سليم مطر
الفصـل الرابـع
الاحيـاء الوطنـي والتاريـخ والديـن والتـراث
* التاريخ والتراث هل يمكن حقاً تناسيه؟
* الدين والروحانية ليس جهنم، والحداثة والالحاد ليست الجنة!!!
* التطرف العلماني والتطرف الاسلامي!
* حول موقفنا من الاسلام: أما ان نتجاهله ونتركه بيد الدجالين والمتعصبين،
أو نتصالح معه لنصلحه ونستفيد منه..
* الحضارة والتطور لا تتم بالعلم وحده، بل بالهوية الوطنية!
* ماهي أسس الحوار الشيعي ـ السني؟
* أصول التشيع قائمة على التصالح واحترام الخلفاء
* أكذوبة الصراع بين العلم والدين!
* شيطانية الاعلام الغربي الصهيوني ورغبته الوحشية بتشويه التاريخ العراقي!
* الرحمة بشعبنا أيها الباحثون في عقلية المجتمع العراقي
* خرافة نقاء الاصل القومي والعشائري!!
* كيف نعتز بأصالتنا العراقية دون أن نقع بالعنصرية!
* لنكتب تاريخنا بما يخدم وحدتنا الوطنية
* العقل الحداثي والنفس التراثية!
* لنجعل من عاشوراء نبراساً للكرامة والبطولة وليس يوماً لأهانة النفس وتجريح الجسد..
التاريخ والتراث هل يمكن حقاً تناسيه؟
للاسف لا زال هنالك الكثير من اليساريين، ورغم كل التجارب القاسية، يصرون على تكرار تلك المقولة المستحيلة والساذجة:
(يجب علينا تناسي الماضي والتاريخ، لأن كل مشاكلنا وصراعاتنا بسببه)!!
نعم إنهم يتناسون، إنهم يطلبون المستحيل:
هل يمكنك تخيل أن يقال لك: (تخلى عن ذاكرتك وأنسى كل ماضيك..)
كما نعرف إن هذا مستحيل، لأن كل افكار وخيالات وسلوكيات الحاضر تنبع وتستند على الماضي.
يكفي القول بأن لغتك وعاداتك ونفسيتك هي نتاج الماضي.
نعم فالحاضر هو نتاج الماضي، والماضي يعيش حياً في الحاضر، كما تعيش جينات وموروثات الاجداد في بدن الانسان.
فكيف إذن يمكن لمجتمع أن ينتزع ذاكرته ويتخلى عن ماضيه، ويمحي جينات أسلافه؟!
للاسف هذا ما كافح اليساريون طيلة أجيال وأجيال ليحققوه في العقل والثقافة العراقية، بأسم شعارهم الشهير: (انظر الى الماضي بغضب، وتوجه بعنفوان الى المستقبل)!!
وكانت النتيجة انهم بأسم التقدمية والمستقبلية ومكافحة التخلف والرجعية، نجحوا بأضعاف وتهشيم الهوية الوطنية.
وكانت الكارثة الاعظم ان (فراغ الهوية الوطنية والذاكرة المنسية) قد تم تعويضه من قبل الاحزاب الطائفية والقومية العنصرية بالعودة الى الماضي الطائفي والقومي بكل سلبياته وانعزاليته!!!
لهذا فأن (احياء هوية الامة العراقية) خلاصنا الوحيد!
إذا أردت أن تحطم أنسانا أو شعبا، فحطم فيه شعوره بكرامته وعزته بنفسه.
ـــــــــــــــــ
الدين والروحانية ليس جهنم،
والحداثة والالحاد ليست الجنة!!!
طالما نسمع هذا الخطاب التبسيطي الببغائي من قبل الحداثيين (اليساريين القوميين العلمانيين الليبراليين، الخ):
إن كل مشاكلنا وعذاباتنا أتت من الدين، وخلاصنا الوحيد وجنتنا الموعودة تكمن في تخلينا عن الدين والروحانية وتبني (العلمانية والالحاد).. ودائما يتم وصف الدين والروحانية بـ : رجعي متخلف متعصب سلفي طائفي متحجر……!!!!!
بكل بساطة: يكفي لمجتمعنا أن يعلن رفضه لكل ما هو روحاني وتراثي (رجعي متخلف!!) حتى تهبط علينا ملائكة الرحمة الغربية وتنقلنا بكل محبة وحنان الى ملكوت التقدم والتحضر والعقلانية والعلم والسلام والامان.. يعني متعة ورقص وفرح للصبح!!!
مشكلة هؤلاء الحداثيين التي كانت وما زالت منذ أكثر من قرن سبباً أساسياً في خرابنا العقلي والسياسي، انهم ينظرون بعين واحدة الى الحيـاة.. الى واقعنا نحن ومجتمعا.. بل قل انهم ينظرون بعين اوربية متعصبة ومتكبرة وساذجة وطفولية الى حد القرف، بصورة يخجل منها حتى المثقف الاوربي نفسه!!!!
أتمنى من أي حداثي أن يمنح نفسه بضعة دقائق ويغمض عينيه ويطرح على نفسه السؤال الضميري التالي:
منذ أكثر من قرن:
ـ غالبية الحروب العالمية والابادات المليونية والمجازر الجماعية والاستعمارات والعبوديات… هل مورست من قبل المتدينين أم الحداثيين؟؟؟!!!!!!
