السوداوية وموت الربيع قراءة في رواية (كافكا على الشاطئ) للكاتب الياباني هاروكي موكارامي .
كحسناء لعوب مخاتلة ومحيّرة تجيد فن الغواية بدت لي رواية (كافكا على الشاطئ ) وبخبرة الملاوعة وفن الإغراء كانت تكشف لي بعضا من أسرار فتنتها فتثير رغبتي الجامحة لامتلاكها وفض ما خفي من مضامينها , وكلّما ساورني الملل أغرقتني بنفس من أوكسجين أنوثتها ورمت بكفي شيئاً من عطرها ..
وكما ناكاتا اللائب في البحث عن نصف ظلّه والساعي وراء حجر المدخل ,صارت روحي ,بعد أن مسّني برق من سحرها الطافح فتهت في مسارب خيالاتها أبحث عن مفاتيح أكوادها . كي أكشف الغامض الخفي منها ولا إخالها أخيرا إلا أن ترمي لي بآخر غلالة كي تبدو عارية لأتقرّى مفاتن بهجتها سطراً سطراً وحركة حركة .
ومن العنونة التي تعتبر العتبة الأساس نبدأ
كافكا تعني الغراب وكذا كرو وهما اسمان للبطل بما تشي هذه التسمية من سوداوية و تشاؤم . ومن هنا نلحظ كيف يقدم الكاتب منذ البسملة أوراق اعتماده كسفير فوق العادة ل(فرانز كافكا ) وللمدرسة السوداويّة
فهو يشيد بتميّز (فرانز كافكا )في ص(76)فيقول (قصّة كهذه لا يكتبها إلّا كافكا ) ويسمي بطله (كافكا , وكرو ) التي تعني الغراب .وهناك لوحة (كافكا على الشاطئ ) وأغنية (كافكا على الشاطئ )التي ألفتها ساييكي .
ويتحدث عن آلة الإعدام التي يصفها فرانز كافكا فبقول (إنها هنا بالفعل أشعر بها حولي ) وهو هنا يشير إلى الواقع السوداوي إذ فقدت البشريّة روحها الإنسانيّة تحت تأثير آلة الحضارة الحديثة .
ص(77)وهكذا يتّضح مدى اتكاء هاروكي على منجزات كافكا .
لقد امتطى الكاتب سرج الروح التي منحتها المعتقدات الشرقيّة الكثير من الخيال معتمداً على ما ورد في عقدة أوديب (كما يزعم علم النفس )من رغبة دفينة في قتل الأب ورد في الرواية (وكأنّ الابن ما وجد إلّا لينفي الأب ).. لكن هاروكي هنا أفرغ عقدة أوديب من محتواها الإنساني حين جعل تحقق النبوءة (والتي غرسها الأب النحات عمداً في جينات كرو لينتقم من زوجته وابنته )لا يفضي إلى حالة الحزن والالم والسخط والهياج النفسي كما حدث لأوديب .ففقأ عينيه انتقاماً من القدر .
أما هنافكرو يمارس الجنس مع من يعرف بأنها أمه , وكذا أخته دون أي انزعاج أو ارتكاس .
والرواية تنتمي للواقعيّة السحريّة أدب ما بعد الحداثة في تصويرها حالة الفرد والمجتمع الذي تطحنه آلة الحضارة الحديثة .فغدا واقعاً كابوسيّاً
(هوشينو يقول .أشعر أنني في كابوس ,ويقول ناكاتا.على الأقل نحن معاً في كابوس .)فالفرد هنا وحيد حائر مهدد وقلق يعاني من قحط المشاعر .
لأنه مغسول من العلاقات الأسريّة الدافئة فينحدر نحو قيعان الجفاف المادي (يقول كرو عن أبيه ..بالنسبة لي لم أكن سوى واحد من تماثيله .
شيئاً يمكن أن يصنعه أو يكسره .)ونسأل .أين نبع المحبة ودفء القلب الحنون هنا ؟؟؟لقد جفّت شرايين الروح …
وجون ووكر يمثّل الحضارة الحديثة التي تعرف كلّ شيء ,
لكنّها تقتل الروح الإنسانيّة (معادلها في الرواية ,قتل القطط رمز الوداعة )
وهكذا نرى أنّ الرواية تتمطى على سرير الفانتازيا وتتدثر بالموروث الديني الشرقي والأساطير والتحليل النفسي لتقدم ولاءها للرواية الواقعيّة السحريّة
فالمروية ترسم التيه اللانهائي الذي تخبّ فيه البشريّة في مدارات الضياع والقلق .
