د. علي رحيم مذكور
اتبعت مصر سياسة تجاه الاحتلال لأنجلوأمريكي للعراق, تطورت عبر عدة مراحل على نحو التالي:
1. مرحلة الانتظار والترقب مع التأكيد على وحدة العراق, وضرورة إنهاء التواجد الأجنبي العسكري، دون إقصاء أي طرف لأي سبب من الأسباب .
2. مرحلة التكيف الإيجابي مع التطورات السياسية الجارية في العراق، لاسيما بعد حزيران – يونيو سنة 2004م، حيث صدر قرار الأمم المتحدة (1546) الذي صاغ أسس العملية السياسية في العراق، بداية نظرة جديدة فيما يتعلق بالمرحلة الأولى, يمكن وصفها بمرحلة التكيف السلبي وكانت أبرز عناصر هذه المرحلة أن احتلال العراق يعد نقطة فاصلة في تاريخ المنطقة، فانها أول مرة تتواجد فيها الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة عسكرياً وتحتل بلداً عربياً كبيراً وعنصراً رئيسياً في التوازن الاقليمي، وفي هذه المرحلة شعرت الإدارة المصرية ومعها العالم العربي اأنهامقيدة, وتواجه ضغوطاً شديدة جداً, لاسيما من الولايات المتحدة الأمريكية التي طالبت النظم العربية بأمرين:
أ) الاعتراف بالوضع الجديد في العراق وتأييده سياسياً بقطع النظر عن أي شي آخر، وقبول ممثلي العراق الجدد في جامعة الدول العربية، أو بمعنى آخر، إضفاء شرعية على الاحتلال الأنجلوأمريكي للعراق، وهو ما كان أمرًا عسيراً لأنه يتصادم مع ميثاق جامعة الدول العربية.
ب) أن تقوم النظم العربية بعمل إصلاحات سياسية واجتماعية شاملة وهنا اعتبرت النظم العربية انها تواجه تهديدًا وجوديًا حقيقيًا. ومن هنا ومع سقوط بغداد في 9 نيسان- إبريل سنة 2003م، أخذت مصر بتعديل مواقفها بشأن العلاقة مع القوى والأحزاب المعارضة في عراق ما بعد صدام، بعد أن كانت السياسة المصرية تجاه العراق طيلة فترة ما بعد حرب الخليج الثانية سنة 1990م، تقوم على رفض أي تدخل في الشؤون الداخلية العراقية، ورفض إجراء أي اتصالات مع جماعات المعارضة العراقية بمختلف تياراتها، ولقد سببت هذه الخاصية نتائج سليبة على الموقف المصري, من ترتيبات ما بعد صدام في العراق، حيث عانت مصر من الافتقار إلى الروابط مع جماعات المعارضة، بل والعجز عن التعرف على التوجهات وبرامج هذه الجماعات في كافة القضايا المتعلقة بمستقبل العراق.أن بمجرد انتهاء العمليات العسكرية واحتلال بغداد، صرح الرئيس مبارك ” أنه من الضروري تحقيق استقرار الوضع في العراق، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وإنهاء الفوضى التي تلت سقوط بغداد “.
وأكد الرئيس مبارك في 12 نيسان – إبريل سنة 2003م، في محادثته التلفزيونية مع ” كوفي عنان “، على عدة نقاط هي:
• أهمية الدور المحوري للأمم المتحدة في السعي نحو توفير الاحتياجات الضرورية لشعب العراق بما يحقق تأمين واستقرار الأوضاع وحياة المواطنين وممتلكاتهم.
• حيوية دور الأمم المتحدة في العمل من أجل تنفيذ المبادئ التي أعلنت في شأن سرعة التوصل إلى تولي العراقيين اختيار حكومة عراقية جديدة تتولى شؤون البلاد.