ـ هل المجازر بحق الملايين من الروس قامت بها الكنيسة الارثوذكسية أم الشيوعية الستالينية؟؟؟
ـ هل ابادة مليون كمبودي خلال بضعة أشهر على يد أخوتهم الكمبوديين، قامت بأسم البوذية أم الشيوعية؟؟؟
ـ هل الحربين العالميتين الاولى والثانية التي تم خلالها ابادة حوالي 100 مليون اوربي على يد اوربيين، قامت بأسم الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانية، أم بأسم الحداثيين (اليساريين والقوميين والليبراليين)؟؟؟
ـ هل استعباد حوالي 100 مليون أفريقي خلال عدة قرون وقتلهم مثل الكلاب في امريكا، تمت من قبل المسيحيين أم الليبراليين الحداثيين؟؟؟؟
ـ أخيراً، هل فرض الحصار على بلدنا وتسببه بالملايين من الضحايا، ثم اجتياحه وتدمير دولته وشحن الحرب الطائفية فيه وتشريد الملايين من خيرة ناسه، تمت بأسم الدين أم الحداثة والليبرالية؟؟؟؟
ـ ثم أخيراً وأخيراً، هل ان الطبقة الفاسدة العميلة المخربة الحاكمة لبلدنا، تتكون فقط فقط من المتدينين، أم ان حوالي نصفها من الحداثيين (ليبراليين وقومجية كرد وشيوعيين وغيرهم..).
ـ ثم أخيراً أخيراً أخيراً، هل ان هؤلاء الفاسدين قد تم جلبهم من قبل المتدينين السعوديين والايرانيين، أم من قبل الامريكيين العلمانيين الحداثيين العلميين التقدميين الحضاريين؟؟؟
نعم أخوتي الحداثيين، تواضعوا قليلاً وتنازلوا شوية عن عليائكم الحداثي وكبريائكم الديكي، وشغّلوا عقولكم بطرح الاسئلة الضميرية، بدلاً من الاحكام التعسفية الببغائية المستوردة بعلب فاسدة من أيام ستالين!
لا يفهم من كلامي أني على العكس، أعتبر الدين والروحانية وحدهما الخلاص.. فالدين له أيضاً جانبه السلبي وخطاياه وتعصبه وجرائمه ومذابحه..
إذن نحن مع نقد الاثنين، الحداثة والدين، من أجل موقف وسطي، يحترم محاسن وفوائد الاثنين، ويدين ويفضح مضرات الاثنين..
أي ما نسميه بـ (الوسطية)..
نعم اخوتي، من دون الثقافة الوسطية، التي تحترم الحداثة والاصالة، الماضي والمستقبل، الروحانية والعلمية، لن تقوم أية قائمة لأمتنا العراقية الجريحة..
التطرف العلماني والتطرف الاسلامي!
إن مشكلة العلمانيين العرب، إنهم يريدونها على الحاضر. أي أن تكون الدولة على (تفصالهم).
يريدون بلد مغسول بالأسفنيك والصابون والبنزين، ومكحل ومحمر ولابس سكاربيل!! أي علماني على آخر موضة فرنسية!!
ان دلال العلمانيين واليساريين ومطالبهم الساذجة الطائشة، تعبر عن احتقارهم وانقاطعهم عن الواقع بكل محاسنه ومساوئه، وعيشهم في فنتازية سينمائية اوربية لا توجد إلاّ في رؤوسهم.
لنراجع تجربة يساريينا وعلمانيينا (الماركسيين والقوميين والبعثيين) في العراق، فأن استعلائهم الحداثي وانقطاعهم عن الواقع واهمالهم للتاريخ واحتقارهم للتراث الروحي، كل هذا أدى بمجتمعنا العراقي الى هذه الوضعية الكارثية: هيمنة الطائفيين والسلفيين والارهابيين!!
إن الدين كأي ميراث ثقافي معرفي روحي، أشبه بالبدن، لا يمكنك أن تحتقره، بل عليك أن تعتني به وتريضه وتغذيه، وإلاّ فأن ميكروبات التعصب والتحجر هي التي تهيمن عليه وتصيبه بكل الامراض..
لهذا نحن نقول: ضرورة الواقعية واحترام الشعب وميراثاته الثقافية والروحية واقتحام الفضاء الديني بكل ما نمتلك من معارف حديثة، من اجل تطوير الدين وتطويعه الى ظروف العصر الحديث..
ليكف العلمانيين عن مطالبهم الغبية البطرانة بأن تحقق (الدولة!!) لهم العلمانية..
إن أقصى ما يمكن أن نطالب به الدولة هي الديمقراطية وحرية التعبير، أما الباقي فعلى العلمانيين أنفسهم الكفاح الشعبي الحقيقي من اجل تثقيف الجماهير وكسبها، مثلما يفعل السلفيون..
نعم إن الحل الوحيد، ليس محاربة المتدينين، بل الاستمرار بالكفاح الشعبي الثقافي من اجل كسب الجماهير وتوعيتها وبنفس الوقت الاشتغال الثقافي على الدين من أجل تطويره وتطويعه..
الحل الوسط!
هنالك خطيئة كبيرة ظلت تمارسها النخب الحداثية واليسارية العلمانية، تعتقد:
ـ ان تجاهل الاسلام واحتقاره والتثقيف بتخلفه وتعصبه، هي الطريقة الوحيدة للتخلص منه والحد من تأثيره على المجتمع!!
لكنهم لا يدركون بأنهم بسلوكهم هذا يقدمون أكبر خدمة للتطرف والتعصب الاسلامي.
فمن قوانين الحياة المعروفة: ان التطرف يخلق التطرف..
التطرف الديني يخلق التطرف العلماني، كما التطرف العلماني يخلق التطرف الديني..
لهذا فان سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حيث هيمنت الثقافة اليسارية والالحادية على المنطقة، كانت هي الاساس والسبب في قيام وتشجيع التيارات الدينية السلفية والمتطرفة في أعوام الثمانينات وما بعدها.
نعم ان التطرف الديني أتى كرد فعل طبيعي على التطرف الالحادي الماركسي المحتقر للدين. كل هذا لأنهم يتجاهلون هذه الحقيقة المهمة جداً جداً جداً:
ان اوربا احتاجت حوالي ثلاثة قرون من الكفاحات والحروب والثورات والجدالات العظمى، لكي تتمكن أخيراً في القرن العشرين أن تعزل الدين وتضعف الكنيسة.
أما جماعتنا الحداثيين وبكل طيبة وسذاجة، يعتقدون بأن تحييد الاسلام يتم بمجرد قرار حكومي أو برلماني!!!!!!!! تخيلوا يا له من كسل وبطر!!!