إنّه إنسان الحضارة الحديثة الذي يتحرّك حرّا وبلا أقنعة مزيّفة ,لكنّه مصمت المشاعر ,مثكول بالدفء الأسريّ يعاني من متلازمة التوحّد
كافكا يقول (كان أبي يحبّك لكنّه لم يستطع استعادتك ولهذا أراد أن يموت ,ولهذا أراد من ابنه .ابنك أنت أيضا أن يقتله ,بكلام آخر أرادني أن أنام معك ,ومع أختي ,تلك كانت نبوءته احتجاج ,,لعنته التي برمجها في داخلي )
إذاً الرواية تشكل بصمة وإدانة وإدانة لواقع سمج ذوت فيه الروح فلم يبدو منه إلّا جفاف اللحظة المستقطعة من واقع الحياة .
إنّه عالم ما بعد الثورة الصناعيّة الثالثة وقد وردت عبارة (الثورة الصناعيّة الثالثة )مرّتين وذلك لربط المرويّة بزمنها التاريخي ,,
إنّها الحياة الماديّة الجافة وقد أطلقت غربانها وعزفت ألحانها الجنائزيّة القاتمة ,,(إنّه سيف ديموقليس المسلط على روح الإنسانيّة )
لذا فقد بات الإنسان يطرح على نفسه الأسئلة الأكثر صعوبة والتي تتناول المصير في هذا الكون ..ولم تخرج هذه الرواية عن رقعة أدب ما بعد الحداثة في اعتمادها الرمز المشفّر في اسلوبها الحداثي واستلهام
الشيفرة السريّة لخرائط الروح وتنقّلاتها وترك مساحة ضبابيّة غائمة مجهولة في أحداث المرويّة (اختفاء ساييكي 25سنة )واعدادها بحثاً عمن ضربتهم الصاعقة فهل تزوجت النحات في هذه الفترة ؟؟؟
وكذلك عندما سألها كافكا هل لك أولاد ؟؟لم تجب …..
ماحدث للطلاب من إغماءة ..أثناء رحلتهم إلى الغابة .ظهور ساييكي صبيّة مرّة ومسنّة مرّة أخرى .السماء تمطر سمكا وعلق .وحشرات
قرب المعبد والدم على ثيابه ..
والده النحات وكيف اكتسب قوة كشف الغيب بعدما ضربته الصاعقة …رحلة كافكا في الغابة ومراوحته بين الحقيقة والخيال .. وهل هي رحلة إلى العالم الآخر ؟؟ ناكاتا وما حدث له بعد أن ضربته المعلّمة ,فغدا معاقا فكريا لكنّه اكتساب قدرة محاورة القطط…الضابط ساندرس والصفات التي أطلقها على نفسه .. حجر المدخل كموروث ورمز ..صورة الحالة التي سبقت فتح حجر المدخل شيء خرافي يشبه الأفعى …كل هذه الأشياء الغرائبية ويدخل القارئ في ضبابيّة الرؤيا فينوس بين الحقيقة والخيال ,ويحيل المروية إلى صنف الفانتازيا الغرائبية ..
والرواية تزخر بالمحمولات الفكريّة من مثل الروح وانتقالاتها من وجهة نظر شرقيّة , حالة الغربة والتوحد ,الفردانيّة والمشاعر المتجمّدة ,القدريّة الحاكمة لمصير الإنسان .وهذه أهم مقولة تركز عليها المرويّة.مع فكرة انسحاق الإنسان وغربته الروحيّة جراء الحضارة الماديّة … وهذه المحمولات وبأشكالها الرمزيّة تضع القارئ أمام غابة من الاحتمالات فيضرب في فضاءات التخمين .
والخيط الأساس للحدث بسيط .هروب كرو من بيته كي لا تتحقق نبوءة والده ,لكن القدر ساقه إلى ساييكي أمّه وساكورا أخته ,حيث يمارس الجنس معهما وهو مسلوب الإرادة (يذكرنا بعقدة أوديب )ويدخل إلى السياق ناكاتا الذي دفعه القدر ليبحث عن حجر المدخل ليكمل نصفه الثاني وينتهي بالموت حين يلتقي ساييكي التي كانت تنتظر وصوله كما تموت ساييكي حين يفتح هوشينو حجر المدخل . ولعل شبها كبيرا بين الأحداث والأساطير ..
