بالإمكان قولها وباختصار، مواقف مخزية، ليس فقط أمام الشعوب، بل مقارنة بأيدولوجيتها، ومبتذلة على منطق نظريتها الأممية سابقاً، وحقوق الشعوب حالياً. ففيما لو كانت قيادتها تحمل فتات من ثقافة النظرية التي تبنتها قرابة سبعين سنة، لوفقوا قليلا بين أيديولوجيتها واستراتيجيتها أو سياستها، على الأقل تجاه القضية الكوردية؛ ولما بلغ بأعلى دبلوماسييها سوية الابتذال في المواقف، مضحيا دون تأنيب ضمير بأمة من أجل ألا تتأذى مصالحها مع الدول الشمولية العنصرية؛ كدولة بشار الأسد المجرم، وتركيا الأردوغانية، بغض النظر عن منطق السياسة، فما تم تدرج ضمن مجرى الابتذال بمفاهيم الأمة الروسية ذاتها، الذين لهم تاريخ أسود مع تركيا العثمانية وعلى مدى قرون.
ومن جهة أخرى، لربما نخدع أنفسنا هنا، فبمراجعة للماضي، سنرى أن موقف سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا ليس غريباً، فقد كان الإتجار بالقضية الكوردية ومصير الأمة المعانية من الاحتلال العنصري حاضرا في جل علاقات كرملين الدبلوماسية مع دول المنطقة، ومن أجل ألا تتعرض مصالحها، وألا تظهر تداعيات تقلقها والدول المجاورة تغاضت، عن قضية خمسين مليون إنسان كوردي، وستتغاضى عن أقرب حلفائها فيما لو لاحظت أنها ستخسر البعض من مصالحها. ولربما نحن الكورد علينا أن نتعلم من هذه التجارب، لنميز بين القيم والأخلاق والسياسية، بين الحلفاء والأصدقاء والأعداء حسب الظروف والمصالح.
فتحذيره، يوم الإثنين الماضي من انفجار ” القضية الكوردية بسبب الإجراءات الأمريكية في سوريا، مشددا على ضرورة منع انتهاك وحدة أراضيها” مضيفاً حسب ما نشرته موقع روسيا اليوم، أن ” الأمريكيين يحاولون إنشاء حكم ذاتي كوردي في شمال سوريا، سيتمتع بصلاحيات مماثلة لسلطات دولة” و ” كما نعرف أنهم يسعون إلى إقناع الأتراك بألا يمانعوا ذلك” وتابع قائلا ” التلاعب بوحدة أراضي أي دولة انتهاك صارخ للقانون الدولي. وفي هذا الحال بالضبط، هذا الأمر لا يخص سوريا فقط، أنه ينطبق على القضية الكوردية التي قد تنفجر بقوة، ستبدو الأوضاع الحالية مقارنة معها أقل جدية بكثير” … منقول عن الموقع حرفياً.
نرجح أن هذا الكلام الاستفزازي، غير الدبلوماسي؛ تتمة ودعم لتصريح أردوغان والمتحدث الرسمي باسمه إبراهيم كالن، ليس حبا بأردوغان أو تركيا بل كرها بالوجود الأمريكي في شرق الفرات؛ حيث المنطقة الكوردية، وقد تكون: مقدمة لمقايضة مع تركيا، على جزء من المنطقة الكوردية، شرق الفرات، مشابهة لما تم على عفرين وغيرها من المدن الكوردية، حتى ولو كانت على مضض للطعن في الوجود الامريكي؟ كما وهي عمليا رسالة روسية لأمريكا، تخدم الدول المحتلة لكوردستان، وخاصة إيران وتركيا وسوريا على حساب القضية الكوردية، وهنا يحرك تركيا ثانية لمواجهة الحضور الأمريكي مع الكورد.
وأوضح الوزير أن القضية الكوردية تخص عددا كبيرا من دول الشرق الأوسط، محذرا: ” الدعوة الى الانفصالية بل تمريرها بشكل نشط قد تؤدي إلى تداعيات سيئة جدا. يجب الإشارة من جديد إلى أن هذا كله تقوم به دولة تقع بعيدة وراء المحيط، أما التداعيات فستتعامل معها دول المنطقة وأوروبا وكذلك نحن بأنفسنا لأننا قريبون من هذه الأرض” موقفه المعارض لقادم كوردي والتقرب من تركيا؛ وضحها بشكل جلي، خاصة عند عرضه كلمة الانفصالية والتي تبين أنه واقع تحت تأثير دعاية الدول المحتلة لكوردستان، فعلى مر السنوات وفي جميع أعلام الحراك الكوردية وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي للمجتمع الكوردي، يتم رفض منطق الانفصال، وبالمناسبة، الكلمة لها مخرجاتها، فمن من سيتم الانفصال، نحن نعاني من الاحتلال، وليس الإتحاد الإجباري أو الاختياري، مثلما كان يقال في زمن الإتحاد السوفيتي وتم انفصال الجمهوريات عن بعضها، لا شك هذه إشكالية تقع خارج مجال موضوعنا الحالي، لكنها للأسف ولربما على خلفية تكرارها أمام الوزير يتبين أنه تأثر بها، دون دراستها أو العودة إلى مصادره.
أين هي المشكلة، فيما لو قامت روسيا بحل القضية، وليس تغطيتها حفاظا على مصالح الدول المحتلة لكوردستان، فلو كانت عادلة مع مبادئها وقيمها لحملتها بما تتلاءم ومصالح المنطقة. وما دامت قضية قابلة للانفجار في أية لحظة، فعليها معالجتها وإقحام ذاتها على قدر مسؤوليتها في حماية المنطقة، كدولة كبرى، من التدخلات الأمريكية. فالقضاء على حقوق أمة ومنع الآخرين من المساعدة جريمة بحق الشعب الكوردي. فالتخلي عنهم والطلب من أمريكا بالمثل، والضغط على الكورد لقبول الواقع المزري، والعيش تحت احتلال دول دكتاتورية عنصرية، خيانة للنظرية والمواقف الإنسانية، بل انحطاط لاأخلاقي، فعلى الأغلب نابعة من ذهنية مبنية على الإتجار بالشعوب من أجل المصالح.
معارضته هنا تتبين أنه ضد إقامة النظام الفيدرالي المماثل للنظام الروسي، في الدول المحتلة لكوردستان، وكأنه غير مقتنع بنظام دولته ليكون مثالا للدول المجاورة، علما أنه كان أول من دفع بالكورد تبنيها قبل ما تتعامل دولته مع سلطة بشار الأسد، وقبل أن تفتح لهم أبواب أنقره، والتغيير 180 درجة في الموقف، تبين مدى ابتذالهم للقيم الإنسانية.
فمن المعروف أن روسيا من الدول الأكثر تمسكا بمصالحها وبإمكانها أن تتخلى عن جمهورياتها السابقة لهذه الغاية، وهي خير من تعلم العالم على أن السياسة هي المصالح، تنعدم القيم والأخلاق والنظريات والأيديولوجيات أمام المصالح. وتصريح بوتين الأخير حول ناكورنيا كارباغ، خير مثال، عندما قال إن “اتفاقية الدفاع المشترك ما بين روسيا الفيدرالية وجمهورية أرمينيا تخص جغرافية أرمينيا وحدها، ولا تتضمن مقاطعة ناكورنيا كارباغ ” وعلى الأغلب، هذه دلالة على عدم رغبة روسيا تعكير علاقاتها ومصالحها مع تركيا، والتي تخص الواقع السوري ومواجهة الناتو وأمريكا في شرق الفرات.