هل الإدارة الذاتية معنية بقضايا الشعب حقاً؟
مجالانِ لا بد للإدارة الذاتية العمل عليها، لتصبح على سوية الوطن الذي يشعر فيه المواطنون الصامدون في الداخل، بجو من الأمان وحرية الفكر، وببيئة سياسية ملائمة لاحتمالية عودة قسم من المهاجرين، على الأقل أبناء المخيمات في إقليم كوردستان الفيدرالي، وتركيا والدول الأخرى المحاطة بسوريا، وبمنهجية سياسية-أمنية، تحصل السلطات الحاكمة على دعم الشعب، والتي على أبعادها يؤمل أن تتوسع وتتحسن علاقاتها مع الدول الخارجية وخاصة الديمقراطية إلى درجة ترجيح الاعتراف السياسي بها:
أولا-
وضع الأولوية لإنقاذ الشعب المعاني من الغلاء والفقر، ونسبتهم قرابة نصف المجتمع. ومن ثم تعمير المدمر من البنية التحتية وتطويرها، ولا شك أنها صعبة في الواقع الجاري، ولربما الإمكانيات البشرية والمادية هزيلة مقارنة بالكارثة، لكن دونها ستتجه المنطقة والشعب من مستنقع الصراع إلى آفة الضياع. كما ولا بد من إعادة النظر في بناء الأنفاق والممرات الإسمنتية تحت المدن والقرى، وصرف الميزانية المخصصة لها للمشاريع التي ستحسن من معيشة الشريحة المعانية من الشعب. فالأسباب والدوافع، المؤدية إلى صرف الملايين في هذا المجال، لم تعد مجدية في عصرنا هذا، إن كانت مخططات عسكرية، فقد أصبحت من الماضي، تجاوزها الزمن والتكنلوجيا العسكرية، بعد السبعينات من القرن الماضي، وهي تشبه متاريس القرون الوسطى أمام الأسلحة العصرية المتطورة. وإن كانت لأغراض مدنية فهي لا تجدي نفعا للشعب، فما يبنى على سطح الأرض هي التي ستنقذ المواطنين من المعاناة وسيبنى الوطن المأمول، ومنها:
1- بناء وتحسين شبكات الكهرباء، ومراكز الطاقة المدمرة خلال سنوات الحرب. فالتباطؤ بالعمل وعدم التركيز عليها، أدت إلى الانتشار المرعب للمولدات المحلية المدمرة للبيئة، والصحة ودخل العائلات.
2- إنقاذ الشعب من معاناة النقص الكارثي لمياه الشرب والاستخدام اليومي، والتي شحتها تؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة، خاصة بين الأطفال. فلا بد من حفر الآبار، وتحسين شبكات التوزيع، ومعها المجاري الصحية، لئلا تظل مدننا، كالحسكة على سبيل المثال، معتمدة على مصادر خارجية، تتحكم بها قوى متربصة بالمنطقة.
3- الاهتمام بأبنية الجامعات، والمدارس والمستوصفات والمستشفيات، فعل سبيل المثال هناك مدارس صفوفها تحتضن قرابة ستين تلميذا، كما وشاهدنا صور للجامعة في قامشلو، يؤسف لها، ومنها بناية كلية الحقوق والمعهد الإداري والمالي، والتي تعكس واقع مخزي ومؤلم. ففي الوقت الذي أصبح ينتشر ويتوسع العمران الحديث في مدن المنطقة، لا تزال أبنية الجامعات تعتمد على ما خلفه النظام السابق لبعض المعاهد، أو بنايات كانت تستخدم كمستودعات عامة، والواقع ذاته ينجر على المستوصفات، والمراكز الثقافية.
4- شبكة المواصلات بكل أنواعها، من الطرق بين المدن وداخلها، والأرياف، والتي أصبحت بقاياها كآثار، ومثلها خط القطار المعطل منذ عقد من الزمن. فهما عصب الحياة في المنطقة، تختصر الزمن وتقرب المسافات، وتعمق العلاقات الاجتماعية وتسهل حركة الأسواق الاقتصادية وتنميتها. ولا شك في داخل المدن هناك دور البلديات وحيث نظافة المدن وشوارعها، فمن المعروف أن تطور الدول تتبين من خلال عدة أبعاد أحداها المنوه إليها هنا.
5- تحسين الواقع المعيشي للشريحة المعانية من المجتمع، والتي لا معين لها، وهي، كما نوهنا، نسبة مرعبة من الشعب، والأساليب عديدة، كبناء مصانع تعتمد على الإنتاج المحلي، المصانع الزراعية، إلى جانب مصانع التكرير، لتحسين أنواع الطاقة، والتي ستنقذ المنطقة من الدمار البيئي المنتشر بشكل كارثي، إلى جانب مساعدات مباشرة لهذه الشريحة.
6- الحد من هيمنة تجار الحروب واحتكارهم للأسواق، وأسعار البضائع، وخاصة المستهلكة بشكل يومي، كالخبز والمواد التموينية، وبالمقابل مساعدة وتشجيع المستثمرين في المشاريع المؤدية إلى توفير العمل.