وللحديث عن الروح وتنقلاتها وتناسخها نبدأ من أسطورة يتكئ عليها الكاتب (يقول ريستو فايس ..في الوليمة لأفلاطون ..إن الناس في عالم الأساطير كانوا ثنائيات .أي يقسمون إلى (رجل ,رجل …في الرواية كافكا , كرو )ثم (رجل ,امرأة ..في الرواية أوشيما حيث كان خنثى )ثم (امرأة ,امرأة في الرواية ساييكي الصبية وساييكي المسنة )وتقول الأسطورة كان كل شخص شخصين فقام الرب وقسمهم بسكّين فصاروا رجل وامرأة وفي العلم يقال أنّ كل شخص يحمل في داخله عناصر التأنيث والتذكير وعند الاكتمال يتغلب عنصر على آخر… فكرو يخاطب نفسه وكأنّه يحاور شخصاً آخر .اسمه كافكا .. وأوشيما جسده أنثوي عضوياً, وعقله ذكوري وهو مخنث التكوين (هو أنثى لوطيّة )وساييكي تظهر لكافكا صبيّة مرّة ومسنّة مرّة أخرى .. وناكاتا قتل النحات الذي رأى فيه جون ووكر ..
يقول هوشيما ..كل من يعشق يكون في بحث عن أجزائه المفقودة من نفسه وكأنه يقصد ساييكي التي مات عشيقها وهي في مرحلة الشباب .
وناكاتا يقول ..لوكنت ذاتي الحقيقيّة كنت كبقيّة الناس ..
لقد امتطى الكاتب سرج الروح التي منحتها المعتقدات الشرقيّة الكثير من الخيال من مثل (التقمّص ,التمظهر , التبدّل ) متكأ على ما في عقدة أوديب من رغبة دفينة في قتل الأب (كما يقول فرويد ) ) ومضى يحوك خيوط مرويته معتمداً الضبابيّة التي تحيل الرواية إلى غابة من الإشكاليات والأسئلة المحيّرة
ويشير المنجز إلى حياة سابقة ورد قوله ( إن الأشياء التي تحدث في حياتنا مكتوبة في حياتنا السابقة .لا وجود للصدفة (طبعا هذا فقه التقمص ) وتتناول الرواية خروج الروح من الجسد مع بقاء الجسد حيّاً ثم عودتها إليه والتراث الياباني حافل بمثل هذه الحكايا . فرحلة كرو في الغابة هي رحلة روحية إلى العالم الآخر ,
كذلك حين استيقظ من إغماءته ووجد نفسه في الغابة وعليه دماء تعبير عن مشاركة ناكاتا في قتل أبيه يقول (بالتأكيد لم أذهب إلى طوكيو قد أكون قتلته في الحلم ) و لعل المعلمة التي جاءتها الدورة في غير موعدها وكانت في حالة شبق جنسي شديد وكأن روح زوجها الحاضرة من تسبب في ذلك وأدت إلى إغماءة الطلاب .ودخول ناكاتا في حالة مرضيّة .والنحات الذي ضربته الصاعقة أدت إلى انتقال روحه إلى عوالم أخرى ,عاد منها فناناً متألقاً واكتسب خاصيّة معرفة المستقبل .وغدا شخصيّة ذات خصوصيّة شديدة .يقول ابنه عنه ( أشعر أنّه كان متّصلاً بشيء ما غير عادي شيء أبعد من الخير والشر (مصدر القوّة )يمكنك أن تسميه , وأوشيما يقول لكافكا (هناك عالم آخر مواز لعالمنا يمكنك أن تخطو إليه وتعود منه )وتسأله ساييكي من أنت ؟؟ يقول أنا كافكا على الشاطئ حبيبك وابنك الفتى المدعو كرو وعن انتقال الروح .ورد (ناكاتا الحقيقي غادر إلى مكان ما تاركاً خلفه وعاءه الفيزيائي مؤقتا … فهم يرون أن الروح تتحوّل مع الأجيال فمن يكون زوجاً قد يكون ابنا في وقت آخر .. كافكا يتجول في الزمن فيرى ساييكي صبية فيسأل أوشيما ,هل يمكن أن يصبح الإنسان شبحاً وهو على قيد الحياة ؟؟؟ وفي ص373 ) ليس حلماً هي روح ساييكي التي تمارس الجنس مع كافكا .. وطبعا كافكا هو الحبيب الذي كان مع ساييكي على الشاطئ قبل عشرين سنة (أكيد روحه )(وكيف تعرف تسأل ؟؟؟ وهي تنظر في عينيه كنت هناك حينها نعم كنت هناك ..ص(425)أنا كافكا على الشاطئ حبيبك وابنك المدعو كرو )هو بالتأكيد انتقال الروح عبر الزمن ..ناكاتا يقول ..(أستطيع جعل أشياء تسقط من السماء ..يسأله هذا لأنك خرجت وعدت ؟؟يجيب نعم وبعد أن عدت لم أعد طبيعياً ولم يعد لي سوى نصف ظل واستطعت التحدث إلى القطط.
