كورونا في محور الفن والأدب
فواد الكنجي
بعد إن شهدت دول العالم اجمع حالة من الاضطراب والارتباك اثر تفشي الجائحة الوبائية لـ(كورونا) مست جميع أنشطة الحياة السياسية.. والاقتصادية.. والاجتماعية؛ ليأخذ قطاع الأدب.. والفن.. و المسرح.. والغناء.. والثقافة.. والتربية.. والتعليم.. والرياضة.. والإعلام.. حصتها كنتيجة فرضها الواقع الصحي، ولمتطلبات الوقاية كان (التباعد الاجتماعي) احد أهم مؤثرات المفروضة على تجمعات الإفراد؛ فبموجبه تم إلغاء وتقيد وتأجيل كل أنشطة هذه القطاعات الإبداعية من تقديم عروضهم ومهرجاناتهم الأدبية.. والفنية.. والمسرحية.. والسينمائية.. والرياضية.. ومعارض الكتب والفن؛ والى إشعار أخر، ولكون هذه المجالات التي لا يمكن الإبداع وتقديم عروضها وروائعها بمعزل عما يحدث حول محيطها؛ بكون أفعالها ما هي إلا ردود فعل لمتغيرات طارئة تحدث في العالم وفي بيئتها بفعل اثر وتأثير التي تظهر في خصائصها؛ ويقينا لان هذه المجالات الإبداعية تعيش واقع (الصدمة) كما تعيش مجتمعات الأرض اجمعها؛ فان ردود فعل قد لا تظهر جلية في إبداعاتها المقدمة في هذه المرحلة إلا بعد إن تتجذر مفاهيم التي تفرزها تأثيرات جائحة (كورونا) على (النظام الدولي) وما ستحدثه وما سيحدث من متغيرات مجتمعية وفي الأنظمة السياسية؛ فحينها – لا محال – ستكون لها انعكاسات فعلية وانفعالات وأفعال وردود فعل تحدد ملامح النزعات والأساليب المستحدثة في طبيعة حركة (الفن والأدب) الإبداعية المصاحبة لهذه التغيرات، لان أية قراءة لتاريخ (الفن والأدب) سنجد بان حركات الإبداعية التي فجرت عبر (مدارس الفن الحديثة) قد أتت نتيجة لتغيرات اجتماعية.. وسياسية.. واقتصادية؛ التي أتت نتيجة (الثورة الصناعية) التي فجرت في (عصر التنوير) في منتصف (القرن السابع عشر) وما بعده؛ والتي كان لها دورا بارزا في إحداث تغيرات جذرية في المنظومة الدولية، فتمرد الفنانين والأدباء والمبدعين على أساليب (الفن والأدب) القديمة واستحداث مفاهيم واكبت التحضر وتطلعاتها بمدارس ومذاهب فنية متعددة؛ ولا محال فإن ما سيحدث من تغيرات التي ستطرأ على (المنظومة الدولية) التي تعيش اليوم واقع (الصدمة النفسية) لجائحة (كورونا)؛ أربكت مشهد حياة الشعوب وأصابها نوع من الجمود والشلل مس صميم مرافقها الاجتماعية، بعد إن دخلت الحياة العامة لكل المجتمعات البشرية على كوكبنا دائرة الحجر الصحي الوقائي الطوعي والإجباري، وهذا ما قاد المبدعين إلى (الانعزال) ليتفرغوا إلى التأمل والى تحليل ما يحدث حولهم من مظاهر لم يعتاد عليها الإنسان؛ لتتكرس لديه سلوكيات اجتماعية غريبة فرضها (التباعد الاجتماعي الوقائي)، لتظهر عند كل (المجتمعات) ثقافة غريبة عن طبائع التي كانت قد رسخت في ذهن الإنسان والمجتمعات وحضارة الإنسان؛ بما عكست هذه الثقافة صدمة نفسية؛ سيستيقظ منها المبدعون بإبداعات تعكس هذا الواقع المرير في شتى مجالات الحياة؛ ليخلقوا منها تعبيرات (حداثية) ستغير الكثير من المفاهيم (الفن والأدب) وستجدد وستضيف لها بانعكاسات المشاهد للازمة الكارثية التي حلت على البشرية بجائحة (كورونا)، باعتبار (الفن والأدب) انعكاس للمتغيرات؛ وان تغيير التي ستحدثه جائحة (كورونا) سيجد لها انعكاس في (الفن والأدب) وأساليبهما؛ وستكون هذه الإبداعات صدى لهذا (الصدمة) التي عاشتها وستعيشها المجتمعات في العالم؛ والتي ستستحدث بعد الجائحة الوبائية لـ(كورونا)، لان المعانات التي تتجذر يوميا في نفوس المجتمعات؛ وما يترتب عنها من الآم الروح والجسد ومعانات وعذاب وفقدان الملايين من بني البشر بعد رحلة الم وشقاء مع المرض الذي عاشها ويعيشها الإنسان وهو يعاني اختناقات تنفس بطيئة تطبق على أنفاسه؛ وهو يرى هذه المشاهد المروعة بآلاف وبملايين المصابين بالوباء (كورونا) يوميا؛ لدرجة التي أصبحت حياته مهددة في كل لحظة من عدو غير مرئي يطوف ويطوق حياته ويهددها في كل لحظة وثانية؛ إنها محنة (الإنسان) في نطاق مجتمعاتنا يعاني العزلة.. والمدن المغلقة.. وكمامات الوجه التي تشوه جمال الوجه وأصبحت رؤيته مشهدا مزعجا ومقرفا في النفوس؛ لدرجة التي ما إن ينزعها حتى يتم رميها تحت أقدامه ليسحقها قرفا منها؛ ولكن – لا محال – يجبر الإنسان للعود إليها مجددا ليكمم نفسه بنفسه مجبرا لشيء لم يعتاد عليه ولم يعتد؛ بقدر ما كان قرف المبدعين وامتعاضهم من أساليب القمع وتكميم الأفواه – أين كان شكلها – وخاصة التي تمارسها الحكومات القمعية في (تكميم الأفواه) بعدم النشر أو إعطاء التصاريح لنشر بما يكتبون ويعبرون عن مشاعرهم وما في دواخل الإنسان المتعطشة للحرية والعدالة والمساواة والتنفس عما في دواخل الإنسان في أبداء الرأي والتعبير بشفافية وحرية من اجل إن يتنفس الإنسان حريته ليشعر بحريته وحرية المجتمع التي أرادت السلطات القمعية تطويق الإنسان والمجتمع بقيود ولائيه (تكمم الأفواه) وتصادر من الإنسان الحرية وحق التعبير وإبداء الرأي وتقبل الرأي الأخر؛ ليكون أمر (تكميم الأفواه) اليوم واقع حال أينما تذهب ليصبح المكان المغلق – مساحة الحياة في عالمنا – مكانا مقرفا لا يطاق الإقامة فيه، لذلك فان الألم والعذاب سيفتح أفاق (الفن والأدب) باستحداث أفاق جديدة بـ(الشكل) و(المحتوى) ما بعد جائحة (كورونا) وسيكون بوابة دخول في إبداعات التعبير مواكبة بطقوس وبشتى أساليب الإبداع؛ في زمن الذي سيتمخض ما بعد (كورونا) بإبداعات فكرية وأعمال تشكيلية؛ سيكون تأمل فيها مخاض تجربة قاسية عاشها الإنسان مع جائحة (كورونا) بكل منغصاتها .