لهذا نحن نعتقد ان المطلوب هو التعقل والوسطية والواقعية.
بدلاً من العلمانية المتطرفة لنطالب بعلمانية معتدلة تحترم الدين وتعمل على دراسته وتطويره بدون تجريح واحتقار..
وبدلاً من الاسلام السلفي المنغلق، لنطالب بأسلام معتدل يؤمن بالتعددية والديمقراطية والحوار مع المختلف، على غرار الاسلام التركي الحاكم.. نعم الوسطية والعقلانية الواقعية هي الحل..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حول موقفنا من الاسلام:
أما أن نتجاهله ونتركه بيد الدجالين والمتعصبين
أو نتصالح معه لنصلحه ونستفيد منه..
كثيراً ما تلقينا تساؤلات واعتراضات من قبل بعض الاصدقاء والصديقات حول هذه النقطة الرابعة من المبادئ السبعة (لمشروع الاحياء الوطني العراقي):
((تشجيع تطوير ثقافة اسلامية عراقية ديمقراطية ووطنية منفتحة ورافضة للتعصب الطائفي والديني، لتكون عنصراً فعالاً وإيجابياً في هويتنا الوطنية)).
هم يظنون ان طرحنا هذا يعني تبني مشروعنا: لـ (موقفاً دينياً اسلامياً)!
لهذا فأننا نطرح التوضيح التالي:
إن هذه النقطة لا تعني أبداً (موقفاً دينياً عقائدياً) بل (موقفاً ثقافياً وطنياً) خارج الالتزام الديني.
فالمسألة بكل بساطة ان الدين الاسلامي موجود رغماً عنا، شأنا أم أبينا..
أي ان الاسلام، منذ 1400 عام هو جزء فعال وأساسي في هوية العراق والعراقيين، لأنه بكل بساطة دين أكثر من 90% من شعبنا.
ليس هنالك غير حلَّين!
إزاء هذه الحقيقة الواقعية، أمامنا حلَّين:
ـ أما أن نترك هذا الاسلام ونتجاهله، كما فعل ويفعل الشيوعيون والعلمانيون والقوميون (البعث)، خلال قرن بأكمله، بأسم التقدم والتحضر وأحتقار ونبذ وتجنب كل ما هو ( ديني وتقليدي وتراثي) لأنه (رجعي ومتخلف) ولا يؤدي إلاّ الى التعصب والطائفية.
وبعد قرن بأكمله من السيطرة الكاملة نخبوياً وحكومياً لهذه الثقافة الحداثية (المحتقرة والرافضة للدين)، هاهي النتيجة الكارثية نعيشها بكل فواجعها:
تركنا الاسلام يسيطر عليه المتعصبون والدجالون والطائفيون، الذين أشاعوا التخلف والفساد والطائفية والارهاب في بلادنا.
ـ أو ليس أمامنا إذن غير الحل الثاني: أن نبادر نحن الوطنيون وأصحاب الضمائر (بما فينا الملحدين وغير المسلمين)، الى مواجهة هذه الحقيقة والاعتراف بأن الاسلام موجود في شعبنا وفي ثقافتنا وفي تقاليدنا وفي عقليتنا وفي حياتنا اليومية، رغماً عنا، شأنا أم أبينا. أي هو جزء فعّال وحيوي وأساسي وحاسم في هويتنا الوطنية. ويعيشه ويواجهه يومياً، ليس المؤمنين به، بل حتى الملحدين وغير المسلمين.
إذن المطلوب منا، ليس تجاهله والانسحاب المتبطر والمتعالي والمتصابي من المعركة، بل قبول الامر الواقع، والعمل بكل ما نستطيع على فضح الاتجاهات المتعصبة والظلامية، وتشجيع الاتجاهات الوطنية والديمقراطية والانسانية..
نعم الاسلام، سلاح… كنز، قوى روحية ونفسية وثقافية هائلة..
أما أن نتجاهله ونتركه لأعدائنا، أو نعترف به ونحترمه ونتصالح معه ونصلحه لكي نستخدمه لصالح شعبنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الحضارة والتطور لا تتم بالعلم وحده، بل بالهوية الوطنية!
هنالك فكرة خاطئة جداً أشاعها الحداثيون واليساريون منذ أجيال وحتى الآن:
إن الحداثة والتطور تعني قبل كل شيء التخلص من الماضي واحتقار التاريخ والتراث والعقائد الدينية والتقاليد الشعبية، لأنها كلها خزعبلات رجعية متخلفة لا تسبب لنا غيرالفرقة والخلافات.. نعم منذ أجيال وحتى الآن وهم يقولون: التوجه الى المستقبل لا يتم إلاّ بالتخلص من الماضي!!!!
لكن تجارب التطور في اوربا وامريكا تقول لنا الحقيقة التالية:
ان التطور التكنولوجي والصناعي لم يحصل فقط بالمهندسين والعلماء، بل سبقه وصاحبه تطور ثقافي كبير جداً. فالامريكي والاوربي قبل كل شيء يعتز بهويته الوطنية وثقافته الاصلية، وبتراث شعبه وتقاليده وفلكلوره الوطني. فهل نسينا مثلاً أفلام الكاوبوي التي تمجد بطولات راعي البقر الامريكي!
كل بلدة في امريكا واوربا أجريت البحوث ورسائل الدكتوراه عن تقاليدها وثقافتها الشعبية والدينية، وبنيت المتاحف لها وأسست الفرق الموسيقية والمؤسسات الخاصة بالعناية بهويتها المحلية.
فالانسان الغربي يقدس علمه الوطني ويضحي بحياته من أجل حدوده، ويقف إجلالاً عندما يسمع نشيد بلاده. وهم يحتفلون بأعياد الميلاد ورأس السنة.