لذا يمكننا القول بأن الروح والقدر هما الصندوق الأسود في هذه المرويّة وهذا ما جعل الأحداث تدور في ساحة رجراجة وبرزخ بين الحلم والواقع بين التخييل والحقيقة في عالم يتمازج فيه الواقعي بالمتخيّل في إطار من الضبابيّة السديميّة زئبقيّة الدلالات تضرب في صحراء الوهم كل ذلك لخلق الحيرة وبالتالي الدهشة لدى القارئ والحيرة المغمّسة بالدهشة هي الضمير المستتر في أدب ما بعد الحداثة حيث تنفتح أحداث المرويّة على احتمالات لا حصر لها إثر ارتفاع هرمون الغرابة ..في عالم سحري غرائبي يحمل في ثناياه قوّة الإيحاء وطاقة التأويل ….
ولعل الغربة الروحيّة والميل إلى العزلة إحدى أهم أعراض ما نتج عن ضغط العلاقات الماديّة في مجتمع الحضارة بعد الثورة الصناعيّة الثالثة حيث يغرق الفرد إلى مداه المجدي في السوداويّة فعقارب الفردانيّة تلسعه فتهرب روحه إلى واد غير ذي قرار من الوحشة ..كيف لا والحياة جوفاء سديميّة .عبثيّة لا معنى لها .فمضت روحه على سراط التغرب والقتامة .لذا مالت الروح إلى العزلة .أوشيما يقول (كنت آتي إلى هنا كثيراً ( أي إلى الغابة ) وأعيش وحدي لا أكلم أحداً ولا أرى أحداً) وساييكي تقول في ص(332)لم أكن بمفردي وإنما كنت أشعر بوحدة رهيبة . وكافكا يريد أن يكون قوياً لأنه يشعر أنّه وحيد وليس هناك من يحميه .
وهذا الشعور بالوحدة لا ينفي التمتع بالحريّة كافكا يخاطب نفسه (هذه حياتك ولك أن تفعل بها ما تراه مناسباً)ومع ذلك يشعر بالضياع طالما أنّ الإنسان عبارة عن سطور تتأرجح بين عبثيّة القدر وزئبقيّة الواقع .. ونلحظ هنا كيف تجنح المرويّة نحو الفكر الوجودي كما في (الغريب )لألبير كامو .حيث توّضب المشاعر
في الحقيبة الخلفيّة للسفر .فجون ووكر يطلب من ناكاتا أن يقتله
فقد ملّ الحياة إنّه العبث ..كذلك موت حبيب ساييكي جاء عبثاً
وساييكي تؤكّد عبثيّة الحياة (كنت أعرف أنّ الحياة عديمة الجدوى )و هوشينو كان كلّما تحدّث أكثر اتّضح له أكثر كم كانت حياته عبثيّة وبلا معنى .لذا فقد علّقت شخصيّات الرواية آمالها وأحلامها على أشرعة الرحيل ومضت خبط عشواء بعد أن رمت خلفها الركون إلى( انتظارغودو ) وواضح أنّ الصراع مع القدر
هو من يصنع الحكائيّة في الرواية
أوشيما يقول (المرء لا يختار قدره إنما القدر يختار المرء )
كافكا يقول (إنني انجرفت إلى هذه المكتبه كأنّما بفعل القدر
وهكذا ربط الكاتب شخصيّاته بخيط القدر الذي يحركها كالدمى
وإذا كان كافكا قد هرب من قدره كي لا تتحقق نبوءة والده أي بحثاً عن خلاصه فإنّ كل الشخصيات تنحو هذه الجهة ساييكي تقول (كان عليّ أن أرحل كي أنجو بنفسي )
وناكاتا يؤكّد رحيله يقول (كنت أعيش هنا ذات مرّة وعدت مرّة أخرى )إنّه الرحيل إلى العالم الآخر وناكاتا وساييكي كانا على موعد اللقاء تقول (ما لم أكن مخطئة أظن انني كنت في انتظارك )مع أنهما متضادان فهي تعيش الذكريات وهو يعيش الحاضر ولا ذكريات لديه وكأنهما نصفان يكتملان ببعضهما لذا كانت نهايتهما عندما التقيا .