كما شاركت مصر في المؤتمر الإقليمي لدول جوار العراق الذي تم عقده فـي مدينة الرياض في 24 نيسان – إبريل سنة 2003م، وأكدت مصر خلال المؤتمر على ضرورة إنهاء الاحتلال لأنجلوأمريكي للعراق، وإقامة حكومة دستورية بمعرفة الشعب العراقي.وألقى مبارك في 24 نيسان – إبريل من السنة ذاتها، خطابًا بمناسبة عيد تحرير سيناء، تناول خلاله الوضع في العراق، وأشار إلى توقف العمليات العسكرية، وضرورة تكثيف الجهود سواء على المستوى العربي أو الدولي لإِزالة آثار هذه الحرب، كما حث أطراف التحالف على الإسراع بتوفير الأمن والاستقرار للشعب العراقي, مع تحذيره من مخاطر انتشار الفوضى والمآسي الإنسانية التي تخلف العمليات العسكرية، مع التأكيد على تكاتف جهود المجتمع المدني الدولي للإسراع بتشكيل حكومة عراقية شرعية باختيار العراقيين، وإنهاء الاحتلال, وسحب قواته في أسرع وقت ممكن، مع قيام الأمم المتحدة بدورها المحوري في إعادة إعمار العراق وإعادة استقراره.وأصدر مكتب رئاسة الجمهورية في مصر بياناً يوم 14 تموز- يوليو سنة 2003م، رحبه به بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي العراقي، ووصفه بأنه خطوة إلى الأمام، وأن من شانه ان يعيد الاستقرار إلى العراق، وخطوة إيجابية نحو وضع دستور جديد وحكومة منتخبة. توج الاعتراف المصري بمجلس الحكم الانتقالي العراقي بتتابع زيارة أعضاء هذا المجلس إلى القاهرة تباعاً.وفي 15 شباط – فبراير سنة 2004م، شاركت مصر في الاجتمـاع وزراء خارجية دول الجوار العراقي الذي عقد بالكويت، وقد بحث المؤتمر تجنب مخاطر تقسيم العراق، وتحقيق الأمن والإعمار واستعادة السيادة الوطنية.كما أن مصر شاركت في المؤتمر الرابع لرؤساء البرلمانات الأورمتوسطية والذي عقد في ” بفاليتا بمالطا ” في 23 شباط – فبراير سنة 2004م، وطالبت مصر من خلال المؤتمر على ضرورة عودة السلام والاستقرار إلى العراق في أقرب وقت ممكن، وأن يبقى العراق دولة موحدة لها قيمتها الثقافية، على أن يكون وجود القوات الأجنبية في العراق ذا صبغة مؤقتة.وأعلن ” أحمد ماهر ” وزير الخارجية المصري في 9 آذار – مارس سنة 2004م، أن مصر تأمل في أن يؤدي التوقيع على قانون إدارة الدولة العراقي إلى استعادة العراق لسيادته مع الترحيب بأي مبادرة تقود الشعب العراقي إلى ممارسة هذه السيادة.وأجرى الرئيس مبارك في 14 نيسان – إبريل سنة 2004م، حديث صحفي مع صحيفة (واشنطن تايمز) خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، أكد فيه على استعداد مصر لتدريب القوات العراقية لمساعدتها في تأمين كبرى المدن العراقية. وفي 2 حزيران – يونيو سنة 2004م، اعترفت مصر بالحكومة العراقية المؤقتة، وذلك بعد إرسال برقيتي تهنئة من الرئيس مبارك إلى كل من غازي عجيل الياور، لتوليه رئاسة الجمهورية العراقية، والدكتور إياد علاوي، لتوليه رئاسة مجلس الوزراء العراقي، مؤكداّ على دعم مصر الكامل لحشد الإمكانات لبناء الدولة العراقية، وأيضًا ترسيخ دعائم السيادة والاستقلال والحكم الوطني الأصيل, تحقيقاً لما يصبوا اليه شعب العراق.وشهدت القاهرة في يوم 21 تموز – يوليو سنة 2004م، انعقاد مؤتمر وزراء خارجية دول جوار العراق، تمخض عن هذا المؤتمر الترحيب بنقل السلطة إلى الحكومة العراقية المؤقتة، معتبرين ذلك خطوة على طريق انتقال العراق نحو الديمقراطية وتشكيل الحكومة المنتخبة الممثلة لكل فئات الشعب العراقي مع التنويه بقرار مجلس الأمن (1546) والذي يتضمن ذاته المعنى. وأكد الرئيس مبارك والرئيس بشار الأسد خلال لقائهما في القاهرة في 27 -تموز – يوليو سنة 2004م، على ضرورة توحيد الجهود العربية لتحقيق وحدة الصف الفلسطيني وإعادة الاستقرار إلى العراق. كما شهد اليوم ذاته الإفراج عن المستشار ” ممدوح قطب ” الدبلوماسي المصري, الذي كان مختطفاً في أثناء أداء مهام عمله بالسفارة المصرية في بغداد.وفي 14 ايلول – سبتمبر سنة 2004م، استقبل ” أحمد أبو الغيط ” وزير الخارجية المصري نظيره العراقي ” هوشيار زيباري “، وأكد أبو الغيط على أن حكومته تبحث توسيع نطاق دول الجوار للعراق، بحيث يضم أعضاء جدد, سواء من مجلس الأمن أو من مجموعة الثماني الصناعية الكبرى، أو منظمات إقليمية كجامعة الدول العربية أو الاتحاد الأوربي أو منظمة المؤتمر الإسلامي.وشهد شهر تشرين الأول – أكتوبر سنة 2004م، مباحثات بين الرئيس حسني مبارك بين أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. حول مستقبل العراق, وسيطر الملف العراقي على لقاء الرئيس مبارك مع ” وليام بيرنز ” مساعد وزير الخارجية الأمريكي، في 23 تشرين الأول – أكتوبر سنة 2004م.وفي 22 تشرين الثاني – نوفمبر سنة 2004م، أكد الدكتور ” اسامة الباز “، المستشار السياسي لرئيس الجمهورية المصري في ندوة بكلية التجارة, جامعة عين شمس، أن مؤتمر شرم الشيخ سيهدف إلى مساعدة العراقيين في تولي حكم بلادهم بأنفسهم ومساندة شعب العراق والقوى السياسية في صياغة الحكم الشرعي والمحافظة على استقلال العراق ووحدته من خلال إجراء انتخابات بعيدة عن الفوضى الحالية التي تعم العراق, والتي بطبيعتها ممكن أن تؤجل عملية انتقال السلطة حتى يعم الأمن الاستقرار . كما شهدت مدينة شرم الشيخ أعمال المؤتمر الدولي لدول جوار العراق 23 تشرين الثاني – نوفمبر سنة 2004م، بمشاركة (20) دولة واربع منظمات دولية, ألقى ” أحمد أبو الغيط ” وزير الخارجية المصري الكلمة الافتتاحية جاء فيها: (إن الاستجابة للمشاركة في عقد هذا الاجتماع تعكس عزيمة المجتمع الدولي على تحقيق الاستقرار لشعب العراق الشقيق ومؤازرته في مسعاه نحو أمله المشهود في التقدم والرخاء، ويعكس حرص المجتمع الدولي بأسره على أن يسهم وبكل إيجابية في تهيئة المناخ اللازم لتمكين الحكومة المؤقتة في العراق من تنفيذ الخطوات التي اعتمدها قرار مجلس الأمن رقم (1546) ووضعها موضع التنفيذ، بما في ذلك إجراء انتخابات لجمعية وطنية انتقالية تتولى تشكيل حكومة انتقالية ودستور دائم يتم بعدها انتخاب حكومة دستورية على النحو الذي حدده هذا القرار. وقد أسند هذا المؤتمر مهمة متابعة تنفيذ قراراته إلى جمهورية مصر العربية بالتنسيق مع العراق وخصوصاً ما يتعلق بالفقرتين (ج) الخاصة بتوسيع المشاركة السياسية لتشمل القوى الأخرى المناوئة للحكومة الانتقالية، والفقرة (ل) الخاصة بإجراء مراجعة دورية لمدى الوفاء بالالتزامات وتطبيق النتائج التي تم التوصل إليها في المؤتمر، ورفع تقارير إلى الوزراء عن نتائج اجتماعات المتابعة التي سيكون أولها في شباط – فبراير سنة 2005م. وأكد ” حبيب العادلي ” وزير الداخلية المصرية في اجتماع وزراء الداخلية لدول جوار العراق في 30 تشرين الثاني – اكتوبر من ذاتها السنة، المعقود في طهران، بأهمية الدور المصري في توفير الاستقرار والأمن بالعراق.كما التقى الرئيس مبارك بعضوي الكونجرس الأمريكي، ورئيس مجلس النواب الياباني في 16 كانون الثاني – يناير سنة 2005م، وأكد خلال لقائه على ” العمل على إجراء الانتخابات العراقية لتشكيل حكومة منتخبة “, وفي اليوم التالي أكد الرئيس مبارك في حواره مع قناة العربية الفضائية، على ” ضرورة دمج السنة في المشاركة العملية السياسية.وخلال إدلاء ” أحمد أبو الغيط ” وزير الخارجية المصري بيانًا حول السياسة الخارجية المصرية أمام مجلس الشورى المصري في 5 نيسان – ابريل سنة 2005م، أكد خلاله ” أن مصر تدعو أبناء العراق إلى التمسك بوحدتهم الوطنية، ودعوة المجتمع الدولي إلى تنفيذ وعوده بإعادة اعمار العراق “. وأضاف قائلاً: ” ان مصر لن توفد مراقبين في الانتخابات التشريعية العراقية “، من دون إيضاح الأسباب, وفي 7 حزيران – يونيو سنة 2005م، بحث الرئيس مبارك مع الملك ” عبد الله الثاني”, ملك المملكة الأردنية الهاشمية. ضرورة وقف نزيف الدم في العراق، ودعوا إلى مشاركة كل العراقيين في صياغة الدستور الجديد للبلاد. وشهد يوم 21 من الشهر ذاته لقاء الرئيس مبارك مع وزيرة الخارجية الأمريكية ” كوندليزا رايس “، في مدينة شرم الشيخ، أكدا خلاله على ” ضرورة ايجاد افاق سلمية لتسوية القضية العراقية “.كما شاركت مصر في 22 حزيران – يونيو سنة 2005م، بوفد برئاسة وزير خارجيتها في المؤتمر الدولي لدعم الحياة السياسية في العراق، حيث حدد وزير الخارجية موقف مصر بشأن الوضع في العراق في النقاط التالية:
– ضرورة التمسك بوحدة الشعب العراقي ورفض جميع محاولات تقسيم العراق، والتفاف الشعب العراقي حول القضايا التي تجمعه، والابتعاد عن القضايا التي تفرقه.