كورونا ستشكل منعطفا ستغير طريقة التعبير في الأدب والفن
ومن هنا فان الأزمات تلعب دورا كبير في بلورة المفاهيم عند (الأدباء والفنانين) في الإعمال الفنية؛ وستعكس واقع هذه المرحلة الوبائية التي توقفت فيها الحياة بصورة عامة؛ ليس فحسب في مجال الأنشطة الفنية والأدبية والثقافية؛ بل بشتى جوانب الحياة الإنسانية؛ بعد إن شهد عالمنا (الإغلاق الكبير)، لذلك فان المبدعين بعفوية سيترجمون مصائب هذا الواقع الذي وقع تحت وطأة جائحة (كورونا) بلغة الإحساس الداخلي متفننين صياغة تعبيراتهم عبر مدارس (الفن والأدب) رغم عدم ظهور أو تلويح – لحد الآن – ملامح لمدرسة فنية تخص هذه المرحلة؛ وربما سيتمخض لاحقا عن ذلك، لان ابرز ملامح هذه المرحلة تتمثل بالحزن.. والكآبة.. والسوداوية.. والعزلة.. والانفراد.. وبمظاهر شوهت (الكمامة) جمال (وجه الإنسان) الذي كان مصدر الهام الفنانين لمرحلة طويلة؛ وسيظل هذا الوجه المقنع اليوم بـ(كمامة الوقاية من الوباء) مدار اهتمام حركة التعبير عند الأدباء والفنانين؛ بما سيركزون إبداعاتهم عن طريق تعبير بالأحاسيس الداخلية عبر هذا (القناع) المفروض على (الإنسان) والذي يشوه معالم الجمال للوجه الإنسان الذي وسم بهذا الجائحة بالكآبة.. والحزن.. والعزلة.. والانفراد.. وبالتباعد الاجتماعي المفوض على إنسانية الإنسان؛ الذي بطبعه يعرف بكونه (إنسان اجتماعي)؛ يحب الاختلاط.. والألفة.. والتحاور الجماعي؛ فهذه الوحدة المفروضة.. وحالة الفراق.. وبكاء الأحبة للذين يفقدونهم اثر الجائحة تشكل منعطفا ستغير طريقة التعبير (الفن) الذي حبه يركض دوما باتجاه الشمس.. والنور.. والسعادة، ولكن مع وقائع الألم.. والحزن.. والعذاب.. وما تخلفه جائحة (كورونا) من مظاهر مأساوية في المجتمعات؛ مع محاولة الإنسان التكيف مع المتغيرات الحاصلة حول محيطه؛ رغم حالة التقيد التي تتوسع دائرتها يوما بعد أخر على حرية الإنسان، فان التعبير (الفني والأدبي) و(الألوان) و(الكلمات) التي هي أدواة الفنان والمبدع لتنفس عما في دواخلهم في ظل ظروف استثنائية لتوثيق ضغوط المرحلة التي يعيشها؛ ليتم نقل تجربته لمشاركة الآخرين لإشباع ما يدور في أعماق النفس، بكون (الفنان والأديب) لهم ملكات فطرية يستطيعوا من خلالها التعبير عن مشاعر وأحلام الإنسان التي أغلقت في وجهه – على حين غرة – مساحات الحياة الواسعة وبشكل دراماتيكي؛ ليتقوقع في محيط محسوب فيها كل خطوة يخطوها خوفا من جائحة (كورونا) ويصبح أسير المنزل والجدران الأربع حيث الوحدة.. والعزلة.. والانفراد؛ بعد إن أغلقت عنه مساحة الحرية قسرا؛ وكأنه حكم علية بالسجن الانفرادي؛ فما بالك بمشاعر إنسان رهيف يكون أسير هذه التناقضات في الحياة التي خلفتها (الجائحة) وهو في هذا الأسر يكتشف معنى إن يكون إنسانا ليكون (الفن والأدب) منفذا يعبر عن هموم الذات عما يحدث من حوله في هذا العالم الموبوء؛ مع استمرار الإغلاق والتباعد الاجتماعي؛ ليفكر (الفنان والأديب) بوسائل أبداعية عبر (الخيال) و(الأحلام) ليجتاز من خلالها هذه الحواجز لتواصل مع الآخرين بكل وسال التقنية والابتكار الحديث في التكنولوجيا المعلوماتية عبر (الانترنيت) ليتخطي عرض أعماله الفنية