يكفي التذكير ان غالبية أعلام الدولة والمدن الاوربية تحمل صورة الصليب. وفي سويسرا مثلاً، هنالك 12 يوم عطلة رسمية تتعلق بالسيد المسيح: ميلاده، وصلبه، وصعوده، وهبوطه، ووووالخ.
نعم ان الانسان، مهما تطور وتعلم لا يمكنه أبداً أن يعيش فقط على الاقتصاد والمكائن والمختبرات العلمية..
الانسان مهما تطور وتعلم، يبقى قبل كل شيء كائن نفسي ثقافي روحي مشاعري يعيش على الرموز والطقوس والعادات، وقيم الكرامة والاعتزاز بالذات الفردية والجماعية.
نعم ان التطور التكنولوجي والصناعي والعلمي، لا يتم إلاّ بتطور الروح الوطنية والاعتزاز بالاصل والثقافة الشعبية والدينية.
هذا لا يعني أبداً تقديس الماضي الحضاري والديني والتراثي، بل يعني الاعتراف به واحترامه ودراسته لتطويره وإعادة استخدامه بصورة ملائمة لحاجات الشعب وظروف العصر..
نعم نحن مع تطوير الماضي الوطني، كل الماضي، ولجميع الطوائف والقوميات والمناطق، وليس احتقاره وتناسيه، كما يريده الحداثيون واليساريون..
وهذا بالضبط ما نعنية بـ : احيــــــاء الهويــــة الوطنيـــــة العراقيـــــة..
ماهـي أسـس الحـوار الشيعـي ـ السـني
غالبية الذين يتحدثون عن ضرورة الحوار والتقارب الشيعي ـ السني، يعتقدون ان الغاية هي أن تلغى الفروقات ذات يوم ويندمج الشيعة والسنة في طائفة واحدة!!
بأعتقادنا ان هذا مستحيل. فحتى بالنسبة للمسيحيين الغربيين بطوائفهم المختلفة: بروتستانية وكاثوليكية وارثوذكسية، ورغم كل روح الحوار والديمقراطية والبحث بين رجال الدين والمثقفين العلمانيين معهم، بالاضافة الى ما لا يحصى من المؤسسات الضخمة المتخصصة بتشجيع التقارب والحوار، إلاّ أن هذا لم يمنع بأن تبقى الطوائف متميزة عن بعضها كما هي منذ قرون، فهنالك دائماً البروتستان والكاثوليك والارثوذكس!
إن الحوار ليست غايته الغاء الفروق بين طرفين، بل غايته الناجحة والمعقولة، خلق قوة ثالثة وسطية من أبناء الطرفين، لتلعب دوراً توسطياً وتقاربياً يخفف من حدة الخلاف والتصادم بين الطرفين.
يعني، لنأخذ مثال (الحزب الديمقراطي المسيحي الالماني)، إن هذا الحزب، الذي نشأ كاثوليكياً في أول الامر في عشرينات القرن الماضي، تحول مع الزمن الى حزب كاثوليكي بروتستاني يجمع بين طائفتي المسيحية الالمانية. ان هذا الحزب لعب ولا زال يلعب دوراً حاسماً في تعزيز وحدة المجتمع الالماني، ووسيط فعال بين هاتين الطائفتين المسيحيتين المتنافستين تاريخياً.
نفس الحال بالنسبة لحزب العدالة (الاسلامي) الحاكم في تركيا، والذي بأعتراف المراقبين، راح يلعب دوراً كبيراً بالتقريب بين الفرقاء في المجتمع التركي: (السنة ـ العلوية / الاتراك ـ الاكراد ـ العرب)، باعتبار الجميع مسلمين، والاسلام العقلاني المعتدل يمكن أن يكون وسيطاً مقبولاً للحوار بين الجميع، رغم الفروق المذهبية والعرقية.
بصورة أوضح نقول، ان النخب الثقافية والسياسية، بدل أن تكون هي جزءاً من عملية الانقسام الطائفي والعرقي التاريخي في المجتمع، عليها أن تكون العكس، أي قوة ثالثة يجتمع فيها الفرقاء، بأعتبار أن مصلحة الوطن وحياة الناس وسلامتهم، هي المدخل والاساس لمصلحة وسلامة كل طوائف وقوميات الوطن.
المطلوب
إننا نسجل هنا بعض المقترحات المتداولة من أجل تشجيع الحوار السني – الشيعي وخلق قوة ثقافية شعبية ثالثة تكون جسراً حوارياً بين الطائفتين:
أولا: تشكيل مركز رسمي يمول حكومياً ومدنياً بأسم (مركز الحوار الاسلامي العراقي)، تتمثل فيه عناصر دينية ومثقفة من أبناء الطائفتين، تجتمع وتتداول وتعقد المؤتمرات وتتصل وتقترح ولها حضور استشاري في البرلمان العراقي وفي مجلس الوزراء.
وتكون واحدة من أهم مهمات وفعاليات هذا المركز، التنسيق مع الفعاليات الدينية للطائفتين، من أجل الاتفاق على تواريخ واحدة للاعياد والمناسبات الاسلامية، ومحاولة اظهار وابراز المناسبات الدينية المشتركة مثل رمضان والحج والمولد النبوي، بل العمل على تشجيع اشتراك الطائفتين في المناسبات الخاصة بالطائفة الواحدة، مثل عاشوراء.
ثانيا: اصدار مجلة بحثية دورية يشترك فيها نخبة من المثقفين المعنيين غايتها نشر الدراسات والمواضيع التي تعرف بكل الشؤون المذهبية والحضارية والتاريخية للاسلام العراقي.
ثالثا: تشكيل لجنة مختصة من الطائفتين، للاتفاق على المناهج المدرسية المتعلقة بالتاريخ الاسلامي والدين، لكل المراحل الدراسية، غايتها تشجيح وابراز ثقافة التقارب والروح الوطنية العراقية الجامعة. والتأكيد على جعل كليات الشريعة في الجامعات العراقية، تلعب دوراً دراسياً وبحثياً في تدريس المذاهب الاسلامية والتقريب بينها.
