من البديهي ان يتراءى لترامب وامثاله، ان الابراهيمة قابلة للاستعمال من قبل من هم من صنفه، ولتامين اغراضهم الدنيئه ومايحلمون به، مع ان مايقومون به اليوم قد يكون مفيدا على صعيد اخر من حيث علاقة الشعب الأمريكي، اكثر الشعوب تعلقا بالابراهيميه واحتمالات تجددها وسط الازمه الروحيه الحادة المهيمنه على الأمريكيين الان(1)، الامر الذي سيجدون على الأرجح منفذا انقاذيا منه، مع تماسهم بتحولات الابراهيمه، ومتغيراتها الفعلية الحاصلة في الأرض التي انتجتها على مشارف بدء انبلاج الرؤية التحولية الكونية ونظريتها.
واذ يحدث هذا اليوم مع اقتراب صدور”قران العراق”، فان مسارات الرؤية التوحيدية عبر الدورتين الرافدينيتين، الأولى السومرية البابلية الابراهيمه، والثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، تصبح جاهزة للاكتمال بالدورة الحاليه الثالثه، وخلاصة وحصيلة منجزها الكوني الابراهيمي في الدورة الأولى، والانتظاري المهدوي في الثانيه، والذي ابطل النبوية الابراهيمه الأولى بعد ختامها على يد النبي الأخير محمد، يوم ذهبت الانتظارية الى إحالة مهمه التحقق الى دورة ثالثة، هي المعاشة اليوم منذ القرن السادس عشر،انطلاقا وبدءا من سومر الحديثة، كما هي العادة والقانون.
ان من مازالوا ياخذون بالابراهيمه النبوية، لايدركون بانها رؤية انتهت، وفقدت جدواها وضرورتها مع الدورة التاريخية العراقية الثانية، وقبيل انتهائها، وتجدد الابراهميه اماميا وقرمطيا وصولا الى الابطال، بإعلان “الانتظار” و “الغيبة” التي هي قرار بتأجيل مهمة التحول التي لم تكتمل أسبابها بعد، الى دورة قادمه، أي الى انتهاء الطور النبوي من الابراهيمه، وهو ماحصل اسطوريا في سامراء شمال بغداد، قبل الف عام تقريبا، بغض النظر عن طغيان “السلفية المهدوية الانتظارية” لاحقا، الامر المتوقع مادامت لحظة الانقلابيه التحولية العظمى، لم تتوفر أسباب انبلاجها بعد، فظل “المهدي” من حينه يصور تصويرا “نبويا” مقاربا ومشابها كحامل سيف، ومن سلالة النبي محمد كشرط، وكثائر مغيّر لاوضاع تكون وصلت الدرجه الاقصى من التعفن والظلم.
ليس الامريكيون كشعب، ولن يكونوا باية حال “مهدويين سلفيين”، غير انهم سوف لن يتاخروا عن التعرف على ذاتهم الضائعه بازاحة ثقل الغربوية ونموذجها الراسمالي الجشع، المهيمن على رؤيتهم لذاتهم، بحكم كونهم كيانية خارج التاريخ، لايتحقق وجودها ويكتمل، الا بعثورها على السر القابع في بداية التاريخ، حين يبدأ التاريخ الثاني، وينبلج فجر رؤية الانسان لذاته المدفونة في الانسايوان ومجتمعيته، فيدرك ان المجتمعات تكتمل بنيه واشتراطا بتحقق مايتجاوزها داخل بنيتها، على اعتبارها ظاهرة مؤقته وعابره الى مابعدها، وانها تتحقق ابتداء بحالة “تحول بنيوي” غير معمم واستثنائي مكانا، يظل غير قابل للتحقق بانتظار الوسيلة المادية للتحول، أي وسيلة الإنتاج التكنولوجيه بعد المصنعية، والتي تضطلع بها وبانتاجها المجتمعية الطبقية الاوربيه، وبعدها الامريكيه المفقسه خارج رحم التاريخ، أي ان المجتمعات تبدا تحوليه ازدواجيه، من مجتمع يتعذر تحسده ارضويا (2)يتخذ صيغة تحقق سماوي، واخر ارضوي ( إبراهيم مقابل حامورابي) في ارض الرافدين، وتنتهي تحولية قابله للتحقق التحولي، بعد توفر أسباب انتقالها المادي اثناء حقبة “التفارقية الرباعية”، التي هي حصيلة ونتاج الدورة الثانيه الرافدينيه العباسية، وصعودها عالميا، الامر الذي تمخض في نهايته عن تحفيز الانقلاب البرجوازي الالي على الطرف المتوسطي الغربي، الانشطاري الطبقي، المؤهل بعكس بنيه الازدواج المجتمعي الرافديني، لانتاج وسيلة التحول المادية الناقصة، والتي يظل مجتمع الازدواج الرافديني يسعى متشكلا في دورات، ذاهبا اليها ككمال له، ولحقبقة ونمط بنيته، والغرض المقصود منها، المودع فيها.
ليست البنيه الطبقية الاوربيه موجوده لكي تفضي الى “الاشتراكيه” او ” الشيوعيه” كما اعتقد ماركس متوهما تحت وطاة الاحتدام الطبقوي المصنعي، فهي قد صممت أصلا تحوليا لاجل أداء مهمة انتاج وسيلة التحول المادي، وهو الدور المنوط بها تاريخيا وبنيويا، بحيث انها وبمجرد ان تحقق الانتقال الالي تتوقف عن ان تظل “طبقية”، وتندرج من يومها بالافق التحولي، الذي يتمثل خارجها كممكن بصيغة كيانيه غير طبقية كينونة، هي تلك التي تنتمي ل”التفارقية الرباعيه” بجزئها اللاحق على الغرب الطبقي الصناعي، وهو مايعنيه اكتشاف القارة الجديده.
