الـكـرة وكبوة الجواد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
آه من الأيام التي أزجت لي من آلامها وأنا مذعن لها طوعا لاخوفا من غرث أو غي على بقيعة اوجدني الله عليها لائذا من الأخباب ، لا يؤودني ركام القتاد الذي طالما حاول أن يحيفني الا ان القدر كان اقوى من كل الاحتمالات ، طيب القلب ودمث الاخلاق ولم أجنف يوما في تعاملاتي مع كل من لازمني الحياة ، هكذا عرفني عن قرب كل من عرفني ، عشت حياتي متأملا ومتقصيا أيامي في غدوها وآصالها حتى اذا ما اسدل الليل سدوله ولف الدنيا بقماطه الأظلم الدامس ممتطيا دورة الحياة ليسبت من على شتات الارض في دياجيرها المعتمة ، وفي الوقت ذاته كان هناك من بدأ يومه وانتهى بليله متأملا الحياة بشكل آخر ومختلفا تماما عن الآخرين ، فكان له النهار عتمة والليل قد اشرقت فيه الروح بعد يوم مرهق عانى فيه ما عانى من ارهاصات العمل .
عندما بدأت الحرب ، انقلبت موازين العباد ، أستشهد من استشهد ، وهاجر من هاجر قسرا أو طوعا ، وأسر من أسر ، و ويلات الحرب كثر ، منها ما أستطاع عباد الله عبورها الى شاطئ الأمان ومنها ما عشعشت في حناياهم وأغدقت فيها الى ان يقضي الله أمرا كان مفعولا . وهكذا كان لي نصيبب من اعشاش الحنايا غيرت مجرى حياتي وجعلتني احن ّ ُ حنينا لاينضب للماضي بعد أن اصبحت في خانة ذوي الأحتياجات الخاصة ، اثـّرت في ّ تأثيرا بالغا وأصبحت مقيدا بالمسير لمسافات محدودة ، بالكاد أقوى على أجتيازها بعد ان كان لي يوما هناك صولات وجولات في ممارسة الرياضة ، اذ كنت متميزا المعيا في وحدتي العسكرية مابين اقراني ونلت كثيرا من الأوسمة الرياضية نظير ذلك .
في منزلي يحاول ابنائي من لـَي عزيمتي في انجاز بعض المهام وانا لا أفتأ أن أعبر عن رفضي لأجتراح أعمالي لان فيها كل ماتبقى من حياتي حتى الفت ان في ممارستي لتلك الأعمال ، ديمومة لحياتي وسعادتي فيها ، وبالرغم من استيعابي لآهاتي ، إلا أن حياتي لم تخل من صروف الأيام وعقباتها .
ذات عصر ربيعي ، ناولني الخباز طلبي من الخبز بكيس احمله راجعا الى بيتي الذي يتطلب مني المرور بطرقات فرعية ، متمتعا بمناظر تلك الطرق متأملا ومتقصيا ما يصادفني من اصدقاء ، واحداث عابرة وحتى الأطفال وهم يمرحون هنا وهناك ، مضفين لجمال الحياة جمالا في تلك الازقة والطرقات ، فأذا بي في وسط جمهرة من الفتيان منطلقين فرحين بما جاد الله عليهم من صحة وعافية الأبدان وهم يركلون الكرة هنا وهناك ، وبين هذا وذاك ، وما ان اجتزت حدود ملعبهم الأفتراضي والمحدد ببعض الاحجار حتى سمعت احدهم يصيح .. الكرة .. الكرة ياعم ، التفت ورائي فاذا بالكرة تقترب مني وتحفني مبتعدة عني وانا غير مبد اي فعل لصدها تاركا اياها لتأخذ مكانها غير بعيد ، وكنتيجة لردة فعل الفتيان لاهمالي الكرة ، صرخ أحد الفتية موجها لومه وعتابه لي ، لعدم أكتراثي لصدها وتركها تتدحرج الى مكان بعيد ، وتيسير امرهم ، ولكنها لم تبتعد بشكل ملحوظ ، الا ان عامل الوقت كان مهما من وجهة نظرهم ، ورايت احدهم وهو نفس ذلك الفتى الذي طلب مني صدها يهرول مسرعا ومذعنا نحو الكرة وانا ما أزال واقفا متسمرا في مكاني مندهشا لردة فعل ذلك الفتى حتى مر بجانبي وانا اسمعه يتمتم بكلمات عتاب ولوم ، حينها ادركت اصابته بعتابه وهو لا يدري مافعله بي الزمان ، ولكن للضرورة أحكام ، فشمرت عن مكنوناتي وقلت له ، يابني ، هلا هدّأت من روعك لأخبرك بأن لي عذري والذي عنده حق عندي لايضام ، يابني لكي اصد الكرة واركلها بساقي اليمين يتطلب مني ان استند إلى ساقي الشمال ، وهذا مالا استطع عليه كباقي الأنام ، يابني لو علمت بحالي فانها ليست على مايرام ، كيف لي ان افعلها وساقي الشمال خشبية لاتقوى على الإستناد إليها ، فأنبهر وانبهر معه جميع الفتية وحدق بوجهي من بعيد تاركا الكرة لحالها في مستقرها واخذ يدنو نحوي رويدا رويدا بعد تسمره في مكانه لهول الصدمة غير المتوقعة وقد بان على محياه الخجل والانكسار النفسي قائلا بصوت ٍ خجول ٍ ومتقطع ٍ .. معذرة ياعم وراح منحنيا امامي لاتحسس يده تأخذ بيدي اليمنى وشفتاه تحاول ملامسة ظهر كفي وهذا ماجعلني اسحبها مربتا اياها على رأسه قائلا ً.. لابأس يابني ، انك بمثابة ابني او قل حفيدي لا فرق في ذلك ، ولكن عليك الاذعان الى العقل والبصيرة ولا تتعجل في طرح الاحكام واحسبها هفوة ولكل جواد كبوة .