في قاعات العرض المغلقة أو طرح مؤلفات الكتاب عبر طباعتها وعرضها في المكتبات إلى وسائل عرض أكثر مشاهدة للعمل الإبداعي عبر (الانترنيت) ومواقع التواصل الاجتماعي، بعد إن أصبح يقين (الإنسان) بمرحلة انتهاء الأزمة الوبائية لـ(كورونا) أمرا شبه مستحيل – على الأقل في هذه المرحلة – ولهذا تجلى التعبير والعرض الأعمال الإبداعية بطرق بديله؛ ليتم أداء جسور التواصل المجتمعي بكل وسائل المتاحة لكسر طوق مشاعر العزلة.. والانفراد.. والتباعد.. للحفاظ عن قيم المجتمع في الألفة.. والمحبة.. والتحاور.. وتبادل الآراء بالوعي والإبداع كإحدى وسائل الترفية والعلاج النفسي لكي لا تأثر هذه العزلة على الإنسان وسلوكه فيما بعد أزمة (كورونا)؛ ولكي لا يسيطر الخوف.. والقلق.. والملل.. والعذاب.. والألم على حياته، بعد إن رأى كيف إن (الحيوانات البرية) أخذت تتجول في شوارع المدن وتتواجد في أماكن التي كانت إلى الأمس القريب مستحيل رؤيتها فيها، ليكون (التعبير الفني) بإبداعاته في هذه المرحلة؛ تعبيرا بان ما يحدث ليس فناء البشرية ونهاية العالم؛ بل هي مرحلة من التغيرات طارئة أحدثتها جائحة (كورونا) في الحياة، بتأثيرات سلبية كانت لهذه السلبية اثر في عالم (الفن والفنانين) و(الأدب والأدباء)؛ بما جعلهم يفكرون بأعمال وطرق تنفيذ مشاريعهم لم يفطنوا بها مسبقا قط؛ وهو أمر الذي اثر على (الفن والأدب) على مستوى العالم اجمع، لان تغيير الذي يحدث في عالم (الفن والأدب) ما هي إلا حالة من المشاعر الضاغطة على نفسية المبدعين متعلقة بمصير حياتهم وصحتهم المهددة بالجائحة (كورونا) واخذ ينقل تجربته عبر وسائل (التواصل الاجتماعي) و(الانترنيت) كوسائل لتوعية لتأخذ رسومات المعبرة في اللوحات والمعبرة بانفعالات خاصة وبمشاعر إنسانية مرتبكة.. ومعذبة.. وقلقة.. عبر صور شبه فوتوغرافية بعيدة عن (مفاهيم الفن) الذي اعتدنا رؤيتها عبر أساليب (مدارس الفن) ليصبح ما ينشر على صفحات هذه المواقع في (الانترنيت) من لوحات فنية باعتبارها (فن) يمكن لنا إطلاق تسمية له بكونه (فن بلا مفهوم) .
وهذه الأساليب والممارسات الفنية التي تطرأ على (الفن) في هذه المرحلة من انتشار وباء (كورونا) في كل أنحاء العالم هي التغيرات التي ستطرأ على (الفن) كأسلوب مستحدث حدث بسبب تفشي وباء (كورونا)، بعد إن اخذ هذا الوباء يجبر الإنسان على المكوث بين الجدران الأربع في منازلهم ولفترات طويلة؛ ليكون تحمله هذا الصمت الذي يطبق على أنفاسه فسحة لتأمل بحجم تفاهة الحياة التي أصبحت أسيرة جشع (الرأسمالية) التي سخرت كل أنشطة الحياة من اجل الحصول على مزيد من المكاسب حتى وان جاءت هذه المكاسب عبر تصنيع أسلحة جرثومية وعبر الاستغلال والعبودية الإنسان للمادة؛ بما أدى الأمر على ما هو علية اليوم من تفشي فيروس قاتل يهدد مصير الحياة على كوكبنا نتيجة هذه الجشاعة لـ(الرأسمالية) وعجزها من المواجهة؛ لتهدد الحياة على كوكبنا نتيجة هذه العبثية للرأسمالية المتوحشة الذي وقف (الفنان والأديب) أمامها ناقدا؛ بعد إن أخذت أدوات (الرأسمالية) تحصد أرواح الملايين من بني البشر، فجاء تعبير (الفنان) زاخرا بلوحات تعبير وهي تعج بمشاهد