ينقسم التاريخ البشري الى تاريخ “الانسايوان” الذي يبدا باكتشاف الكتابه، يعقبة تاريخ ” الانسان” الذي يبدا مع “اكتشاف التحولية” التي هي “المهدي المنتظر” الباقي حيا، من دون ان يتمكن العقل من اكتشافه او يدرك منطوياته، ( ليس المهدي ماتكرسة الاعتقادات والروايات الأسطورية والسلفية الانتظارية ماقبل التحوليه عن شخص يظل حيا لاكثر من الف عام فالتحوليه القابعة في المجتمعية من دون ان يماط عنها اللثام عمرها يزيد على السبعة الاف عام باقية تتحدى العقل وترقيه) والاكتشافان عراقيان/ ارض رافدينيان، الولايات المتحدة لن تصبح ماهي وتلتقي بذاتها، الا بالاكتشاف الثاني، الذي يخرج المواضع المجتمعية من خصوصياتها المكانية والكيانية، ويوحد وجهتها خارج التمايزات الارضوية، كهدف لصيرورتها مابعد المجتمعية، وهو ماتبدا تباشيره الان، ومن هنا فصاعدا.
الغزو الاحتلالي التدميري الأمريكي للعراق بعد الحرب الأولى والحصار الأشد المضروب على دولة في التاريخ، لم يكن ليتحول الى حافز من شانه توليد ردة فعل عفوية أولا مثل ثورة العشرين،ومن ثم ايديلوديه كما كان عليه الحال ابان الاحتلال الإنكليزي، ومانتج عنه، وبفعل الياته الاستعمارية الاحتلاليه، من نوع “وطنية” محركها الازدواج الأوربي، وقاعدتها رفض الاحتلال، اليوم يذهب التاريخ بالمواجهة العراقوامريكيه نحو افاق انقلابيه من نوع ونمط تحولي، تدخل المعمورة معه زمن وتاريخ القسم الأخير من “التفارقية الرباعية”، المعبر والجسر الموصل الى التحولية، والى اكتمال اشراط الانتقال البشري الى مابعد مجتمعية، والى “الانسان” واليات ترقيه المنظور العقلي وتحرر العقل من الجسد،وعند هذا المنعطف الأكبر، يكون البلد، او الموضع المحتل بموقع من يقلب كينونة محتله، مدرجا إياه في المجرى التحولي الوشيك.
ليس للعالم ابتداء من الان ان يفبرك او يقيم مشاريع من نوع تلك التي يدعوها “ترامب” ب ” الابراهيميه” جهلا وتخلفا وانسلاخا عن الواقع، السائر قدما باتجاه الكوارثية الاقتصادية والاجتماعية، أي الى دخول المجتمعات البشرية عصر “العيش على حافة الفناء” بفعل الاختلال في المنتجيه، و الأسس المجتمعية الارضوية، وتناقض وسائل الإنتاج التكنولوجية مضمونا مع المنتجيه الارضوية المعتادة، وإصرار الطبقات الحاكمه والمالكه على عدم مغادرة مواقعها، والسعي الى تكريس المنتجية المختلة، القاتلة للإنسان والبيئة، الامر الذي سينتج نوعا من الحياة تتوالى ابانها الكوارث المختلفة، بينما تصير التحوليه مع الوقت حقيقة شبه اكراهية، تجبر الانسان على الانتقال الى مافوق ارضوية،كما في بداياته الأولى السومرية، والى ماينهى زمن المجتمعية الراهنه، ومختلف اشكالها، والافكار المتصلة بها. بينما يكون “قرآن العراق” قد سطع على المعمورة، وصار دالا على السراط المفضي الى مابعد مجتمعية، ومابعد ” انسايوان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) “شهدت الولايات المتحده تسارعا في تطور بدا في القرن التاسع عشر، فتوالدت جماعات دينية كثيرة، وعلى امتداد الثمانينات من القرن العشرين سعى معهد دراسة الدين الانمريكي institute for the study of amarecan releigion لاحصائها. وفي تقرير له نشر عام 1988 في موسوعة الأديان الامريكيه the Encyclopedia Amarican religion ، أشار الى وجود1586جماعه دينيه في الولايات المتحدة منها 700 سماها “غير تقليديه”non conventional بمعنى انه يتعذر تصنيفها مذاهب داخل الأديان التاريخيه المعروفة. ومن هذه الجماعات الفرق التي خرجت عن المسيحية وصارت مذاهب مستقله كالمورمون وشهود يهوه. ومنها الفرق الأصغر حجما التي تتميز بصرامة تنظيمها، وبتزعمها من قبل اشخاص يتمتعون بمواهب قيادية لافته تأخذ اتباعهم الى تصرفات مستغربه او اجراميه، كالانتحار الجماعي. ومنها أيضا المجموعات التي تحلقت حول معلمين ومشايخ طرق صوفيه وفدوا الى الولايات المتحدة بعد تزايد هجرة المسلمين والهندوسيين والبوذيين”/ طارق متري/ مدينه على جبل؟ عن الدين والسياسة في أمريكا/ دار النهار / بيروت 2004/ ص 32 .
(2) سبق في مقالات لنا ان تعرضنا لاسباب تعذر تجسد هذا النمط المجتمعي ارضويا وهو مايعود الى اشتراطات العيش على حافة الفناء السومرية الابتدائية.
تجديد المواجهة العراقوأمريكيه :-مهدويا-/4
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا