فـي الماضـي القـريب وقبـل ان تـدخـل تكنلوجيـا المعلومات والانترنيت الى السوق الثقافي ، كان الكتــاب هــو المهيمـن على الثقافــة في العالم .. ولكـن ، بـعد دخـول هذا التطـور ، وبـعد ان غزت الاقراص المدمجـة والمواقـع الثقافيـة عبر الانترنـيت ، انحسـرت فرص اقـتناء الكـتب ، وتثـار حاليـا فـي الاوسـاط الثقافيـة عن طـغيــان التكنلوجيـا ، وضحـالة بعض مواد الثـقافـة المبثـوثـة عبر وسائط قـنوات الانترنيـت المختلفـة . والواقـع انـنـا كنـا متوجسـين خـيفـة من أن يكـون ( الكـتـاب ) قــد فـَـقـد جاذبيتــه ، وبالتـالي فقد دوره لدى الاجيـال الجديدة الباحثة عن المعـرفـة المـتأنـيـة المدروسـة ، والينـابيـع الحقيقية لمجالات الثـقافة المتـعددة .. ولقـد بلغ التشـاؤم بالبعض حـد الاتهـام المجحف للشـــباب بانصرافهـم عن الثقافـة العميقــة المتوافـرة الى ثـقـافـة التسـليـة ومـلء الفـراغ .
هـذا الموضـوع يـعيـد بي الذاكــرة الى سـتينيات القـرن الماضي عنـدما كان مدّرس اللغـة العربيـة يحثــنا على قـراءة القصص والروايـات العربـية منهـا والاجنبيـة المترجـمـة الى جانـب منـاهل الثقـافـة والابـداع الاخرى .. فـقرأنــا .. لنجيب محفوظ وطه حسين وجرجي زيـــــــدان والمنفلوطي .. الخ كما قـرأنا لمكسيم غوركي وفكتور هيجو وغيرهمـا . بـينما نـجـد أجـيال الثمانينيات وما بعدهـا ، نستطيع تسـميتها مجــازاً بأجـيـال الحـروب ، ابـتعدت عن قـراءة الكتـب الثـقافية بشكل ملحوظ ( وطبعا لا اقصد الجميع من هذا الاجيال بل الاغلبية ).
ومـن هنــا لا بـد مـن ايجـاد وسـيلة تـربويـة تجـعل من الناشـئة تـقـترب من الكتاب بـوسـائل الترغيب المتاحـة ، لإنـنـا إذا لــم نزرع مثـل هـذه الوسـائـل في نفـوس اولادنـا فسوف نرى بـيوت الاجيـال القـادمـة خـاليــة من الكتب الثقافيــة ، وإذا ما وجدت فانها ستكون من متممات ديــكورات المـنزل لا أكثر . بينـما ســنجد عـند مدخـل شأرع المـنبـي ( مثلا ) يافطـة معلقــة تشـير الى ان ( هـذا الشـارع الاثـــــري كـــان يـرتاده بـعض البطـرانين مـن آبـائنـا وأجـدادــا لـغرض قـل الوقـت ) .
ولكـي لا نكـون متـشـائمـين الى هذا الحـد ـ نقــول ان الكتـاب ما زال وسـوف يظـل هاجـس العقـول الراغبـة في الارتـواء مـن منابــــــع الثقافـة الحقيقيـة ، وهـذا يعني ايضاً ان الكتـاب هو غـذاء العقـل ، شـأنـه شأن رغيـف الخــبز وهو غذاء الجسم ، يـنبغي أن يتوفـر في كــــل مكان ليكون الحصـول عليـه ميسـوراً وبأسـعار تناسـب الجميــع والاغـراء بـه متاحـاً للناشـئة من الاجـيال الجـديدة ، ومقصـوداً لذات المعرفة وتوصيـل الخـبرات الواسـعة العميقـة بين أجيـال الكـتّـاب والمفكـرين والعلماء وبين أجيـال القــراء .
فاضل حسين الخفاجي