الموت.. والدمار.. والبكاء.. والعذاب.. لفقدان الأحبة نتيجة الحروب والأسلحة الفتاكة والأوبئة الجرثومية المصنعة التي عرفتها البشرية من (الطاعون) و(الكوليرا) و(السل) و(التيفوئيد)، وكما كان (الفنانين والأدباء) يسلطون الضوء على هذه الأوبئة وفظاعتها في قتل ألاف وملايين من البشر في أعمال خالدة نفذت منذ القرن (السادس عشر) والى يومنا هذا؛ والتي خلدها الفنانين في أعمالهم تلك؛ والتي اليوم يستطيع أي واحد منا رؤيتها على شبكات (الانترنيت) والتي اغلب تلك الإعمال الفنية موجودة في متاحف العالم أو الروايات الأدبية التي كتبت عن تلك الحروب والأوبئة والتي سلطت الضوء على مأساة مروعة لتلك الحقبة من تاريخ العالم؛ والتي تزخر مكتبات العالم بها، واليوم تعاد رؤية تلك المأساة على ارض الواقع؛ وكأننا نعيش في مأساة الأمس (البعيد – القريب) بكل ما حدث ويحدث اليوم اثر تفشي وباء (كورونا) القاتل؛ لنستخلص من كل ما حدث ويحدث بان (البشرية) لم تتعظ بكل ما توقعه الحروب والفيروسات المصنعة والأوبئة لقتل الإنسان وتدميره ومن مخاطر تهدد الحياة على كوكبنا بالانقراض كما انقرضت ألاف كائنات التي كانت ذات يوم تعيش على كوكبنا؛ وهذا ما يجعل من (الفن والفنانين) و(الأدب والأدباء) يطرحوا أسئلتهم وأساليبهم المتنوعة في إبداعاتهم الفنية في هذه المرحلة من انتشار الوباء والإغلاق الكبير وما يلي هذه المرحلة أي ما بعد (كورونا)؛ لان مفاهيم الإنسانية في ظل معاناة والآلام التي عاشتها المجتمعات ستضيف إلى المفاهيم الإبداعية نظرة إنسانية أكثر شمولية وبنظرة متجددة لحجم قسوة الزمن.. ومخاطر الأوبئة.. والعزلة.. والانغلاق.. والمعاناة.. والآم البشرية التي ذاقتها في مرحلة انتشار الوباء الذي حصد أرواح الملايين من الأبرياء، وستكون نظرة (الفن والأدب) للمنجز الفني والأدبي إصرارا لتقديم روائع بأطروحات فكرية لتجاوز الأزمة وبنظرة مستقبلية لمحاولة النسيان والهروب من الجحيم الوباء؛ ليتم توثيق هذا الزمن المرعب من الإغلاق عبر الإقامة القسرية.. وحضر المنزل.. والتباعد الاجتماعي.. وما تم فرضه من أسليب غير معتادة في الحياة؛ وكل ذلك سيتجسد لصالح إبداع (الفن والأدب) لان مغاض الذي عاشه ويعيشه (الفنان والأديب) في تجربة (العزلة) لا يعبر عن تجربة (ذاتية) محضة بقدر ما هي تجربة (موضوعية) تمس صميم واقع مجتمعات في ظل أزمة وباء (كورونا)؛ وهذا الإحساس المشترك بـ(العزلة) هو الذي يمهد تطور الأفكار عند (الفنان والأديب) لتنفيذ إعمال تجسد واقعه تجسيدا حيا؛ فيوثق مخاوفه وهواجسه بشكل يومي عبر ممارساته وتجاربه مع واقع المتغير في زمن (كورونا) وهو ينفذها في عزلته بكل سكينة وهدوء لمعالجة مواضيع الساعة برؤية موضوعية بما يثيره الوباء على نفسية المجتمع والأفراد؛ وهذه المضاعفات المجتمعية بما تخلفه الأوضاع الاقتصادية والسياسية لا محال ستترك أثارها على (الشكل والمضمون) في (الفن والأدب)؛ لان الفنان والأديب هو فرد من المجتمع يشعر بنبضه ومنه ينطلق إبداعه باعتبار إنتاجه هو انعكاس للواقع الذي يعيشه؛ وهذا أمر موثق في (تاريخ الفن) بكون المعانات.. واليأس.. والقلق.. الذي تخلفه الحروب والأوبئة هي التي تخلق روائع (الفن والأدب) .