والرواية تأخذ نموها الدرامي من خلال صراع الشخصيات مع مصيرها وقدرها المرسوم سلفا وكأنّ لها عشاءها السري مع دربها المرسوم فهي تعرفه يقول ناكاتا .لا تعرف لماذا أنت ذاهب ومع ذلك عليك الذهاب إلى شيكوكو .وساييكي تقول ( كل ما أردته الانطلاق إلى عالم آخر . وساكورا هي الأخرى هربت من البيت عندما بلغت الخامسة عشرة
هذا وقد جهد الكاتب لتكون شخصيّاته من لحم ودم فغرسها في بيئة يابانيّة معروفه (طوكيو وما حولها ) لكن بعض الشخصيات بقيت مجرد فكرة كما وصفت نفسها .. وأبدع الكاتب حين رسمها كنماذج جهيرة لنقصان البناء النفسي والفكري فهي مصابة بداء النقص تنبئك بذلك قبل صياح الديك إنها تعاني من فراغ داخلي مرده إلى نضوب العاطفة الأسريّة فغدت مصلوبة على أعمدة القدر مستلبة من الداخل يدفعها قلق نفسي مغمس بالسوداويّة . فهو لايحب الكلام ,ليس له أصدقاء , كافكا (عيناه باردتان كعيني سحليّة تعبيرات وجهه جامدة لا تنم عن شيء يقول لا أتذكّر متى كان آخر مرّة ضحكت فيها )على اعتبار الضحك من مظاهر السعادة .
وبدا منذ اللحظات الأولى يجر حقائب خيبته هارباً من نبوءة لعنة يدفع أمامه (صخرة سيزيف ) لا يملك أي هدف في حياته مذ فقد دفء أجنحة أمه وتعاليم حليبها وبدا عارياً بعد أن أدار أبوه ظهره له . وناكاتا هو الآخر يعاني خواء داخلياً يقول (لست متّصلاً على الإطلاق ) وهو معوّق ذهنيّاً (ص441) وقد ارتكب جريمة قتل في حالة غيبوبة وهو يتحدث عن نفسه دائماًبضمير الغائب يقول (لا يفهم ناكاتا شيئاً مما يحدث)
وساييكي تعاني من عدم الرغبة في الحياة وهي في حالة شرود دائم , تعيش الوحدة والعزلة (ص518) وشكلت البؤرة التي تلتقي عندها خيوط الحكاية ,,
اوشيما ليس له أصدقاء ومريض دم ..وهوشينو يتصفّح مجلات الرسوم المتحرّكة (أعماقه النفسيّة ما تزال طفليّة ) وقد حرم من حنان الأبوين كذلك .
وشخصيات الرواية بالكامل مغسولة من المشاعر العاطفيّة العميقة كرو مثلا يتلقّى نبأ مقتل والده بحياديّة تامة بل بعدائيّة واضحة .يقول (لا أنا فعلا حزين ,فهو أبي في نهاية الأمر , ولكن أسفي الحقيقي فلأنّه لم يمت قبل هذا بوقت طويل ) هي حالة من العدائيّة وانتفاء الحس بالرابط الأسري ..
والحديث عن الشخصيّات الرمزيّة (فساندرس يمثّل الحضارة الحديثة هو وجون ووكر .لذا جاء مقتل (جون ووكروذاك الشيء الذي خرج من جوف ناكاتا ) إشارة إلى انتصار الروح اليابانيّة على العولمة
والعلاقة الجنسيّة التي وردت ثماني مرات والتي تخلو من التشاركيّة و المشاعر الإنسانيّة وصورت بشك مادي بعيداً عن الروح ..هي تحذير من طغيان ماديّة الحياة على روح الإنسان …
وحجر المدخل هو باب الدخول إلى العالم الآخر والذي لا يفتحه إلا من كان بريئاً لن تتلطخ يداه بآثام الحياة لذا لم يفتحه ناكاتا بل اعتمد على هوشينو ……..
هي روايه تعتمد الحداثة مدهشة في كل المقاييس …