لماذا الولايات المتحدة الأمريكية لا تعترف سياسيا بالإدارة الذاتية؟
السؤال يخفي الالتباس ما بين (الواقع والقانون) ويخلق الشك بجدية مصالح أمريكا في غربي كوردستان، ويصعد من حالة عدم الاستقرار النفسي لدى المجتمع الكوردي حصراً.
فمن البعد العملي، أمريكا تعترف بها (بحكم الواقع (والعلاقات الجارية ما بين ممثلي وزارة الخارجية وأحيانا من الكونغرس، أو لنقل زياراتهم المتكررة إلى منطقة الإدارة الذاتية، تثبت ذلك.
كما وأن رفضها المطالب التركية المتكررة بالتخلي عنها وعن قوات قسد، خاصة في الفترة الأخيرة، وعدم تقبل إدراجها كإدارة ذاتية تابعة لقيادة قنديل، أو عند الإصرار التركي على أن الـ ب ي د جزء من العمال الكوردستاني، تأكيد على الاعتراف.
أي كانت الغاية من المواقف الأمريكية هذه، إن كانت مصالح تكتيكية أو رؤية استراتيجية لقادم الشرق الأوسط، فهي تعني بشكل ما اعتراف سياسي بحكم الواقع، ولا يهم إن كانت أنية أو طويلة المدى، والمستقبل يظل مرتبط بعوامل عديدة لا يمكن توقعها أو التحكم بها. (هناك أمثلة عدة عن مثل هذا الاعتراف في التاريخ القريب: فطوال الحرب العالمية الثانية ظل الاعتراف البريطاني والأمريكي والفرنسي بدولة عظمى كالاتحاد السوفيتي تحت حكم الواقع، ولم يكن معترفا بها في عصبة الأمم، فرضتها ظروف الصراع ضد دول التحالف إلى أن تم تشكيل هيئة الأمم).
لكن الاعتراف السياسي أو التعامل مع الإدارة الذاتية على المستوى السياسي الدبلوماسي، متماشيا مع التحالف العسكري، تحت (أحكام القانون الدولي) يحتاج إلى تطبيق قرارات الفصل السابع من بنود مجلس الأمن. وهذا النوع من الاعتراف هو الأهم والأقوى، ونحن هنا علينا ألا ننسى المصالح الأمريكية مع الدول الإقليمية المحتلة لكوردستان، وعلى رأسهم تركيا، والتي تحدها من نقل القضية الكوردية إلى قاعة هيئة الأمم، أو مجلس الأمن.
فالاعتراف بها قانونيا، تحتاج مسبقاً إلى موافقة هيئة الأمم المتحدة بالإدارة الذاتية؛ أو بها كمنطقة فيدرالية كوردستانية؛ ضمن سوريا كدولة من دول هيئة الأمم، كما ويجب أن يتضمن الدستور السوري بنود تعترف بها كمنطقة ذات خصوصية، كالفيدرالية على سبيل المثال، تملك على أسسها حق التحاور والتحالف مع قوى خارجية، تحت صيغة قضايا تخص المنطقة، بدون العودة إلى المركز، حينها تستطيع الولايات المتحدة، وغيرها من الدول، إقامة علاقات سياسية بشكل علني- قانوني.
والاعتراف بالصيغة الثانية، يعني فتح قنصلية أمريكية في عاصمة الإقليم، والسماح بفتح قنصلية الإقليم في واشنطن، والقنصلية ستكون حكما تابعة لسفارة سوريا، وحينها يجب أن تكون السفارة فاعلة، وفي حال سمحت أمريكا بإعادة فتح السفارة السورية في واشنطن، وفتح سفارتها في دمشق، ستعني الاعتراف الدبلوماسي بالنظام الحاكم، وهو ما لن تقدم عليه أمريكا، ومصالحها تتعارض مع بقاء النظام الحالي، خاصة وأنها على تحالف وثيق مع روسيا وإيران، إلى جانب أن أي اعتراف دبلوماسي بنظام بشار الأسد، تعني في البعد الإستراتيجي انتصار روسيا في سوريا، وهي من القضايا التي أصبحت جزءً من الصراع في أوكرانيا.
ولا شك، الظروف حتى اللحظة غير مواتيه إلى مثل هذه المجازفة بمصالحها، والتي ربما ستزيد من قوة الحلف الروسي ضدها في سوريا والشرق الأوسط.
لا يعني هذا أنه ليس بالإمكان، عقد اتفاقيات سياسية-دبلوماسية غير رسمية، تحت منطق حكم الواقع، وعرض المطالب الكوردية، من خلال توثيق وتوسيع العلاقات الدبلوماسية مع الوفود الأمريكية، أو ممثليهم التابعين لوزارة الخارجية، وعادة يرسلون تحت غطاء المسؤول الأمريكي عن الشرق الأوسط، أو الخاص بسوريا، وهم في الواقع يتعاملون مع القضية السورية من خلال الوجود الأمريكي في غربي كوردستان.
ورغم ذلك، تظل الأسئلة التالية فارضة ذاتها:
1- هل ستتمكن الإدارة الذاتية وعلى منهجية الأمة الديمقراطية، والتوجه الأممي المتعارض مع الإمبريالية الأمريكية، من الحصول على الاعتراف القانوني السياسي والدبلوماسي؟
2- هل سيستمر الدعم الأمريكي ليصل إلى مرحلة إدراجها ضمن جدول أعمال هيئة الأمم، بدون وجود تلك الخصوصية والتوافق الكوردي عام؟
يلاحظ أن نظام الأمة الديمقراطية يتلاءم ومجريات الواقع في منطقة الإدارة الذاتية، ولعدة أسباب، لكن يجب ألا يكون على حساب غياب الخصوصية الكوردستانية لجغرافية المنطقة الكوردية ضمن سوريا القادمة، والتي بدونها من المتوقع أن يظهر امتعاض أمريكي، بعد مرحلة ما.
3- أليس من الأسهل والأضمن؛ العودة إلى منهجية النظام الفيدرالي ضمن سوريا كوطن للجميع، أي طرح فيدرالية غربي كوردستان، مع فيدراليات أخرى حتى ولو كانت على منهجية الأمة الديمقراطية، وضمنها يتواجد المكون العربي والأقليات الأخرى؟ فكما نرى رغم كل الطروحات الوطنية والأممية التي تقدمها الٍإدارة الذاتية، لا تتمكن من تعديل مفاهيم القوى العربية، ولا تخفف من العداء التركي والفارسي، ويوما بعد أخر تتصاعد نبرة القوى المعادية للكورد، وتحتل ساعات أطول على إعلامهم، مكررين التهم ذاتها وبنفس الصيغ العنصرية: تقسيم سوريا، والكورد الانفصاليون، والإرهابيون، والمهاجرون إلى سوريا، وغيرها.
ملاحظة: نأمل من عرض هذه القضية واللاحقة، فتح ساحة لحوارات منطقية بعيدة عن التحالفات الحزبية، أو مبنية على مواقف مسبقة، والتركيز على ما يجب أن يكون عليه قادم غربي كوردستان.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
7/1/2022م