الفن والأدب ينبع من رحم الأزمات والمعانات والحروب والأوبئة
لذلك فان (الفن والأدب) الذي يخرج من رحم الأزمات والمعانات والحروب والأوبئة هو (فن وأدب) ملتزم معبر لتميزه ولإبداعه لنفسية الإنسان التي تفتح فيها نوافذ الحياة ليتم تغذية إحساس البشرية بهذه الروح الفياضة بالسمو لتخفيف من معاناة الإنسان وتعزز الأمل في الذات لتجاوز الصعاب ولبناء المستقبل بقوة الإرادة والمواجهة وفي توعية الإفراد والمجتمع بالأزمات والأحداث التي تحدث حول العالم، وهذه هي رسالة (الفن والأدب) وخاصة في هذه المرحلة الذي يتفشى فيها وباء (كورونا) والذي يحصد أرواح ملايين من بني البشر؛ بكون (المبدعين) في الإعمال الفنية.. والأدبية.. والثقافة.. والفكرية.. لهم من المؤثرات.. والإمكانيات.. والمهارات.. والتقنية.. والادوات؛ ممكن إن يستغلونها في نشر التوعية وأساليب الاحترازية للوقاية من وباء (كورونا) أو من بقية الأوبئة الفتاكة؛ وذلك بطرح مواضيع بتعبيرات توحي للمتلقي حجم قسوة الوباء.. ووحشية الموت.. وشبحه الذي يغيم على المجتمعات البشرية؛ ومثل هكذا أعمال رغم إننا سبق إن التمسنا قسوتها في أعمال خالدة خلدها فنانين وأدباء الرواد على نحو ما عرفته حضارتنا وعاشتها على مر العصور كمآسي التي خلفها وباء (الطاعون) و(السل) و(الكوليرا)، وكانت الحركات الإبداعية الأدبية والفنية قد جسدت تلك الماسي بإعمال وروائع خالدة؛ بما غذت أعمالها الإبداعية من تلك المواضيع المأساوية في أعمال وإبداعات، حيث كان تأثر (الفن الأدب) بتلك الكوارث مصدر يتغذى منها (الأدب والفن)؛ وبتأثيراتها تم إنشاء الكثير من الحركات الفنية والأدبية التي عبرت عن حقيقة تلك الأحداث والتي تعد تلك الأعمال التي قدمت في مجال (الأدب والفن) توثيقا لتلك المراحل المؤلمة التي مرت على التاريخ البشري؛ بما تم حفظ الكثير من تلك الأحداث التي خلدت في أعمال الفنانين لتلك المراحل من التاريخ الزاخر بالإبداعات المرتبطة بعمق قضايا المجتمع والتي مازالت تنبض بتلك الإحداث ليتلقاها المتطلع لها بانفعال وتأثير بالغ في النفس لصدق مواضيعها وأسلوب طرحها؛ لكون تلك أعمال عبرت عن الواقع بالصدق ولم تكن سطحية؛ لان ما لم يتم تناوله بمشاعر وبتعبير صادق سيزول بزوال الزمن ومرور الأزمة وبزوال الحدث؛ لان (الفن والأدب) لم يتبلور مفهومة إلا عبر التوثيق والوقائع اليومية من صراعات.. وأوبئة.. وحروب.. وانتصارات.