ثانيا-
تسيير الإدارة الذاتية على المنهجية الديمقراطية، بدءً من المؤسسات، المدنية والعسكرية، وتعاملها مع الشعب والمعارضة، إلى أسلوب تعامل الموظفين، إلى إزالة التناقضات بين النظرية والتطبيق لدى القوة السياسية الحاكمة، وعدم الترويج إعلاميا لقضايا غير منطقية؛ معروفة وواضحة للشارع، كالادعاء على أنها إدارة ذات منهجية ديمقراطية وفي الواقع العملي تستخدم أساليب الأنظمة الشمولية، ترفض الأخر تحت حجج متنوعة، وكثيرا ما تدعم باتهامات باطلة، وتتبين هذه من خلال:
1- ما تعرض له بعض، الحزبيين، والسياسيين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض من الحراك الثقافي، من الاعتقالات والخطف والاغتيال. فحتى لو كانت انتقاداتهم حادة، يجب التعامل معهم بالأساليب الديمقراطية. وما يقال على أن شعوبنا لا تفهم منطق التعامل الحضاري، جريمة ثقافية زرعتها الأنظمة الدكتاتورية للهيمنة وكتم أفواه الشعب، وقد نشر بشكل سري على أنه طلب المحققون من المعتقلين والمختطفين التعامل معهم، والتخلي عن منهجهم السياسي كشرط لأخلاء سبيلهم، وهو ما أدى أما إلى هجرة هؤلاء من الوطن، أو الصمت حفاظا على أرواحهم ومستقبل عائلاتهم، ودور جوانن شورشككر السلبي، المشابه لشبيبة الأحزاب الشمولية التي سيطرت على بعض الدول، وأقامت أنظمة دكتاتورية، أكثر من معروف في هذا المجال.
2- ما تتعرض له مكاتب الأحزاب المعارضة، والإعلام، من الحرق والتدمير، وكتابة الكلمات المبتذلة على جدرانها الخارجية، وإغلاق بعضها، إن كانت مكاتب المجلس الوطني الكوردي، أو الأحزاب الأخرى، وهنا ليس دفاعا عن المجلس، والتي بدأت بالاضمحلال على خلفيات غرقها في الإخطاء، وتفضيل مصالح قياداتها على مصلحة الشعب، بعضهم أصبحوا أثرياء لحصولهم على عدة رواتب ومن عدة جهات، والمجلس حتى اليوم لم يقدم سلة غذائية للعائلات المعانية، ولن نتحدث عن قضايا أخرى، كتجنيد البعض من قياداتها لشريحة من كتبة وسائل التواصل الاجتماعي للرد على من ينتقدهم، وأصبحوا لا يختلفون عن قيادات الحزب الحاكم على الإدارة الذاتية فيما لو وضعا في ميزان المقارنة ما بين القوة والفعل. ودخولهم في الحوارات مع أحزاب الإدارة الذاتية، أو إدارة الأمر الواقع، كانت على خلفية مصالحها كأحزاب غطيت بشعارات لمصالح الشعب. كترويجها لمفهوم عدم المقارنة بين الضحية والجلاد، وهو نفس منطق المظلومية الذي روجه حراكنا الكوردي طوال نصف القرن الماضي؛ إلى أن أصبح الشعب الكوردي يعيش في ظلام سبات مدمر ثقافيا وسياسيا. بل دفاعا عن قادم المنطقة، والتي يأمل الشعب أن تديرها سلطات ديمقراطية، تحترم رأي الشعب والدساتير، وتتعامل مع المعارضة بالمنهجية ذاتها، نظريا وعمليا.
منطقتنا على فوهة بركان:
1- من جهة تتدمر ديمغرافية، على خلفية الهجرة الكارثية، وعدم توقف النزعة، بل تصاعدها غير المعقول.
2- ومن جهة أخرى تآكل الحراك الكوردي الداخلي، والمؤدي إلى تعميق الشرخ بين المجتمع ذاته، إلى أنه أصبح الشارع الكوردي على شقاق لن يندمل بسهولة حتى ولو افترضنا جدلا حصول اتفاق ما بين أطراف الحراك، فما رسخ من الوباء لربما يحتاج إلى سنوات لتنقيته، وهذا يؤدي إلى إضعاف الذات داخليا وخارجيا.
3- إلى جانب القوى المتربصة بمنطقتنا وشعبنا وقضيتنا، وهي تستفيد من خلافاتنا الداخلية، وكثيرا ما تسخرنا بشكل مباشر أو غير مباشر لأجنداتها، وكلما توسعنا في صراعنا وعمقنا الشرخ بيننا سهلنا لهم مهماتهم.
4- لن نتمكن، كحراك كوردي، ونحن مشتتون، إقناع الدول الكبرى، أمريكا وروسيا بشكل خاص، الاعتراف بقضيتنا من البعد السياسي، خاصة وأن جميع ما يتم من التحرك الدبلوماسي، مقابل ما تقوم به الدول المحتلة لكوردستان، هزيل لا يذكر، وجله تعكس المصالح الحزبية دون القضية ومصلحة الشعب. لذلك تظل قضيتنا ثانوية رغم الصدى المنتشر عن القوى العسكرية الكوردية، ودورها في القضاء على الإرهاب.
دون العمل معا، أو بأقل ما يمكن من التفاهم، وتنازل قوى الإدارة الذاتية عن سيادتها الفردية، واستمراريتها على منهجيتها الأحادية العمل، لن نتمكن من انتشال المنطقة والشعب من المآسي المنوهة إليها، ولن ننقذ المنطقة من المؤامرات المحاكة حول قادمها، والذي سيكون مرعبا، وعفرين وسري كانيه وكري سبي وإعزاز والباب خير مثال، ففي أفضل الأحوال قد يتقرر مصيرها حسب معادلة التوافقات الدولية.