عندما تجتاح العقل نوبة من الكبرياء و يظن انه صانع للمعجزات و عندما تغمره الثقة المطلقة و تتدهور لديه جل الموازين يحسب انه المصدر الوحيد لخبايا المعرفة و المعيار الدقيق لكل تفاصيلها و الركن الذي تستند اليه جميع النظريات فيجنح بخياله الواسع إلى تحطيم الحواجز و العراقيل نافيا كل الصعوبات التي تعترض وجهة نظره مخترقا معظم التبريرات ليسبح ضد كل تيار يعترضه و ليركل جميع الاقتراحات التي يمن بها الآخرون فيكون له صك الإرادة العمياء و ليقوم باطاحة شرعية الأديان و يحكم عليها بأنها خرافة الأولين و قصص الغابرين مستدركا أن جمهور المشاعر إنما هي طفيليات تغيب في جوفها جملة من الحقائق و تلتوي في شعابها الكثير من المعنويات فتندك هذه بتلك و يقوم الاستهتار بتقزيمها و اعتقال كرامتها و تعتيمها بعد خوض معركة حامية لقطع جذورها العالقة بالفطرة البشرية والمتعمقة بين أجوفة الافئدة وشغافها وهكذا يتجلى ليدنو مراوغا اياها منتهكا عرضها مغتصبا لحريتها مستبدا بها متفاخرا وكأن لسان حاله يقول … اخمدي انفاسك واكتمي هتافك فأنا هنا سلطان الكائنات وملك الوجدانيات وصوت لجمال اللغات ..هيا انصرفي من مملكة الجسد فانت نبض لنهاية باردة كالصقيع أو رمادا منسيا …وتظل هذه القسوة والجفاء تمزق نياط السلم الذي يخالج هدوء المشاعر ويضرب كبرياءها بسوط الاحتقار والهتاف الركيك الذي يصدر عن صاحب السمو ..العقل ..
وتتعالى أوجاع هذه المكبوتة لتشق بها خطابه الجارح وتصرخ في كيان أعماقه بعتابها اللاذع وغضب تتطاير شظايا حرقته من بين أشداقها اذ تقول..
اخبرنا ايها العقل اذ تغشاك االحيرة .. ساعتها اين المفر ؟؟؟
وحين تغادرك الحيلة والدهاء وتتعطل اجتهاداتك في اي المارب تستقر ؟؟؟
وعندما تتخلى عنك حبال المعرفة وتهجرك الحكمة ويعجز فيك التدبير فتتجاهلك العبقرية وتتبخر فيك طاقة الادراك .. ترى هل من مرشد ياخذك لبر الامان ؟؟؟
واذا خانتك الذاكرة وهمت لطمس الخبايا فتقبر ماضيها في جب حاضرها وتطوي سجلات ضجيجها في غياهب السكون .. فكيف لك ايها العقل لتحضرها او تدنو منها لتجعلها في قرطاس سميك ..؟؟؟
ان ظاهرة الشمولية لا تزال تعنف الجانب اللطيف بغية الانفراد بالحكم واصدار القرارات مع تنفيذها دون ادلاء اي راي مخالف فهذه لا تخضع لقانون الوسطية الذي يجمع بين الافكار والنظريات والحدس العالق باعماق النفوس الذائبة في كنه ذاتها واذ نكاد نشمئز لهذه الظاهرة التي يقف فيها العقل على منبر القداسة ليقضم كل من حوله ويقزم كل الحركات التي تبوح بها خلجات المشاعر فيسارع بمقتها وخذلانها ليرمي بها عرض الحائط ويظل مهيمنا بكبريائه .