وهكذا وثق (الفن والأدب) منذ القدم تلك الإحداث وقد التمسنا ذلك في آثار وفي رسومات الكهوف والمنحوتات والتجسيد الحجري وفي الكتابات الرقمية كتبت على ألواح طينية؛ بكون هذه الأساليب كانت بمثابة لغة تعبيرية لتلك المرحلة، لتستمر علاقة (الفن والأدب) بتوثيق وتسجيل الإحداث والأزمات عبر العصور كما كان الحال عند الحضارة (الأشورية) بما قدموه من منحوتات وتماثيل ورسومات وكتابات أدبية رائعة كتبت بالخط المسماري على الألواح الطينية معبرين عن كل ما حدث في عصرهم؛ وكذلك الحال في الحضارة (الفرعونية) و(الإغريقية) و(الرومانية)، واستمر (الفن والأدب) في مختلف مراحل التاريخ القديم والحديثة والمعاصرة يرصد الأحداث والأوبئة والمعارك؛ لتكون ما تم توثيقه في (تاريخ الآداب والفنون) خير شاهد على ما مر في التاريخ من أحداث التي وثقت بتعبيرات أدبية وفنية متنوعة .
واليوم نفس ذلك سيناريو يتكرر رغم أن تأثيرات الحالة (الاقتصادية) أثر سلبا على الأنشطة الفنية التشكيلية.. والأدبية.. والمسرحية.. والسينمائية؛ لذلك لم يكن إمام المبدعين المعاصرين في هذه المرحلة الوبائية لـ(كورونا) إلا اكتشاف (العالم الافتراضي) عبر (الانترنيت) ليتم تنفس عما في دواخلهم من مشاعر وإحباط اثر تفشي وباء (كورونا) القاتل؛ والذي أدى إلى (الإغلاق الكبير) لكل مجالات الحياة على كوكبنا؛ ولهذا اتجه (ألمبدعين) إلى شكل مغاير عما اعتدنا رؤيته أو قراءته عبر مراحل التاريخ السابقة، فكان واجهة المبدعين في عالم (الفن والأدب) هو التنفس عبر (الانترنيت) بما وفر هذا العالم التكنولوجي مساحات فضائية واسعة تجاوزت حدود (الإغلاق الكبير) فأمكنت (الفنانين والأدباء) من كسر حالة الشلل والجمود التي خلفتها جائحة (كورونا) في الدوائر الفنية.. والأدبية.. والثقافية.. والتعليمة.. والتربوية.. والعودة للنشاط تدريجيا عبر العالم الافتراضي (الانترنيت) ومواقع التواصل الاجتماعي؛ رغم إن الأعمال المقدمة في مجال (الفن والأدب) لم يتمخض عنها ذلك الإحساس النابع من وجدان وضمير الإنسان الداخلي المفزع بالوباء الذي شاهدناه في أعمال الفنية والأدبية القديمة اثر انتشار الأوبئة، ولكن يقينا إن (المبدعين) ما زالوا يعيشون تحت حالة (الصدمة النفسية) التي خلفتها جائحة (كورونا) في المجتمعات، لان (الفن والأدب) لا يمكن – بأي حال من الأحوال – سلخ واقعهم عن واقع المجتمعات وآلامهم ومآسيهم؛ بكون (الأدب والفن) ما هما إلا ترجمة للمشاعر ولغة الأحاسيس الإنسانية التي تزودنا و تزيدنا وعيا وإدراكا ووضوحا وتعطينا فهما عميقا لكل الأشياء التي تحيط حولنا، ولهذا فان (الأدب والفن) عوالم تتناول كل ما في الحياة والتي تؤثر في مشاعر وأحاسيس الإنسان؛ لذلك تأتي أعمال (الأدب والفن) من هذه الأعماق ويتم تنفيذها في نفس الأعماق عبر التعبير الواقعي المعبر عن صدق الذات ومشاعرها اتجاه الإنسانية لتحقيق اكبر قدر من التوازن بين الدوافع والرغبات المشاعر والعقل؛ أي بين (الشكل والمضمون)؛ لان (الفنان والأديب) يوازنون بين الحرية والمسؤولية؛ بكونهم لا يتجردون من مسؤولية الأخلاقية والاجتماعية إزاء ما يقدمونه؛ فالتفكير.. والإرادة.. والإحساس.. والمشاعر هي التي توصلنا إلى (الجمال) الذي يكمن فيه المضمون بأصالة المعنى المطروح مع روعة الإشكال المعبرة عنها .