لمزيد من المعلومات طالع عددي مجلتنا ميزوبوتاميا:
http://www.mesopot.com/old/adad12/4.htm
ttp://www.mesopot.com/old/adad12/fahrest12.htm
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصول التشيع قائمة
على التصالح واحترام الخلفاء
من يراجع تاريخ التشيع الحقيقي، المتمثل برموز التشيع وأئمته، يجد ما لا يحصى من الامثلة التي تؤكد على احترام الصحابة والاعتراف بالخلفاء الراشدين..
• هل تعلم أن من أسماء أبناء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أبا بكر وعمر وعثمان وباقي الأئمة تسموا بأسماء الخلفاء الراشدين.
راجع كتاب ( إعلام الورى ) للطبرسي صفحة 203 . وكتاب ( كشف الغمة في معرفة الأئمة ) للاربلي 2 / 90 ، 217
• هل تعلم أن أمير المؤمنين علي (ع) قال : (أما بعد لقـد بايعني الـقوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماماً كان ذلك لله رضا، فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على إتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاة الله ما تولى).
راجع كتاب ( نهج البلاغة ) تحقيق محمد عبده صفحة 542 تحقيق محمد عبده
• هل تعلم أن الحسن والحسين (ع) : فقد سمى كل واحد منهم أولاده بأبي بكر وعمر.
راجع كتاب (إعلام الورى) للطبرسي صفحة 213 ، وكتاب (مقاتل الطالبيي للأصفهاني) ص 92
• هل تعلم أن على زين العابدين بن الحسين (ع) : قد سمى ابنته بعائشة.
((راجع كتاب ( كشف الغمة ) 2 / 334((
• هل تعلم أن الامام جعفر الصادق بن محمد (ع) قال : ولدني أبو بكر مرتين وسمى ابنته بعائشة .
(راجع كتاب ( كشف الغمة ) 2 / 373)
• هل تعلم أن موسى الكاظم بن جعفر (ع) سمى ولده بأبي بكر وابنته بعائشة.
(راجع كتاب ( كشف الغمة في معرفة الأئمة) 2 / 90 و217(
• هل تعلم أن علي الهادي بن محمد (ع) سمى ابنته بعائشة.
راجع كتاب ( كشف الغمة )2 /334 ، وكتاب ( الفصول المهمة ) صفحة 283
ــــــــــــــــــــــــــــ
أكذوبة الصراع بين العلم والدين!
سخرية الاوربيين من ديانة الزنوج، ثم سخرية الزنوج من ديانة الاوربيين!!!
إن أية مطالعة سريعة لتاريخ البشرية نكتشف مدى سذاجة الادعاء بوجود صراع بين (العلم والدين)!
خلال جميع الحضارات، منذ سومر ومصر واليونان والصين والهند وبغداد حتى قبل قرن، كان هنالك تعايش وتعاون بين العلم والدين؟
هل نسينا انه في جميع الحضارات، كان الدين موجوداً بجانب العلم؟
هل نسينا ان 90% من علماء تاريخ البشرية هم مؤمنين بالدين حتى دارون وانشتاين كانا مؤمنان بالله..
ان هذا الصراع بين الدين والعلم هو بالحقيقة قد اصطنعته الحضارة الغربية الحديثة بسبب موقف الكنيسة من الحداثة والتحرر الليبرالي.
أي انه كان صراعا سياسيا بين الكنيسة المناصرة للنظام القديم والليبرالية المناصرة للتغيير، وليس صراعاً بين العلم والدين. فتحول مع الزمن الى صراع بين ملحدين معادين للدين ومتدينين متعصبين معادين للتطور..
لنراجع التاريخ يا أخوتي ولا نستعجل بتبني الطروحات الماركسية التبسيطية المجافية للواقع. فهل يمكن مثلاً القول ان ايران والسعودية وباكستان واندونيسيا وتركيا متخلفة علمياً وتقنياً بسبب الدين؟! إن التعصب الديني ليس موجهاً ضد العلم بل ضد التحول الاجتماعي والثقافي..
بل ان السنوات الاخيرة قد قاربت عقائدياً بين الدين والعلم. فها هو العلم المادي يتعرض يوماً بعد يوم الى تأثير روحاني وتشكيك كبير بحدود المادة، خصوصاً من خلال (الفيزياء الكمية) التي أثبتت ان هنالك ما يسمى بـ (الثقوب السوداء) التي تبتلع كل ما هو مادي وتلغي وجوده. كذلك فكرة لا محدودية الكون. حتى فكرة (بنغ بانغ، اي الانفجار الكبير) التي كان يقال انها بداية الكون، هنالك الكثير من العلماء يقولون انها بالحقيقة ليست بداية الكون بل هي بداية الفصل الحالي من الكون، وهنالك فصول سابقة من الوجود الكوني نجهل وجودها.. فالكون إذن غير منتهي، لا ماضياً ولا مستقبلاً، لا مكانياً ولا زمانياً.
بالاضافة الى ان هنا في اوربا وامريكا عودة كبيرة الى الروحانيات والعلاجات البديلة والطب الشرقي والتعبد التأملي واليوغا والكثير من المراجعات الرافضة للتعصب العلمي المادي..
أي هنالك ميل كبير يتنامى بقوة للتقريب بين العلم والروحانيات، لأن الاثنين ضروريين للوجود الانساني والتوازن النفسي..
فنعم ثم نعم ثم نعم للتعايش والتعاون بين العلم والدين.
ـــــــــــــــــــ
شيطانية الاعلام الغربي الصهيوني
ورغبته الوحشية بتشويه التاريخ العراقي!
الثقافة الغربية، رغم كل الجوانب الايجابية والكثير من الافراد الانسانيين، إلاّ أنها عموماً قاسية لا ترحم الشعوب الاخرى.
