كونه يحمل عوامل أخرى كالشعور بالمنافسة بالعمل والسكن والأجر والمعالجة الطبية والتقاعد، أو ضد أصحاب الحاجات الخاصة، أو المثليين.. إلخ، كما في الموقف من الأجانب في أوروبا.
3) أدوات وسبل ممارسة العنصرية
تستخدم القوى العنصرية أليات كثيرة لنشر العنصرية ممارستها على نطاق السلطة والمجتمع، منها: استخدام التراث والتركة القديمة، والشعور القومي لنشر الشوفينية إزاء الآخر، أو ضيق الأفق القومي، وكذلك نشر الكراهية والأحقاد واستخدام ما حصلت من حروب وصراعات، كما لاحظنا ذلك في الحرب العالمية الثانية كانتقام لنتائج الحرب العالمية الأولى والهيمنة على العالم من جانب ألمانيا على نحو خاص، وكذلك ما جرى أثناء الحرب العراقية الإيرانية من اتهامات متبادلة ذات مضمون عنصري أو مذهبي عمقت الفجوة الفكرية والسياسية والمذهبية في صفوف المجتمعين. وأبرز أدوات العنصرية يظهر في قيام الفئات الحاكمة بإصدار القوانين والنظم الإدارية والتعليمات المكتوبة وغير المكتوبة التي تساهم في تكريس التمييز العنصري بأشكاله المختلفة وجعله واقعاً معاشاً ومقبولاً: أمثلة الموقف من التوظيف لأتباع دين أو مذهب او قبول في الكليات العسكرية أو السلك الدبلوماسي.. أو تنشيط النكات ضد شعب آخر أو استخدام العنف والاغتيالات، وأبشع أشكاله هو العزل العنصري في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والقضاء، كما كان في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا وغيرها والتي بدأتها البرتغال وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. ويبرز ذلك في العلاقات الدولية حيث التمييز في التعامل مع الشعوب والدول.
4) صيغ ظهور العنصرية في الواقع اليومي المعاش
تظهر العنصرية في الواقع اليومي المعاش في المجتمعات التي مازالت تعاني من العنصرية بصيغ مختلفة تقترن بأدوات استخدامها. فمثلاً يمكن ملاحظة ذلك يومياً من خلال:
** التمييز في الحصول على مقعد دراسي أو بعثة أو وظيفة حكومية أو عمل في قطاع خاص أو على سكن؛
** التمييز الصارخ في مناطق السكن والبيئة المحلية لتلك المناطق ونوع الخدمات.. إلخ.
** التمييز في الانتماء للأحزاب القائمة في البلاد، سواء أكانت على أساس اللون أو القومية أو الدين أو المذهب أو الجنس. وليس بالضرورة ان تثبت في الدساتير بل بالممارسة العملية مثلاً.
** تحريم الدخول وعضوية النوادي أو المسارح والسينمات؛
** التمييز في إصدار الأحكام في المحاكم الجزائية أو غيرها. ويمكن هنا أيضاً أن تتنوع العوامل التي تقود إلى التمييز عملياً؛
** التمييز في الحصول على قروض مالية أو مساعدات ومعالجات صحية…
وكان التمييز والفصل العنصري في أبرز أشكال ظهوره في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا وفي نظام ناميبيا العنصري السابق حتى عام 1994، مثلاً منع جلوس السود في المواقع الأمامية للباصات العامة أو إذا صعدت بيضاء يجب أن تنهض السوداء من مكانها لها، أو منعهم من دخول المطاعم والمقاهي والاحتفالات الخاصة بالبيض… أو تنكيس الرأس عند الحديث مع أبيض… إلخ.
5) سبل وأدوات (آليات) مكافحة العنصرية في المجتمع البشري
** الآليات الوطنية والآليات الدولية
** على الدولة وضع القوانين المطلوبة باتجاهين المنشطة لمفهوم الاعتراف والاحترام المتبادل والتسامح من جهة، والإجراءات العقابية لرفض بروز أي شكل من أشكال التمييز المتنوعة من جهة ثانية. ومن بين أبرز أشكال التمييز إلى جانب العنصرية التي تعتمد على الأعراق خطأً، إذ لا أعراق في البشرية، هو التمييز ضد المرأة، التي تشكل نصف البشرية، ربما النصف الأكبر، وينبوع الحياة، تلك النظرة الذكورية الدونية والمتوجسة إزاء المرأة.
** دور منظمات المجتمع المدني الديمقراطية (جمعيات وأحزاب وقوى سياسية) في مواجهة العنصرية وأشكال التمييز الاجتماعي والسياسي واقتصادي والثقافي والبيئي.
** التربية والتعليم في المدارس والكليات والجامعات والتثقيف والتوعية في مختلف مراحل الدراسة وفي المؤسسات والشركات والمعامل والحياة العامة وفي الريف في قضايا حقوق الإنسان وحقوق القوميات وحقوق المرأة وحقوق الطفل ورفض العنصرية القائمة على لون البشرة أو شكل الشعر أو اللغة أو القومية أو الجنس أو إزاء ذوي الحاجات الخاصة.
** دور الفنون والرياضة في تكريس التفاهم والاحترام والاعتراف المتبادل والتسامح.
** الموقف من اللجوء واللاجئين والعداء للأجانب (الغرباء!).
** دور مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان الدولية في جنيف وكذلك منظمات حقوق الإنسان الإقليمية والوطنية.
** نشر اللوائح والوثائق الدولية الصادرة بشأن حقوق الإنسان الخاصة بمختلف أشكال التمييز منذ صدور اللائحة الدولية لحقوق الإنسان في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948 عن الأمم المتحدة.
** تنشيط محكمة حقوق الإنسان في هولندا بشأن القضايا التي ترتبط بالتمييز العنصري ومختلف أشكال التمييز الأخرى.