– أهمية التوصل إلى توافق عراقي وإعادة النظر في بعض مواد الدستور التي لا تحظى بإجماع وطني، وقدم السيد الوزير نموذجًا لهذا التوافق وهو: موضوع مطالبة (السنة) بإعادة النظر في بعض مواد الدستور, الأمر الذي يجب التعامل معه لتشجيع انضمامهم إلى العملية السياسية ووقف العنـف. هكذا شهدت الفترة التي أعقبت سقوط بغداد واحتلالها, تحركاً مصرياً واسعاً تجاه العراق, توج بكونها من أوائل الدول العربية التي أعادت تمثيلها الدبلوماسي بالعراق، الأ أن هذا لم يستمر طويلاً، فشرعت قوة الإرهاب إلى اختطاف القائم بالاعمال المصري في بغداد السفير ” إيهاب الشريف ” في 3 تموز – يوليو سنة 2005م، ومن ثم قتل على أيدي عناصر القاعدة بعد اربعة ايام من اختطافه.وفي هذا إشارة واضحة إلى عدم رغبة بعض الاطراف العراقية والإقليمية بالتواجد الرسمي المصري على الساحة العراقية، وترهيب البعثات العربية الرسمية الأخرى ،وهنا أغلقت جمهورية مصر العربية سفارتها ببغداد بعد هذا العمل الإجرامي.كما صرح الرئيس العراقي ” جلال الطالباني “، من القاهرة في حواره مع جريدة روز اليوسف اليومية في 5 تشرين الأول – أكتوبر سنة2005م، قائلاً: ” إن العراق يحتاج مصر للحفاظ على وحدته، وإنه يحتاج إلى الدور المصري ثقافياً وسياسياً واقتصادياً “، ووصف مهمة مصر في العراق بأنها ” مهمة قومية، وهي ضرورية لكي يحافظ العراق على وحدته”.وشهدت مدينة شرم الشيخ أكبر حشد دولي لإطلاق مبادرة العهد الجديد للعراق، مؤتمر موسع لدول جوار العراق. في 3 آيار – مايو سنة 2007م، شارك في المؤتمر قرابة من (60) وزير خارجية وقادة المنظمات الدولية والإقليمية.طرحت مصر هنا خطة شاملة للتسوية السلمية بالعراق.. ومسؤولية المجتمع المدني والدولي بالنسبة للتحرك في المرحلة القادمة لدعم مسيرة الاستقرار والأمن وإعادة البناء والأعمار بالعراق.كما هدف المؤتمر الاتفاق على تنفيذ خطة بين الحكومة العراقية والأمم المتحدة, مدتها خمس سنوات لإعادة إعمار العراق تنميته، وبنائه اقتصادياً، وسد الاحتياجات الأساسية لسكانه، وحماية حقوق مواطنيه.غير أن التطورات السياسية التي شهدها العراق منذ بداية عام 2006م، وازدياد التوتر على الصعيد الداخلي, وظهور مؤثرات بداية فتنة طائفية، أريد من خلالها تأزيم الأوضاع العراقية وتأليب الرأي العام العربي على ما يحصل في العراق.
وهنا عمدت جمهورية مصر العربية عن قصد أو غير قصد إلى التعبير عن الرؤيا أو الموقف إزاء ما يحصل في العراق, وكان التعبير عن ذلك قد جاء على لسان الرئيس مبارك الذي تحدث لقناة العربية الفضائية قائلاَ: ” إن العراق يعيش حالة حرب أهلية “، وأضاف بقوله ” إن العراق سيشهد أياماً عصيبة بمجرد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منه “، وأضاف أيضًا ” أن ولاء أغلب الشيعة في المنطقة هو ليس لدولهم، وإنما إلى إيران “لاريب أن تصريحات الرئيس مبارك قد أثارت ردود فعل قوية غاضبة داخل العراق وخارجه.هكذا يتجلى لنا مِمَا تقدم أن العلاقات العراقية المصرية دخلت في فترة سبات تبلورت بعد خطف وقتل ” السفير إيهاب الشريف “، وثانيها كان للصدى الذي تركه تصريح ” الرئيس حسني مبارك “.