كلنا نتذكر أفلام طرزان: الطفل الاوربي الذي ينشأ في الغابات. ولأنه اوربي فأنه ذكي وشجاع وصديق الحيوانات، بل هو الذي يدافع عن الغابة والحيوانات ضد الهمج الافارقة الوحوش المتخلفين!!
تخيلوا، اوربا تستعمر افريقيا وتأخذ حوالي 200 مليون كعبيد الى امريكا، وتسرق ثرواتها خلال قرون، ومع ذلك فان ضميرها يسمح لها بأن تظهرهم في أفلامها متوحشين همج بحيث ان طفل اوربي يعلمهم الانسانية وكيفية التعامل الايجابي مع الغابة والحيوان!!!
هل رأيتم أكثر من هذه العنصرية والقسوة الثقافية وهذا الانمساخ الذي نتقبله نحن الضحايا، بل نتبناه ونصفق له ونشيعه وندافع عنه!!!
أعطيكم هذا المثال الذي يخصنا نحن العراقيين. انظروا الى هذا الفلم (فلم امريكي عن تاريخ العراق) سبق وان شاهدته في العديد من المواقع الاعلامية العراقية. وجماعتنا بكل طيبة وسذاجة يفتخرون به.
لكن لطيبتنا وانبهارنا بالغرب لم ننتبه الى ان هذا الفلم مدروس وشيطاني الى حد بعيد. لاحظوا جيداً الامور التالية:
• انه دائماً يكرر في كل الفلم إن الحضارة العراقية كانت سابقاً، وانقرضت الى الابد.. وليس لها أية تتمة (ليس هنالك أية اشارة لحضارة بغداد العظيمة التي ورثت الحضارة العراقية القديمة)!؟
• نعم صحيح، حسب الفلم، إن الحضارة العراقية نشأت بفضل النهرين. لكن حالياً العراق صحراء، فلا تظهر أبداً لا صورة نهر، بل ولا حتى أية مزرعة أو بستان.. صحراء، فقط صحراء!!!!!
• ان جميع العراقيين الذي يظهرون في الفلم هم بدو!!!! بل تبلغ الصفاقة انه لا يظهر حتى فلاح، ناهيك عن انسان مدني متعلم!! وبعضهم يشتغلون عمال حفر مع العلماء الغربيين!!
• يظهر لنا الفلم، إن الباحثين الوحيدين المهتمين بتاريخ العراق هم اليهود. وإن تاريخ العراق لا يمكن فصله عن التوراة!!
والانكى من هذا، ان الحضارة العراقية انتهت.. هل تعرفون لماذا؟؟؟؟
لأنها سَبَّت اليهود!!!! هكذا يقول الفلم!!!!!
رابط الفلم:
http://www.youtube.com/watch?v=bmQNP8pNx3s&feature=player_embedded#at=13
نعم هذه هي الثقافة الغربية والاعلام الصهيوني الشيطاني المحنك القادر بكل انعدام ضمير أن يشوهنا في نظر العالم، بل أن يخدعنا نحن الضحية ونتقبل تشويهه ونصفق له..
نعم هم ناجحون حتى الآن بشكل فائق جداً بتطبيق مبدأهم الشيطاني:
لكي تسيطر على شعب وتدمره بكل سهولة وهو شاكراً لك، فدمر روحه وكرامته وكل ما يمنحه الشعور بالعزة والكبرياء!
ــــــــــــــ
الرحمة بشعبنا أيها الباحثون في
عقلية المجتمع العراقي
مشكلة الباحثين بالشخصية العراقية، من أمثال، حالياً (قاسم صالح) وسابقاً (على الوردي)، ومعهم النخب الحداثية واليسارية، انهم يتعاملون مع المجتمع العراقي بفوقية استاذية ونوع من الاحتقار والاستصغار. أي بعقلية الباحث الغربي الذي ينظر الى المجتمع الشرقي.
إن نقطتي الضعف الجوهريتين في جميع طروحاتهم عن المجتمع العراقي تتمثل بالتالي:
اولا، إن الحكم على المجتمع العراقي يجري بناءً على عملية مقارنة غير معلنة مع المجتمعات الاخرى (الاحسن والاكثر تطوراً)!
فهم لا يكفون عن تكرار القول:
ان المجتمع العراقي (كله ازدواجية وتناقض)!
نعم صحيح تماماً كله ازدواجية، ولكن من الخطأ الحديث عن هذه الصفة وكأنها صفة خاصة بالشعب العراقي وحده! هذه الصفة موجودة في جميع الافراد وفي جميع الشعوب، ولكن بدرجات مختلفة.
فمثلاً عند السويسرين درجة الازدواجية ضعيفة. فهنالك نوع من التوزان والسيطرة على النفس بشكل كبير.
بينما الفرنسي، والامريكي بالذات، فيه درجة الازدواجية عالية جداً. فالامريكي مثل العراقي، تجده في ساعة رحيم جداً، وفي ساعة قاسي جداً. في ساعة حضاري انطلاقي مرح وعابث، وفي ساعة متعصب منغلق مكتئب. ان هذه الازدوجية مرتبطة بتوتر الشخصية والمجتمع، المرتبطة بتوتر تاريخ المجتمع وموقع الوطن وتعرضه للحروب والغزوات. فهنالك مثلاً تشابه كبير بين تاريخ العراق المضطرب وتاريخ فرنسا. عكس تاريخ سويسرا المستقر بسبب وقوعها بين سلاسل جبلية حمتها من الغزوات الخارجية.
ثانيا: التركيز على الجانب السلبي من المجتمع العراقي وتجاهل الجانب الايجابي. فيقال إنّ العراقيين عنيفين دمويين. وهذا صحيح، ولكنهم أيضاً رحيمين كريمين وحضاريين ويحبون النكتة والعشرة ولديهم قدرة عالية على تقبل الجديد واكتساب المعارف.
يكفي أن ننظر الى تاريخ بلادنا لكي نحكم على مجتمعنا:
فيه الحروب والكوارث والطوفانات والاجتياحات والاحتلالات الاجنبية، ولكنه أيضاً هو موطن أولى وأعظم حضارات البشرية. بل العراق أكثر أوطان الارض بأحتوائه على هذا الكم الكبير من المراكز والحقب الحضارية الطويلة: سومر، بابل، آشور، المدائن، بغداد..
والعراق أيضاً موطن الاساطير والقوانين والمذاهب والقصائد والغناء والغزل والفكر والعلم..
إذن يا أعزائي الباحثين والحداثيين واليساريين، انظروا الى مجتمعنا بنقد وتحليل، ولكن أيضاً بمحبة وضمير. لننظر الى مجتمعنا بنقد وتحليل، ولكن أيضاً بمحبة وضمير.
ـــــــــــــــــــــــ
خرافة نقاء الاصل القومي والعشائري!!
هنالك خطأ كبير شائع في علم الانساب وشجرة العائلة والبحث عن الاصول (genealogie)، في كل أنحاء العالم، بما فيها اوربا:
انه يعتمد فقط ناحية ألآباء والاجداد الذكور وحدهم ويتجاهل ناحية الامهات والجدات!!
والسبب يعود، الى انه حتى القرن الماضي، كل البشرية ظلت تعتقد بأن الجنين يتكون من نطفة الاب وحده، والام مجرد (حاملة) للجنين في بيت الرحم!
وهذا يعني ان الانسان يتكون بدنياً من نسل أبيه، والام دورها تكميلي..
بينما الحقيقة العلمية أثبتت ان الانسان يتكون من اندماج نطفتي الاب والام، بالتالي فأنه بدنياً وجينياً، تقريباً مناصفة من أمه وأبيه.
لهذا فأن (الاصل السلالي) المعقول يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار الاصل الثنائي (الام والاب)!
مثلاً، من الشائع ان أجدادي لثلاث أجيال هم ثلاثة… بينما لو حسبنا جانب الامهات أيضاً لوجدنا العدد أكبر بكثير. تعالوا لنحسب: الجيل الاول يتكون من الام والاب. ثم هنالك أم وأب لكل منهما أي أربعة، ولهؤلاء الاربعة كل منهما له أم وأب، فيكون المجموع الكلي للاجيال الثلاثة، ليس ثلاث أجداد (ذكور)، بل 14 جد وجدة، ذكور وأناث!!!
طيب لنطرح السؤال التالي:
خلال 33 جيل، أي خلال أقل من 1200 سنة، كم جد وجدة لديك.. أي كم رجل وامرأة اشتركوا فعلياً ومباشرة في تكوينك الوراثي؟
الجواب العجيب والغريب، ولكنه الحقيقي والعلمي والحسابي هو: 8 مليارات جد وجدة اشتركوا مباشرة في تكوينك السلالي..
نعم أنت تمتلك فقط خلال 12 قرن 8 مليارات جدة وجدة، أنت ورثت منهم بدنك وجيناتك!!
خذ حاسبتك وأضرب (2 في 2) 33 مرة…
فتخيل اذن بين هذا الكم الهائل من الجدات والاجداد، فقط خلال بضعة قرون، كم هنالك من الاحتمالات والاحتمالات والاحتمالات أن يكون بينهم مختلف الاجناس والاقوام والاصول!
وهذا يدل على مدى زيف وخطأ وسذاجة ولا علمية حكاية نقاء الاصول العرقية والقومية والعشائرية.
نعم من السذاجة الاعتقاد بأن انتماء الانسان، هو انتماء سلالي جيني نقي للجماعة الفلانية، بل هو انتماء تاريخي ومعنوي وثقافي! ــــــــــ
لمن يرغب البحث، فاننا اعتمدنا كتاب فرنسي معروف، هو:
– Tous Parents Tous Différents/ p 40
وهو كتاب ومعرض معروف وله صفحات كثيرة في الانترنت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كيف نعتز بأصالتنا العراقية
دون أن نقع بالعنصرية!
ان العنصرية مغرية لأنها سهلة ومثيرة لمشاعر القوة بين الجماعة. فالقول اننا الاحسن والاعظم من الجماعة الفلانية، أمر ممتع وحماسي.
لكن العنصرية خطرة لأن محبة الذات التي تقوم على أساس كره الآخر واحتقاره، هي محبة مزيفة سلبية تدفع للصراع والحروب وليس للبناء والحياة..
ولنتذكر كيف ان النظام الجديد في بلادنا عندما قام على أساس فكرة (الاجتثاث ومحاربة الخصوم) أدى بنا الى حروب طائفية وقومية دمرت الاخضر واليابس.
لهذا فأن من أكبر الصعاب التي تواجه مشروع (احياء هوية الامة العراقية)، هو التطرف في القول:
(نحن العراقيون الاحسن والاروع، لولا تلويثات الجماعة الفلانية).
ومن اكبر الامثلة على هذا هي محاولة بعض الاخوة إعادة رؤية التاريخ العراقي من وجهة نظر متحاملة جداً على (العرب.. الاعراب .. البدو الهمج الذين دمروا حضارتنا.. الخ)!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لنكتب تاريخنا بما يخدم وحدتنا الوطنية
إن من أكبر أسباب مشاكلنا الوطنية (القومية والطائفية) هو فهمنا المختلف المتصارع لتاريخنا الوطني والديني. كل فئة وجماعة تدَّعي بأن (حكايتها التاريخية) هي الصحيحة والموثوقة.
لكن ننسى ان التاريخ يكتبه بشر، وهو أبداً ليس موثوقا بصورة مطلقة. انظروا كيف ان أهل الاختصاص يختلفون على حقائق وخفايا التاريخ المعاصر: حتى الآن لا أحد يعرف من قتل الرئيس الامريكي كندي؟؟!! ولا أحد يعرف حقيقة علاقة صدام بالامريكان؟؟! ولا أحد يعرف حقيقة الجهة المشرفة على محطة الجزيرة.. ولا احد يعرف حقيقة تفجيرات نيوريورك ودور القاعدة؟؟!!! وما لا يحصى من الامور.. فكيف اذن التاريخ القديم؟؟!
إن الادعاء بالحقيقة الكاملة للتاريخ، هي خرافة. نعم يمكن القول بأن هنالك دلائل أكثر لدعم الحكاية أوالفرضية الفلانية. و لكن دائماً تبقى هذه الحقيقة غير مكتملة وموثوقة 100% .. فهنالك دائماً حيز وفراغ قابل للحوار والتعديل..
لهذا، يتوجب علينا نحن الوطنيون أن نضع ضميرنا الوطني والانساني أمامنا في إعادة كتابتنا للتاريخ: طبعاً دون اللجوء الى التزييف والتشويه، ولكن ندعم ونسلط الضوء على التفسير المناسب للأهداف الوطنية والانسانية.
مثال الخلاف الشيعي ـ السني
وهو يعتبر من أكبر وأخطر الامثلة على فهمنا للتاريخ. بالنسبة لحادثة مقتل الخليفة عثمان، التي تشكل محور الخلاف (الشيعي ـ السني)، حيث يشيع بعض المتعصبين فكرة رضاء الامام علي عنها؟!
بينما هنالك أيضا الكثير من العقلاء يدعمون الحكاية الاخرى التي تسند وحدتنا الوطنية، والتقارب الشيعي ـ السني، أي تلك الحكاية القائلة بأن الامام علي كان رافضاً لهذا السلوك الارهابي، بدليل انه بعث ابنيه (الحسن والحسين) لحماية الخليفة عثمان. وانه سبق وأن وافق على مبايعة جميع الخلفاء. وانه كان طيلة حكم عثمان على علاقة إيجابية ويعيش بسلام وتوافق مع الوضع، فهو لم يسجن أو يطارد.
إذن لندعم حكاية ان الامام علي كان يعتز بالخلفاء الراشدين ويرفض التمرد عليهم ووافق على مبايعتهم، بل زوج بناته لهم..
نعم، دون تزييف وتشويه، لنعيد كتابة تاريخنا بما يخدم وحدة وطننا وكرامة شعبنا..
ــــــــــــــــــــــــــــ
العقل الحداثي والنفس التراثية!
أعرف سيدة عراقية هنا في جنيف ذهبت الى معالجة نفسانية بدائلية. بعد حوارات ومعالجات طلبت منها الطبيية أن تردد ترتيلة تكرر فيها أسم الله بالعربية. فأستغربت السيدة العراقية وقالت للمعالجة:
ـ لكني أنا مادية علمية ملحدة لا أؤمن بالله فما فائدة أن أردد أسمه؟
ـ لا يهم انك تؤمنين به أم لا، ولكن في كل الاحوال ان أسمه يؤثر في روحك، لأنك تعودت على سماعه منذ طفولتك بل وحتى أنت في بطن أمك. إن أسم الله مترسخ حتى في جيناتك حيث ظل يردد اسمه أسلافك خلال أجيال وأجيال. إن أسم الله في أعماق وعيك الباطني مرتبط بالرحمة والامان. نعم حتى لو ان عقلك الواعي لا يؤمن بالله فإن أعماق نفسك ترتاح لنغمة أسمه وتمنحك الطمأنينة التي تحتاجينها الآن.
وفعلا راحت هذه السيدة الملحدة كلما شعرت بالكآبة والقلق تتغنى بترتيلة أسم الله، فتحس ببعض الراحة والامان.
أسرد هذه الحكاية لأصدقائي العلميين الملحدين، الذي يجبرون أنفسهم على تجنب ذكر أسم الله واحتقار التقاليد والطقوس والميراثات، بأعتبارها خرافات رجعية يتوجب التخلص منها ونبذها.
كل هذا لأنهم يعتقدون بأن العقل والعلم وحدهما يسيرّان الانسان، متناسين دور النفس الانسانية المليئة في دواخلها بالميراثات والتقاليد والعقائد المورثة منذ الطفولة، بل والمترسخة في الجينات بسبب تكرارها والتعود عليها منذ أجيال وأجيال.
وهذا أهم سبب في عذابات العراقي وانكساره وانفصامه في العصر الحديث، لأن نخبه الحداثية جعلته يعتقد بكل سذاجة وسطحية بأنه يكفيه قرار عقلاني لكي ينظف نفسه من ميراثات آلاف الاعوام، ويصبح حداثياً تقدمياً حضارياً مثل السادة الاوربيين!
وكان من الطبيعي جداً أن يأتي الزمن الذي يتمرد فيه الناس على كبت المشاعر العميقة. وهذا يفسر تلك العودة الكاسحة للدين والتقاليد في السنوات الاخيرة، لأن النفس الباطنية الشعبية قد تفجرت وتمردت على هيمنة العقل الحداثي القمعي.
لهذا ندعوا نحن في (الفلسفة الوسطية) الى تطوير الانسان والمجتمع بالاعتماد على خصوصيته الميراثية.
لنجعل من عاشوراء نبراساً للكرامة والبطولة
وليس يوماً لأهانة النفس وتجريح الجسد..
إن هذا اليوم الاليم الذي استشهد فيه الامام الحسين وصحبه الابرار، فرصة لكي نذَّكر بضرورة احترام قدسيته وتجنب الحط من قيمته وتشويه سمعة الشيعة بمشاهد ألدم والتطبير المريعة.
إن المرجع (العراقي ـ اللبناني) الراحل (حسين فضل الله) وكذلك الشيخ الوائلي، والعديد من
مراجع الشيعة قد أنهوا عن مظاهر التطبير وإهانة النفس وتجريح البدن..
وحسب الباحثين الشيعة، فأن هذه السلوكيات الوحشية لم تكن معروفة خلال القسم الاول من تاريخ التشيع، وحتى في ظل سيطرة دولهم الاولى: الفاطمية والحمدانية والبويهية..
ويعتقد بأن هذه البدع المسيئة قد دخلت أيام الصفويين، قادمة من الهند أو من القفقاس..